لم تعد مكانة المرأة المصرية وليدة الخطط التنموية الحديثة، إذ تمتلك مقومات جعلتها عضوا فاعلا فى المجتمع على مر العصور فى نطاق مشاركتها وتمكينها على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية منذ عصر الفراعنة، مرورا بالفتوحات المصرية وعصر الفاطميين والمماليك إلى الازدهار الذى شهده عصر محمد على بدور المرأة فى القاهرة الخديوية،وذلك ضمن سلسلة
أسرار القاهرة إلى أن ظل الإيمان بإمكانيات المرأة راسخا لدى الدولة الدولة المصرية والقيادة السياسية بأن الاستقرار والتقدم لن يتحقق في الجمهورية الجديدة إلا من خلال ضمان مشاركة المرأة في كافة أوجه العمل الوطني، والاستمرار في بناء قدراتها، وهو ما بدى جلياً في المكتسبات التي حصلت عليها المرأة على مدار الأعوام الماضية.
القيادة السياسية بتوجيهات الرئيس السيسي دفعت نحو ترسيخ المساواة في الحقوق، وتكافؤ الفرص، وتعزيز الأدوار القيادية للمرأة، والقضاء على كافة أشكال التمييز، وتغيير ثقافة المجتمع تجاهها، فضلاً عن كفالة الحقوق الأساسية والحماية والرعاية لها، باعتبار هذه الثوابت أركاناً رئيسية لا غنى عنها لبناء مجتمع قوي ومتماسك وقادر على تحقيق مستهدفات التنمية الشاملة، وهو ما عزز النظرة الدولية الإيجابية لوضع المرأة المصرية وحقوقها.
لعبت الظروف المختلفة على مستوى الزمان والمكان دورا كبيرا في دور ملابس المرأة المصرية، كما لعب المركز الاجتماعي دورا في تصاميمها، وكانت الخامة الأساسية المستخدمة هي الكتان الخفيف الذي يبعث برودة في الجسم، ولم تعرف المرأة المصرية الملابس الصوفية، في حين استخدمت القطن مع بداية العصر القبطي، ومن هنا عرف العالم الموضة من ملابس المرأة المصرية.
وكانت المرأة المصرية تحيى حياة سعيدة دون تمييز بينها وبين الرجال، وذلك حسبما ذكرت عالمة المصريات الفرنسية "كريستيان دى روس نوبلكور"، وأكدت أن الإنسان المصري اعتبر المساوة بين الجنسين أمر فطرى، وكذلك وضعت الحضارة الفرعونية أول التشريعات والقوانين المنظمة لدور المرأة وأول تلك التشريعات وأهمها تشريعات الزواج أو الرباط المقدس من حيث الحقوق والواجبات والقائمة على الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة باعتبارها (ربة بيت) والمتحكمة الأولى فيه ، بالإضافة لحقها الكامل والمتساوى مع الرجل فيما يختص بحق الميراث، كذلك كان لها ثلث مال زوجها فى حالة قيامه بتطليقها دون سبب، كما كان المصرى القديم دائم الحرص على أن تدفن زوجته معه فى مقبرة باعتبارها شريكته فى الحياة الدنيا وبعد البعث أيضاً .
أما عن مكانة المرأة المصرية فى عصر محمد على، فذكرت الكاتب الإنجليزية صوفيا لين بول فى كتابها المأخوذ عن شكل رسائل كتبتها فى القاهرة عام 1842م، وتم ترجمته مؤخرا عن دار "عين" بالقاهرة عام 2009 م، بترجمة عزة كرارة، تحت عنوان “المرأة المصرية في عهد محمد علي: رسائل صوفيا لين بول من القاهرة”.
ويرصد كتاب نساء مصر في عهد محمد علي بعيون المستشرقة الإنجليزية، صوفيا لين بول، ترجمة عن النص الأصلي المكتوب بالإنجليزية "المرأة الإنجليزية في مصر"، عن دور المرأة المصرية في عهد محمد علي، حيث جاءت صوفيا لين بول (1804- 1891م) إلى مصر بصحبة أخيها المستشرق الإنجليزي المعروف إدوارد وليم لين (1801-1876م) صاحب كتاب "المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم"، عبر رحلة بحرية انتهت بالوصول إلى ميناء الإسكندرية في يوليو 1842م.
