عادت أسعار الذهب العالمية إلى الانخفاض، خلال تداولات اليوم الجمعة، فى البورصة العالمية، وذلك بعد ارتفاع أمس ليستمر التذبذب في السيطرة على تحركات المعدن النفيس منذ بداية الأسبوع، ولكن على المستوى الشهرى، قدم الذهب أفضل أداء منذ أكثر من عامي ونصف بسبب الاضطرابات المصرفية العالمية التي زادت الطلب على الذهب كملاذ آمن.
وتراجعت أسعار الذهب الفورية خلال جلسة اليوم بنسبة 0.1% لتتداول الأسعار- وقت كتابة التقرير- عند المستوى 1978.36 دولار للأونصة، يأتي هذا بعد ارتفاع الذهب أمس بنسبة 0.8%، ليستمر التذبذب في تحركات الذهب خلال هذا الأسبوع، ويتجه الذهب إلى تحقيق مكاسبه خلال شهر مارس بنسبة 8.3% حتى الآن ليعد أفضل أداء شهري منذ يوليو 2020، كما ينهي الذهب اليوم تداولات الربع الأول بارتفاع بنسبة 8.6% حتى الآن وهي المكاسب الربع سنوية للربع الثاني على التوالى.
تحليل السوق العالمي
الاضطرابات المصرفية العالمية دفعت الأسواق إلى الرهان على أن البنك الفيدرالي الأمريكي سيوقف دورة رفع أسعار الفائدة التي بدأت منذ العام الماضي، بل وصت التوقعات أيضاً أن البنك قد يلجأ إلى خفض أسعار الفائدة بحلول النصف الثاني من العام الأمر الذي أدى إلى ضعف الدولار بشكل كبير وجعل الذهب رهانًا أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى، وفق gold Bullion.
نجح الذهب في اختراق المستوى النفسي 2000 دولار للأونصة مسجلاً أعلى مستوى في عام عند 2009.69 دولار للأونصة وذلك بعد الانهيار المفاجئ لاثنين من المقرضين الإقليميين الأمريكيين في وقت سابق من هذا الشهر، مما زاد الرهانات على أن الاحتياطي الفيدرالي قد يوقف رفع أسعار الفائدة لوقف العدوى المحتملة في النظام المصرفي العالمي، لكن أسعار الذهب تراجعت بعد أن بدأت السلطات إجراءات الإنقاذ.
من جهة أخرى ارتفع الدولار خلال جلسة اليوم بنسبة 0.2% بعد أن سجل أدنى مستوى في أسبوع مع بداية الجلسة عند 101.71 وفقاً لمؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الفيدرالية أمام سلة من 6 عملات رئيسية.
يتجه الدولار إلى تسجيل انخفاض أسبوعي للأسبوع الخامس على التوالي، كما شهد انخفاض خلال شهر مارس بنسبة 1.7%، حتى الآن بينما انخفض الدولار بنسبة 1.3% منذ بداية العام وحتى الآن في طريقه لتسجيل انخفاض خلال الربع الأول من العام وللربع الثاني على التوالي بعد أن انخفض خلال الربع الأخير من عام 2022 بنسبة 7.7%.
أدى الاضطراب في القطاع المصرفي الأمريكي إلى قيام المتداولين بإعادة تقييم وجهة نظرهم بشأن تحركات الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية، والآن يرون أسعار الفائدة الأمريكية قريبة من الذروة مما قد يؤدي إلى تراجع جاذبية الدولار المعتمد على ارتفاع عوائد السندات الحكومية الأمريكية.
ترى الأسواق فرصة بنسبة 48.5٪ في أن يثبت الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في اجتماع شهر مايو، وفرصة بنسبة 51.5% أن يقوم برفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.
التغير في توقعات أسعار الفائدة في الأسواق بشكل يومي تقريباً أثر على تحركات العائد على السندات الحكومية الأمريكية، فقد ارتفع العائد على السندات لأجل 10 سنوات منذ بداية الأسبوع وحتى الآن بنسبة 5.4% لتصل إلى 3.581% وذلك بعد انخفاض في العائد استمر لثلاثة أسابيع متتالية.
أما عن العائد على السندات لأجل عامين التي تعد أكثر حساسية للتغيرات في توقعات الفائدة فقد ارتفعت خلال الأسبوع بنسبة 9.3% بعد 3 أسابيع متتالية من الهبوط دفعت العائد إلى أدنى مستوياته منذ منتصف سبتمبر الماضي كما يظهر على الرسم البياني التالي، حتى مع تعافي العائد على السندات الأمريكية خلال هذا الأسبوع تبقى عند مستويات منخفضة مقارنة بالارتفاعات التي شهدناها مطلع هذا الشهر، وهو ما ساهم في دعم أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير.
