شهدت الحلقة السابعة من مسلسل رسالة الإمام مسألة فقهية أثارها الإمام الشافعى، حينما عرض عليه حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب على جلود الحيوانات وليس الورق، الأمر الذى سلط الضوء على موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم منها.
ووفقا لما أثير فى الحلقة السابعة، فإن مبعث الخلاف هو عدم التيقن مما إذا كانت الشاه التى يستخدم جلدها فى الكتابة، قد ذبحت باسم الله أم لا، وهو ما استلزم توضيح ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فى هذه الحالة.
وورد فى شأن الانتفاع بـ جلد الميتة حديثان، أحدهما يفيد جواز الانتفاع به، وثانيهما ينهى عن الانتفاع به.
فأما حديث جواز الانتفاع فقد رواه عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" رواه مسلم. والإهاب هو جلد الحيوان.
وأما حديث النهي عن الانتفاع فرواه عبد الله بن عُكيم قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" رواه الترمذي وصححه الألباني.
حديث ابن عباس يدل على إباحة الانتفاع بجلد الميتة بعد الدباغ، ويؤيده أحاديث وآثار منها: ما رواه الإمام مالك في "الموطأ" عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت".
وما رواه أبو داود في "السنن" عن سلمة بن المحبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أتى على بيت، فإذا قربة معلقة، فسأل الماء، فقالوا: يا رسول الله! إنها ميتة. فقال: "دباغها طهورها" قال الشيخ الألباني: صحيح.
وفي "السنن الكبرى" للبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فى جلد الميتة قال: "إن دباغه قد ذهب بخبثه، أو رجسه، أو نجسه" قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
وفى نفس السياق، قال ابن رشد: وسبب اختلافهم تعارض الآثار في ذلك، فقد ورد في حديث ميمونة إباحة الانتفاع بها مطلقاً، وفي حديث ابن عُكيم منع الانتفاع بها مطلقاً، وفي بعضها الأمر بالانتفاع بها بعد الدباغ والمنع قبل الدباغ.
والثابت في هذا الباب هو حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" فلمكان اختلاف هذه الآثار اختلف الناس في تأويلها، فذهب قوم مذهب الجمع على حديث ابن عباس، ففرقوا في الانتفاع بها بين المدبوغ وغير المدبوغ، وقيدوا حديث ابن عُكيم بحديث ابن عباس. وذهب قوم مذهب النسخ، فأخذوا بحديث ابن عكيم؛ لأنه كان يحدث بأن هذا آخر الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بعام".
وكما هو واضح، فإن حديث ابن عُكيم لا يقوى على معارضة الأحاديث التي أباحت الانتفاع بجلد الميتة بعد الدباغ؛ لقوتها من حيث الثبوت والدلالة، ولم يبق إلا تقييد المنع الوارد في حديث ابن عكيم بما قبل الدباغ؛ جمعاً بين الأدلة، وحملاً لكلام النبي صلى الله عليه وسلم على محمل الائتلاف والانسجام، وتنزيهاً له عن عارض التنافر والانفصام.
مسلسل رسالة الإمام يعرض على منصة Watch IT، وعلى قناة dmc في تمام الساعة 6:30 مساءً، والإعادة الساعة 6:15 والساعة 11 صباحًا، وعلى المحور الساعة 7 مساءً، والإعادة 5:00 صباحًا و 12:00 مساءً، وفي الساعة 10:45 مساءً على قناة الحياة والإعادة 11:15 صباحًا، وعلى قناة CBC في الساعة 12:15 صباحًا ويعاد في الساعة 5 صباحًا.