فيما تعد هذه المرة الزيارة الثالثة لإدوارد وليم لين، حيث اقترح على أخته صوفيا الكتابة عن نساء هذا البلد خاصة داخل نظام الحريم الذي يتعذر على رجل مثله اقتحامه، فقامت صوفيا بتدوين ما رصدته عن طريق رسائل مكتوبة ترسلها لصديقتها، إلا أن فى عام 2009 صدرت طبعة عربية من كتاب صوفيا، بترجمة عزة كرارة، تحت عنوان “المرأة المصرية في عهد محمد علي: رسائل صوفيا لين بول من القاهرة.
ولم تكن صوفيا المرأة الغربيّة الوحيدة التي زارت مصر خلال القرن التاسع عشر لتكتب عنها وعن نسائها، فهناك، كما تشير النسخة المترجمة من الكتاب نقلا عن المترجمة فى المقدمة، ذكرأسماء أخرى لسيدات أجانب فى القاهرة مثل هاريت مارتنو (1802-1876م) وفلورنس نايتنجيل (1820-1910م) وإيميليا إدواردز (1831-1892م).
والكتاب فى 260 صفحة، بمثابة 35 رسالة أولاها مؤرخة في يوليو 1842م والأخيرة مؤرخة في مارس 1846م، واللافت للانتباه والمثير للدهشة أن هذه الرسائل لاتغطي حياة النساء فقط فى مصر بل رصدت مشاهد مختلفة، حيث وصفت المعالم الأثرية ألقت الضوء على فن العمارة، ورصدت مظاهر الاحتفال فى رمضان، وجمال شوارع القاهرة ودروبها، زمساجدها العامرة العتيقة،وسلطت الضوء على دور الطاعون في حصد أرواح المصريين وذور أهرامات الجيزة فى الجذب السياحي، وألقت الأضواء على الحمام العمومي للنساء، ومراسم الحداد.
تناولت صوفيا النساء فى القاهرة باستفاضة، بداية من نساء الطبقات الحاكمة والعليا حتى المرأة المصرية العادية فى شوارع القاهرة، حيث رصدت حياة النساء فى عموم الطبقات فى القاهرة.
لم ترصد صوفيا القاهرة فحسب بل تطرقت إلى الشارع السكندري بكون الإسكندرية أول مهبط لها عندما وطأت قدميها أرض مصر، فيما وصفت التفاوت الطبقي للمرأة فى الإسكندرية بداية من ملابس الأغنياء المبهرة ذات الألوان الذاهية مقارنة بالطبقات الدنيا ذات الملابس الواسعة الأشبه بجلباب الرجال، تعلو أقدام حافية، ومن خلال رحلتها النيلية من الإسكندرية للقاهرة وصفت ما رأته عند مرورها بمدينة "فوة" بمحافظة كفر الشيخ حيث وثقت النساء على الشاطئ يملأن جرارهن أو يغسلن الثياب ثم تضع كل واحدة منهن الجرة أو كومة الغسيل فوق رأسها.
وعند الوصول إلى "بولاق" ميناء القاهرة الرئيسي آن ذاك اضطرت إلى تبديل ملابسها وارتداء ملابس شرقية وأسدلت على وجهها الخمار ، حيث لا يظهر إلا عينها، والتحفت برداء من الحرير الأسود يغطي جسدها، وامطت حمار لكونه وسيلة التنقل للنساء في شوارع القاهرة.
وتصف صوفيا بين صفحات الكتاب مواكب الأعراس والجنائز المارة أمام نافذة منزلها، وموكب المحمل وهو موكب رمزي يرافق قافلة الحجاج الراحلين إلى مكة كل عام، كما رصدت زيارته اللجامع الأزهر وأروقته التي تضم طلابا من جنسيات متعددة إفريقية وأسيوية،
وأشارت إلى سوق العبيد الذي يقام في منطقة قايتباي، وعن نظام الرق السائد قالت إنه باستثناء بعض الحالات التي تعكس قسوة ووحشية، فإن كلا من العبد والجارية في الشرق يعامَل بحلم وتسامح، وربما مثّل من يشترونهم اباء وأمهات يعطفون عليهم، وإن ملبسهم وغذاءهم جيدان جدا.
وذكرت استياءها الجهل الصحي المتفشي بين الأمهات مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى موت أطفالهن أو إصابتهم بالعمى، كما دونت ظاهرة الحسد وخوف الأبوين الشديد على الأطفال، فيما انتقدت نظام الطلاق وتعدد الزوجات فى المجتمع المصري، والعنف ضد النساء والأطفال حتى من قبل أمهاتهم فقلما تمر بضعة أيام دون أن تسمع صراخ نساء وأطفال يولولون تحت وطأة السوط أو العصا، كما انتقدت الزواج المبكر ليس فقط للفتيات اللائي لا تتجاوز بعضهن سن الطفولة، بل للصبيان أيضا.