مكاسب أسواق الأسهم الأمريكية
استطاع الذهب الحفاظ على مكاسبه الأخيرة في الأسواق وذلك على الرغم من عودة الأداء الإيجابي لمؤشرات الأسهم الأمريكية، وذلك بسبب كون الطلب المتزايد على الذهب خلال الفترة الأخيرة ناجم عن كونه ملاذ آمن في ظل التوترات الأخيرة في القطاع المصرفي، بمعنى آخر أن شراء الذهب كان بغرض الاحتفاظ لفترة أطول من المعتاد بسبب عدم ثقة الأسواق في انتهاء الأزمة بعد وليست مجرد مضاربة على أسعار الذهب.
الأسواق الأمريكية عادت إلى الانتعاش من جديد بعد التدهور الذب عانت منه أثناء انهيار بنك سيلكون فالي وما تبع ذلك من سقوط للبنوك الإقليمية الأمريكية وبنك كريدي سويس في سويسرا، ولكن بعد إجراءات الإنقاذ من المسئولين عاد الهدوء إلى الأسواق من جديد وانعكس على أداء مؤشرات الأسهم.
مؤشر S&P500 الأوسع انتشاراً ارتفع هذا الأسبوع بنسبة 1.4% حتى الآن وسجل ارتفاع للأسبوع الثالث على التوالي مسجلاً على مستوى في ثلاثة أسابيع، كما ارتفع مؤشر الداو جونز الصناعي بنسبة 1.8% وسجل أيضاً أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع بعد ارتفاع ثلاثة أسابيع متتالية.
وبالرغم من كون مكاسب الذهب خلال هذا الأسبوع محدودة بعد أن غلب عليه التذبذب، إلا أن المكاسب الكبيرة في أسواق الأسهم لم تنعكس على الذهب بشكل سلبي كما اعتدنا دائماً الأمر الذي يكون قاعدة قوية للذهب بالقرب من المستوى النفسي 2000 دولار للأونصة.
أخبار هامة تنتظر الأسواق اليوم
صدر عن الاقتصاد الأمريكي، أمس بيانات عن الناتج المحلي الإجمالي عن الربع الرابع من عام 2022، وأظهرت تحقيق الاقتصاد نمو بنسبة 2.6% بأقل من القراءة السابقة والتوقعات بنسبة 2.7% وهو ما ساعد على زيادة التوقعات أن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الدخول بالتدريج بسبب عمليات رفع أسعار الفائدة المستمرة منذ العام الماضي.
كما صدر أيضاً ببيانات أعداد المتقدمين لملء طلبات إعانات البطالة خلال الأسبوع الماضي، والتي أظهرت ارتفاع بقيمة 198 ألف طلب مقارنة مع القراءة السابقة 191 ألف، وهو ما ترجمته الأسواق أن بداية لضعف في أداء قطاع العمالة الأمريكي، ما يدل على نجاح الفيدرالي في تهدئة قطاع العمالة الذي يحفز التضخم بشكل كبير.
هذه البيانات تزيد من المساحة أمام الفيدرالي لإنهاء دورة رفع الفائدة خاصة مع ظهور بوادر التراجع في النمو، وتسبب هذا في تراجع في مستويات الدولار يوم أمس.
لكن من جهة أخرى نجد أن ثلاثة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أبقوا الباب مفتوحًا أمام المزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة من خلال تصريحاتهم، وأشار اثنان منهم إلى أن مشاكل القطاع المصرفي يمكن أن تولد رياحًا معاكسة كافية لتهدئة ضغوط الأسعار بشكل أسرع مما كان متوقعًا.
أعضاء البنك الفيدرالي متوافقون مع السياسة الحالية للبنك ويرى بعضهم أن رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إضافية سيكون مناسب في معركتهم ضد التضخم، وسيكتفي التشديد الائتماني من قبل البنوك والتباطؤ في قطاع العمالة بالباقي.
من جهة أخرى تصدر في وقت لاحق من جلسة اليوم بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي عن الولايات المتحدة وهو المؤشر المفضل لقياس التضخم من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، مع توقعات بارتفاع المؤشر الجوهري الذي يستثنى منه عوامل التذبذب بنسبة 0.4%% خلال شهر فبراير.
تساعد هذه البيانات في توقع رؤية البنك الفيدرالي بالنسبة لمستقبل الفائدة بشكل كبير خلال الفترة القادمة، خاصة وأن أعضاء الفيدرالي شددوا على أهمية البيانات الاقتصادية التي تصدر قبل اجتماع البنك في مايو القادم وما سيكون لها من تأثير في اتخاذ القرار.