مع انحسار مناسيب الأنهار فى أوروبا، انتشرت تقارير عن ظهور ما يعرف بـ"أحجار الجوع"، التى حذرت فيها أجيال قديمة للغاية من كوارث قادمة مثل المجاعات، ولكن الآن يدرس العلماء الأوروبيون حلقات الأشجار التى بدأت تكشف أيضا عن معاناة القارة العجوز من الجفاف.
حلقات الأشجار
فتمر أوروبا بأشد موجات الجفاف فى تاريخها مع انخفاض نسبة الأمطار والثلوج، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه فى الأنهار والبحيرات، ووفقا لتقرير أصدره مجموعة من العلماء الأوروبيين فإن حلقات الأشجار كشفت معاناة أوروبا بحالة الجفاف الشديدة التى لم تمر بها منذ 500 عام.
وتداولت ألمانيا وتشيك وإسبانيا بالاضافة إلى دول آخرى قصة أحجار الجوع فى أعقاب جفاف عدد من الأنهار فى القارة الأوروبية بسبب التغير المناخى، تشير إلى نقش أحد أحد الحجارة التى برزت أخيرا إثر انحسار منسوب نهر إلبه فى التشيك وكتب عليه: "إذا رأيتني.. إبك"، وكتب على هذا النقش أنه يعود إلى عام 1616.
وأشارت صحيفة "لا بوث دى جاليسيا" إلى أنه فى المناخ، يعد البحث عن الاشياء القديمة مصدرا قيما للمعلومات التى تساعد على فهم الحاضر وكذلك توقع المستقبل، ويستخدم العلم آليات طبيعية مختلفة تسمح بالعودة للماضى، فعل سبيل المثال حبوب اللقاح والجليد من الأنهار الجليدية وأيضا حلقات الأشجار، وهى تقنية تُعرف باسم علم التغصنات الزمنية.
وقامت مجموعة من العلماء الأوروبيين بإعادة بناء مناخ القارة القديمة منذ عام 1600 من النسب النظيرية للكربون (C13 / C12) والأكسجين (O18 / O16) فى حلقات من شبكة واسعة من الأشجار، لمعرفة مؤشرات الجفاف والرطوبة التى تم تسجيلها أثناء نمو الشجرة.
ويبدو أن الأشجار تلعب دور أجهزة تسجيل عضوية عملاقة تحتوى على معلومات حول المناخ والحضارات ومختلف البيئات فى الماضى، وحتى أحداث المجرّات التى حدث بعضها قبل آلاف السنوات.
تشير البيانات المناخية القديمة إلى شيء كان متوقعًا، فى القرون الأربعة الماضية كانت هناك حالات جفاف كبيرة لأسباب طبيعية. على سبيل المثال، تبرز حالات الجفاف الشديدة التى حدثت بين عامى 1645 و1715، حيث تزامنت العصر الجليدى الصغير.
وقالت عالمة المناخ الألمانية ماندى فرويند، قائدة الدراسة والبحث أن "إعادة بناء المناخ نفسها تضمن أن الجفاف الذى حدث بين عامى 2015 و2018 لم يسبق له مثيل منذ 400 عام، وتشير الدراسة إلى أن حدث الجفاف الصيفى المتعدد السنوات فى 2015-2018 كان، فى حدته، غير معتاد للغاية فى سياق عدة قرون وغير مسبوق فى كثير من وسط وغرب أوروبا. يشير هذا إلى أن حالات الجفاف الأوروبية خلال السنوات الماضية قد تأثرت بالاحترار البشري".
وأشارت إلى أن الجفاف فى صيف 2018، على سبيل المثال، ترك أوروبا لا يمكن التعرف عليها، فقد أصبحت دول مثل أيرلندا والمملكة المتحدة وهولندا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا والدنمارك خالية تمامًا من الغطاء النباتى، وتشير هذه الدراسة أيضًا إلى وجود اتجاه واضح إلى حد ما عبر القارة نحو مناخ أكثر جفافًا بشكل متزايد عندما يتم أخذ نافذة زمنية مدتها 100 عام كمرجع.