دخول صوفيا للحرملك وكأنها المهمة الأساسية لها فى القاهرة، فكانت علاقات أخيها خير دافع على صعودها سلم القصر ومن ثم فتح باب الحرملك، وذلك مع صديقتها مسز ليدر “زوجة مبشرنا الفاضل المقيم التي اكتسبت ثقة أكثر حريم هذا البلد شأنا”. وكانت زيارتها لحريم حبيب أفندي حاكم القاهرة السابق أول تجربة لها في هذا العالم.
والحرملك، كما تصفه صوفيا فى كتابها منزل خاص بالنساء مكون من أكثر من طابق، وهو منفصل بالكامل عن منزل الرجال، وله مدخل خاص عليهحراسة مشددة، ويضم الزوجات والبنات، والأبناء الذكور حتى سن معينة، كما يضم الجواري البيض والسود، والأغوات السود (الخصيان الخادمين في القصور).
وتبدي صوفيا استغرابها من أن تظل الفتيات حتى يتزوجن بمعزل تام عن الجنس الاخر باستثناء أقرب المقربين لهن من الذكور، ثم يقبلن شخصا غريبا لم تكن لهن به صلة من قبل كزوج مهيمن على حياتهن، مستاءة من هذا الوضع بالنسبة للمرأة الإنجليزية.
أما عن الحياة الاجتماعية والترابط الأسري القوي الذي وجدته في كل الطبقات فلفت انتباهها بشدة، ونال إعجابها ، حيث الاحترام التبادل بين الناس في البيوت والشوارع، وكون الأم هى قمة هرم الأسرة المصرية، وكلما تقدمت في السن يزداد حبها واحترامها، وذلك حرصا على تنفيذ وصية النبي محمد "أمك ثم أمك ثم أمك"، كما يكون لها الأولوية على الزوجة التي تستقبل في الأسرة كأخت صغرى.
وتذكر صوفيا فى كتابها إن السيدات الشرقيات في الطبقات الوسطى والعليا راضيات ومرحات ومنشرحات الصدر بحالهن، مما يؤكد أنهن يعاملن معاملة حسنة، كما أنها ترى أن نساء الطبقة الراقية في الشرق كله لهن الهيمنة في مجالات متعددة داخل الأسر.
وتشير إلى أن أهم ما يشغل الحريم هو التطريز باستخدام إطار مستطيل يرتكز على أربعة قوائم، وكذلك الإشراف على المطبخ والجواري والخدم عامة، وكثيرا ما تقوم سيدات رفيعات المكانة بإعداد بعض أنواع المأكولات المفضلة بأنفسهن.
ورغم إعجابها بتطريزهن الذي هو “اية في الجمال” تبدي أسفها من أن النساء عامة لا يتعلمن سوى الأشغال اليدوية، كما أن اهتماماتهن، لحجبهن عن العالم الخارجي، تبدو محدودة، فقليل منهن من يقرأن ويكتبن، وإن كانت تشير إلى بعض الاستثناءات، إذ تذكر أسرة حصلت فتياتها على ثقافة راقية على يد أخ لهن أتم تعليمه في أوربا، كما تذكر حوارا حول الأحداث الجارية دار بينها وبين بعض نساء داخل حريم حبيب أفندي.
وتشبّه صوفيا نظام الحريم بدويلة صغيرة لها حكامها وموظفوها، والشخص الذي يشغل أعلى منصب بعد رب البيت مباشرة هو السيدة الأولى، وتتمثل في الوالدة، وبعد وفاتها تتخذ أكبر الأخواتالقيادة، تتبعهن في المرتبة زوجته المفضلة، وهي الزوجة الأولى إذا أنجبت، وإن لم تنجب تتنحى لأخرى أكثر حظا منها، وتتدرج مراتب الزوجات حسب إيثار الزوج لهن.
ولكل زوجة جناحها المنفصل وأتباعها، وقد تنفرد كل واحدة بقصر مستقل. ويحاط الحريم عادة بأسوار شاهقة للحديقة تصل في ارتفاعها إلى علو المساكن المجاورة، ويحرس المدخل الخارجي بوّاب والداخلي أغوات، وعلى مدخل بوابته الكبيرة تُعلّق قطعة كبيرة من الحصير لتكون ساترا له، وإذا حاول أي رجل غريب اجتياز المدخل الأول فإن الموت يكون جزاءه فور اكتشاف أمره. وتقوم بالخدمة داخل الحريم الجواري البيض والسود، والأخيرات يقمن بالخدمات الوضيعة.
وذكرت صوفيا أنها نالت شرف زيارة نظلة هانم الابنة الكبرى للباشا (محمد علي) في قصر الدوبارة، وكانت تعاني وعكة صحية استلزمت أن يزورها طبيبان. ومما حكته صوفيا عن هذه الزيارة أن نظلة هانم كانت تدخن دون انقطاع، وأن غلايينها كانت ذات مباسم مرصّعة بفصوص من البرلنتي. وتذكر صوفيا أن التبغ الذي تستخدمه سيدات مصر خفيف ورائحته يمكن تحملها بخلاف النوع المستخدم في إنجلترا.
وخصصت صوفيا 4 رسائل في نهاية كتابها للحديث عن عرس زينب هانم، أصغر بنات محمد علي باشا، حيث تنقل لنا بتفصيل مظاهر الاحتفال داخل القصور وفي الشوراع، وهو الاحتفال الذي استمر لعدة أيام.
وبوجه عام تعكس أفراح عالية القوم في مصر انذاك، كما سجلتها المؤلفة، قدرا كبيرا من البذخ والرفاهية، كما تعكس في بعض جوانبها اتباعا للتقاليد الأوروبية.
وبينما زُيّن الطريق إلى القلعة بعدد لا حصر له من الثريّات، كان القصر يَعُجّ بعدد هائل من المدعوين، وكان الزوار الأوربيون يلقون ترحيبا خاصا.
وكعادة المؤلفة في الاهتمام بوصف تفصيلي للبيوت والأثاث وملابس الهوانم وحليّهن، والأطباق والفناجين والمفارش والفوط.. تعطينا وصفا مفصلا لهدايا العروس من عريسها، من ملابس ومجوهرات وعطور وأطقم للطعام والشراب، وكلها على درجة كبيرة من الفخامة، حتى إن الشباشب كانت مرصعة بالماس، كما زُيّن قبقاب الحمام بالأحجار الكريمة.
وعلى مدار أيام الاحتفال كان هناك في جناح الحريم راقصات للعوالم وأخريات تركيات يقدمن استعراضات تتضمن حركات بهلوانية، وذلك بصحبة فرق موسيقية تعزف ألحانا عربية وتركية، كما كانت تقام مسرحيات أو مشاهد تمثيلية هزلية تؤديها نساء.
وكان الباشا دعا أئمة العلماء للعشاء معه، ثم قادهم إلى بهو أُعِدَّ ليكون مسرحا ليشاهدوا عرضا لفرقة من الممثلين الأوروبيين، “كانت هذه أول مرة، كما يقال، حضر فيها أحدهم مثل هذا المشهد، ولعلها كانت أكبر مغامرة ضمن العديد من البدع الأوروبية التي استحدثت في هذه المناسبة”، تعلّق المؤلفة.
أما في جناح الحريم فكان العشاء يقدّم بطريقة أوروبية كاملة “فالأطباق والسكاكين وفوط المائدة منسّقة على الطريقة الأوروبية”، وقد وجدت بعض السيدات صعوبة في استخدام الشوكة والسكين أثناء الأكل.
أما بالنسبة للعامة والفقراء فقد يكف يوميا في قصر الأزبكية ثلاثمائة من الطهاة بإعداد أجود أصناف الطعام للفقراء، وأثناء النهار يتسلى الناس يوميا بمشاهدة مباريات المصارعة والرقص على الحبل وحفلات الموسيقى المقامة في أماكن متعددة، كما كانت المدافع تدوّي كالرعد فوق المدينة 4 مرات على الأقل في اليوم الواحد.
وتصطف الجماهير لمشاهدة مواكب الاحتفال كموكب مقتنيات العروس التي تعرَض مكشوفة، أما موكب الزفّة فتضمن عرضا عسكريا وعشرات العربات، “كانت تبدو على ملابس الجنود مسحة شبه أوروبية، والعربات معظمها كمثيلات لها في شوارع لندن وباريس.