فوفقا للدراسة فإن حلقات النمو فى المقطع العرضى للأشجار تسجل ارقاما اريخية تروى حكايات غنية بالمعلومات عن المناخ الذى نمت فيه كل شجرة بما فى ذلك تغيرات الرطوبة.
لم يأخذ العمل العلمى أيضًا فى الحسبان الجفاف الأخير فى عام 2022، حيث أنه فى أغسطس الماضى، أدرك مركز الأبحاث المشتركة (JRC) التابع للمفوضية الأوروبية أنها كانت أشد الفترات كثافة للجفاف دون هطول أمطار خلال الـ500 عام الماضية. ولا تزال بعض البلدان مثل فرنسا وإيطاليا فى حالة جفاف شديدة، وفقا للدراسة.
وفى ظل خريف مليء بالصراعات بسبب قطع الغاز الروسى والحرب فى أوكرانيا ، تلوح مشكلة كبيرة أخرى فى العديد من البلدان فى أوروبا، بما فى ذلك إسبانيا، حيث قد يتفاقم الجفاف الحالى فى الأشهر المقبلة، وإذا لم تمطر فى الخريف، فسوف يزداد الوضع سوءًا بشكل كبير، نظرًا لأن عجز هطول الأمطار الذى تعانى منه العديد من المناطق الأوروبية، مثل جاليسيا، مرتفع للغاية بالفعل.
نشر الاتحاد الأوروبى تقريرًا أقر فيه بأن قلة هطول الأمطار تسبب فى انخفاض المحتوى المائى للتربة بشكل كبير، وهذا يجعل من الصعب على النباتات استخراج المياه، مما يؤدى إلى إجهاد واسع النطاق على الغطاء النباتى، كما كشفت الدراسة أن شيء ما يحدث فى الأراضى المنخفضة الإيطالية، فى جنوب ووسط وغرب فرنسا، فى وسط ألمانيا وشرق المجر، البرتغال، والتى تؤكد مرور هذه الدول بجفاف شديد.
إجراءات طارئة لمواجهة الجفاف وتوفير المياه
تستعد أوروبا لصيف حرج بسبب حالة جفاف شديدة أدت لخفض منسوب المياه بشكل كبير، التى أثرت سلبا على المحاصيل الزراعية وتوافر مياه الشرب فى البلاد، مما أجبر حكومات الدول الأوروبية إلى محاربة هذا الجفاف بإجراءات شديدة مع خطط طارئة لمواجهة الأزمة.
ففى إيطاليا، اقرت الحكومة تعين مفوض استثنائى له سلطات تنفيذية لتنفيذ خطة الحكومة لمكافحة الجفاف مثلما فعلت الحكومة خلال وباء كورونا، وذلك بعد أن اثارت صور تم نشرها على المواقع الاجتماعية جدلا كبيرا بظهور مدينة البندقية جافة بدون مياه وقواربها الشهيرة متوقفة.
كما تأثرت المحاصيل الزراعية من ندرة المياه، فانخفاض منسوب المياه فى نهر بو ترك المزارعين فى منطقة إميليا رومانيا الإيطالية يخشون الاضطرار إلى التخلى عن المحاصيل التقليدية مثل الذرة وفول الصويا وزراعة عباد الشمس.
اما فرنسا فقد سجلت 32 يوما بدون اى أمطار فى الوقت الذى من المفترض أن تشهد أمطار غزيرة فى الشتاء، وبالتالى فهو أطول جفاف شتوى منذ عام 1959، وطالب الحكومة بتوفير المياه، ولكنها فى الوقت نفسه تريد تطوير حلول تكنولوجية لاكتشاف التسربات فى الأنابيب بشكل أسرع، ورى الحقول بشكل أكثر كفاءة، وإعادة استخدام المياه المعالجة.