وكانت عربة العروس في نهاية الموكب يحيط بها الفرسان، وكانت ستائرها مسدلة ويجرّها 6 جياد. وانطلقت الزغاريد ونُثِرت النقود، وتنتقد صوفيا عادة إلقاء العملات الذهبية والفضية بين الجموع، في الشوراع أثناء مرور المواكب أو في القصر من قِبَل الباشا أو الهوانم، إذ يُدهَس ضحايا تحت أقدام المندفعين لالتقاطاها. وبالتزامن كان طهاة الباشا يحملون صواني الطعام لتوزيعه على الفقراء.
وسرعان ما تحولت أفراح الأسرة إلى أحزان، بوفاة إحدى زوجات محمد علي وتُدعَى “شمس الصفا”، وكما اتسمت قصور القوم وأفراحهم بالأبّهة، كذلك كانت مدافنهم وجنائزهم، إذ غُطي النعش بشال كشميري يعلوه عند الرأس تاج مرصّع بالماس. وكان الفقراء ينتظرون بلهفة نصيبهم من 11 جاموسة سيقت أمام النعش لتُذبَح وتوزّع عليهم.
وفى نفس السياق تناول كتاب "نساء مصر في القرن التاسع عشر" للمؤلفة جوديث تاكر، تشريح المجتمع المصري وإبراز دور المرأة ويعد الكتاب بمثابة وثيقة فى التاريخ الاجتماعي لمصر بالقرن التاسع عشر، فقد قامت المؤلفة بتحليل أوضاع نساء مصر فى ذلك القرن ضمن سياق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، يسط الكتاب الضوء على تعرض النساء للتهميش وما يتبعه من إقصاء واستبعاد من الدراسات التاريخية، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب كمثال رائد على كتابة تاريخ النساء، فكان الاهتمام بالزراعة وتثبيت المفهوم بأن مصر بلد زراعي، من أكبر الأخطار التى واجهت التحول الاجتماعى وارتباط المجتمع بالنظام العالمى باعتباره مجتمعًا صناعيًا، ولذلك بقي الريف مؤسسًا على نمط من الإنتاج الزراعى، ظلت المرأة فيه جزءًا أساسيًا من حركة الحياة باعتبارها هى المحرك الرئيسى للأسرة الريفية داخل البيت، وفى الحقل، وساعد النظام آنذاك على بقاء المرأة وحدة منتجة ومحركة للأسرة، حيث كانت قطع الأراضى العائلية الصغيرة هى القاعدة.
اما عن المرأة العاملة والأطفال فسلطت الكاتبة الضوء فى عهد الحملة الفرنسية بشكل ظاهر، وكان تجنيد الأسرة بكاملها يتم أحيانًا فى شق الترع والقنوات، وكان عمل النساء والبنات بشكل عام من أسباب ضمان حياة الأسرة.
لم يقتصر دور النساء فى القرن التاسع عشر على عملها بالأرض الزراعية، ولكن تعدى ذلك إلى الحرف الصناعية وإدارة الأملاك وحيازتها، كما أن أدوات الإنتاج كانت ملكًا خاصًا لهن، وطمحت المرأة لأدوار تفوق دورها فى إعالة الأسرة بالمجتمع الزراعى، ولأن عملية التبادل التجارى كانت صغيرة، فما لبثت أن توارت بفعل ربط مصر بالمشاريع الزراعية، فقد قامت بعض الحرف الصغيرة فى المدن وضواحيها، مما أدى إلى خلق ربط بين المرأة ودورها الحرفى والخدمى.
وقد ظهرت النساء فى المدينة فى بعض الأعمال، مثل التجارة والبيع، وكان عدد كبير من الباعة الجائلين من النساء، وكذلك مهنة الدلّالة التي شهدتها مدن إقليمية إلى جانب القاهرة، وقامت المرأة أيضًا بدور الوسيط التجاري، واستثمرت النساء أموالهن فى التجارة البحرية للبهارات، وفى تجارة قوافل الرقيق، كما لعبن دورًا أساسيًا فى بعض الصناعات المصرية آنذاك.
وشهد عهد محمد على دخول مصر فى الصناعات المنزلية وأصبحت النساء موظفات فى الحكومة بينما كُنّ فى الماضى يمارسن الغزل والنسيج من أجل الاستهلاك العائلى، كما كانت المرأة تعمل فى مجال الخدمة لأسباب كثيرة تتصل باللياقة وحسن التصرف، وأخذت الخدمة تتسع رغم ما يشوبها من سوء سمعة، وعانت خادمات المنازل معاناة كبيرة بسبب غياب القواعد المنظمة لذلك.
فى بواكير القرن التاسع عشر كان الوجود الاجتماعى للنساء، خاصة فى المناطق الحضرية، يتم داخل وعبر عدد من المؤسسات التقليدية، وعلى رأسها الأسرة، وكان الجيران أو أعضاء المهنة الواحدة أو أبناء المجموعات العرفية أو الطوائف الدينية أيضًا منظمين داخل مجموعات رسمية وغير رسمية تتداخل مع الروابط العائلية.
وشهد القرن التاسع عشر نمو طوائف من العاهرات والمغنيات والراقصات وغيرهن، وسجلت هذه الطوائف وحدات اجتماعية يتصل معظمها برغبة البعض فى وجودها، أو تحصيل الضرائب، وغير ذلك من الأسباب التجارية أو الاقتصادية بشكل عام، كما كانت أنشطة الطوائف مثل الطرق الصوفية متاحة للنساء، كزيارة المقابر، وحلقات الذكر، والاحتفالات الدينية والشعبية.
وتذكر المؤلفة أن سجلات المحاكم تمثل مصدرًا معاصرًا قيّمًا، حيث إن مصادر القضايا ومجموعات الفتاوى تقدم معلومات عن أملاك وعمل النساء، وعلاقاتهن الأسرية، وصورة عامة معبرة عن وضع من الضغوط والتغير.
وذكرت أن النساء من الخلفيات الاجتماعية حملن شؤونهنّ إلى المحكمة، ونادرًا ما كانت نساء النخبة يظهرن بصفتهن الشخصية في المحكمة، بل فضلن ترك شؤونهن في أيدي الوكيل، أما الفلاحات ونساء الطبقة الدنيا الحضرية فعادة ما كُنّ يعرضن قضاياهن شخصيًّا أمام القاضي، وفى يونيو سنة 1834، قامت الدولة بتجريم كل أعمال الدعارة والرقص، ورحّلت العاهرات إلى صعيد مصر كنوع من العقاب، فيما كانت أعمال الدعارة تتمتع بحماية الامتيازات الأجنبية، وتحولت مدن، مثل الإسكندرية وبورسعيد، لمراكز لتجارة الرقيق الأبيض، وخاصة النساء القادمات من أوروبا.
وحسبما ذكر الباحث شريف محمد سيد فى رسالة الماجستير الممنوحة من جامعة عين شمس بعنوان "منشئآت أميرات أسرة محمد على باشا فى القاهرة والجيزة منذ عصر محمد على باشا وحتى خديوى مصر عباس حلمى الثانى" دراسة منشئآت أميرات أسرة محمد على باشا فى القاهرة والجيزة منذ عصر محمد على حتى عصر خديوى مصرعباس حلمى الثانى (1222هـ/1805م – 1333هـ/1914م) معرضًا معماريًا يحتوى على العديد من الطرز المعمارية المختلفة سواءً المحلية والعثمانية بالنسبة للعمائر الدينية والجنائزية والخيرية للأميرات والطرز الأوروبية فى المنشئات السكنية من القصور والسرايات والمنشئات التعليمية.
تبرز الدراسة دور المرأة ومكانتها في العصر الإسلامي بأكمله وفى الفترة التي تضمنتها الرسالة وربما يرجع ذلك الإختلاف إلى العديد من الجوانب أهمها الوعي الثقافي وإحساس الإنتماء للمجتمع الذى بدأ يتسرب إلى سيدات مصر في الفترة من1222هـ/ 1805م وحتى 1332هـ/1914م فقد كانت المرأة قبل هذا التاريخ في أغلب الأحيان لا تعبأ سوى بتفاصيل بيتها فقط ولا تنظر إلى المجتمع ومع بدايات هذه الفترة التاريخية وضحت في الأفق بدايات نظرة تحولية غيرت ما كان عليه السيدات عمومًا وأميرات القصر بوجه خاص .ووجه الدكتور ضياء زهران نائب رئيس قطاع الاثار الاسلامية والقبطية واليهودية والأستاذ مصطفى عبد الحليم معاون الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار التهنئة للباحث على حصوله على درجة الماجستير بتقدير ممتاز فى موضوع هام وجديد ويعد اضافة هامة للدراسات المتخصصة فى الآثار الإسلامية فى فترة الأسرة العلوية حيث تناولت الدراسة أحد عشر منشأة دينية وجنائزية و خمسة عشر منشأة خيرية وتعليمية وأربعة عشر منشأة سكنية من منشآت أميرات أسرة محمد على من 1805م إلى 1914م بالقاهرة والجيزة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة