أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريراً جديداً تناول من خلاله بالمعلومات والمؤشرات "الشعاب المرجانية"، مشيراً إلى أهميتها الكبيرة للبشرية عموماً وللنظام البيئي البحري بشكل خاص، حيث تعد موطنًا لـ 25% من الأحياء البحرية رغم أنها لا تغطي سوى 2% من قاع المحيطات أو ربما أقل، كما ينتفع بها ملايين الأشخاص حول العالم من العاملين بالسواحل وبصيد الأسماك وقطاع السياحة، مضيفاً أنها في الوقت الراهن تواجه هذه الشعاب المرجانية العديد من الظروف الضاغطة، التي تُشكِّل تهديدًا وجوديًّا لها، وفي مقدمتها ارتفاع درجة حرارة الأرض الناتج عن تغير المناخ، للحد الذي أضحت معه نصف الشعاب المرجانية حول العالم مهددة بحلول عام 2035، في حال لم يتم احتواء التأثيرات الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ.
أشار المركز في بداية تقريره إلى أن الشعاب المرجانية هي عبارة عن صخور جيرية صلبة على شكل طبقات بها كثير من التجاويف الأنبوبية الصغيرة جدًّا، ويعيش بهذه التجاويف حيوانات مرجانية، تتكاثر في مياه البحر الدافئة، وتفرز كربونات الكالسيوم، وتُعَد تلك الشعاب واحدة من أكثر الأنظمة البيئية تنوعًا على كوكب الأرض، ولذلك يُطلق عليها اسم "الغابات المطيرة للبحار" (The Rainforests of the Seas)؛ بسبب النظام البيئي الهائل الذي تدعمه تحت الماء، حيث تُأوي آلاف الأنواع من الأسماك واللافقاريات والقشريات والنباتات والسلاحف والثدييات البحرية، وتنقسم الشعاب المرجانية في العالم لنوعان رئيسان هما الشعاب المرجانية الصلبة (Hard corals) وتُعرف باسم المرجان الصخري أو الحجري، والشعاب المرجانية اللينة (Soft coral) وهو نوع من المرجان قابل للانحناء، ويُشبه النباتات والأشجار.
ألقى التقرير الضوء على الأهمية الاقتصادية والبيئية للشعاب المرجانية والتي تتجاوز أغراض الترفيه والمتعة للقائمين على استكشافها؛ حيث تلعب أدوارًا أساسية على الصعيدين الاقتصادي أو البيئي، إذ تُسهِم في تنقية مياه البحار من الملوثات، كما تعد حاجزا أمام العواصف والفيضانات، وكذلك في حماية الحدود المتاخمة للشواطئ من التآكل، هذا بالإضافة إلى دورها في حماية المنازل والمباني المُطلة على الشواطئ، كما تلعب دورا هاما في الحفاظ على التنوع البيولوجي للبيئة البحرية باعتبارها موطن رئيس لغذاء ومأوى آلاف الكائنات والحيوانات والنباتات البحرية المتنوعة، ومن جانب آخر فهي تعد مصدر رئيس للأمن الغذائي فالعديد من الأسماك مثل النهاش والهامور والتونة من أبرز الكائنات البحرية التي تعتمد بشكل مباشر على الشعاب المرجانية للتكاثر، وهي تمثل مصدرًا رئيسًا للغذاء خاصة للأشخاص الذين يعيشون بالقرب من السواحل؛ حيث يعتمد أكثر من 500 مليون شخص حول العالم على أسماك الشعاب المرجانية كمصدر للغذاء وسبل العيش، فضلا عن ذلك لها دور بالغ الأهمية في تحقيق التنمية الاقتصادية؛ حيث تُسهِم في توفير الثروة السمكية التي تُعَد من أهم مصادر الدخل القومي، كما تُعّد مصدرًا رئيسًا لتوفير فرص العمل والدخل لملايين الأشخاص من الصيادين والعاملين في قطاع السياحة في البلدان التي توجد بها، إلى جانب أن الشعاب المرجانية نفسها تعد مصدرًا لعدد متنوع من المستحضرات الطبية والعقاقير.
تضمن التقرير عرضا للمخاطر التي تواجه الشعاب المرجانية؛ حيث أشارت الأمم المتحدة إلى أن 70% من الشعاب المرجانية في العالم معرضة للخطر، 20% منها قد تم تدميره بالفعل، و24% معرضة لخطر التدمير الوشيك، و26% إضافية معرضة للخطر على المدى الأبعد، وتتمثل تلك المخاطر في تهديدات طبيعية وأخرى بشرية؛ ومن أهم المخاطر الطبيعية: تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة سطح البحر، بالإضافة إلى التغير في منسوب مياه البحر؛ حيث أن انخفاض مستوى مياه البحر يؤدي إلى تعرض الشعاب المرجانية للظروف الجوية الحارة التي قد تُسهم في تدميرها، ومن ناحية أخرى، يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى غياب الضوء المطلوب لنمو الشِعاب المرجانية، وهو الأمر الذي يعرضها لكثير من الأمراض التي تؤدي إلى تدميرها، فضلا عن ذلك فإن العواصف البحرية والرياح القوية تزيد من قوة الأمواج، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تحطم وتدمير الشعاب المرجانية القريبة من الشواطئ، كما تتعرض الشعاب المرجانية أيضا لخطر الافتراس بواسطة الكائنات البحرية.
أما المخاطر البشرية التي تواجه الشعاب المرجانية، فمن أبرزها ما يرتبط بأعمال الردم والتجريف حول المناطق المحيطة بها مما يؤدي لتعكير المياه والحد من كمية الضوء الذي يصل إلى الشعاب أو سد مسامها بما يتسبب في تدميرها، كما يساهم الصيد الجائر لأسماك الزينة والأصداف والرخويات وغيرها من الأحياء المائية إلى الإخلال بالنظام الإيكولوجي للشعاب المرجانية، كما أن صناعة السفن في حد ذاتها قد تؤدي إلى ارتفاع نسبة التلوث البكتيري، والتأثير سلبًا على البيئة البحرية بشكل عام، كذلك فإن استخدام أدوات الصيد المخالفة والمواد السامة (السيانيد) يؤدي لتدمير الشعاب المرجانية، فضلا عن ذلك فالتلوث البحري يُعَد تهديدًا خطيرًا على حياة الشعاب المرجانية، بالإضافة إلى دور حوادث شحوط مراكب الصيد وحوادث اصطدام السفن بالشعاب المرجانية في إتلافها.
استعرض تقرير مركز المعلومات وضع الشعاب المرجانية في مصر، مشيراً إلى أنه يوجد 209 أنواع من الشعاب المرجانية في مصر، ويضم البحر الأحمر واحدة من أطول تجمعات الشعاب المرجانية الحية في العالم، حيث تمثل نحو 5% من الغطاء المرجاني العالمي، وتمتد لمسافة تبلغ نحو 4000 كم من سواحله، وتأوي ما يُقدر بـ 350 نوعًا مختلفًا من الشعاب المرجانية، مما يجعله مساهمًا رئيسًا في قطاع السياحة الساحلية بمصر، حيث قدرها البنك الدولي في تقريره الصادر في نوفمبر 2022 بما يُعادل نصف عائدات السياحة المصرية بشكل عام، وبما يقدر بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر لعام 2019. كما تمتد الشعاب المرجانية على خليجي السويس والعقبة، بمساحة تُقدر بنحو 1760 كم2، بمتوسط عرض يبلغ نحو 250 مترًا.
أشار التقرير أيضاً إلى أن مصر تمتلك نحو 30 محمية طبيعية، منها 6 محميات تضم شعابًا مرجانية، وهي: محمية رأس محمد، ومحمية نبق، ومحمية أبو جالوم بمحافظة جنوب سيناء، ومحمية وادي الجمال والتي تقع في جنوب محافظة البحر الأحمر، ومحمية جزر البحر الأحمر الشمالية، ومحمية السلوم في محافظة مطروح.
ولفت التقرير إلى الحرص الذي توليه الدولة المصرية لهذه الثروة الفريدة من الشعاب المرجانية، حيث تم وضع جميع المناطق العامرة بالشعاب المرجانية تحت الحماية القانونية، كما تم حظر صيد الطيور والأسماك والأصداف والمحارات والشعاب المرجانية وغيرها من الكائنات البحرية بالمنطقة الواقعة على خليج العقبة من طابا حتى رأس محمد، ومن جانبها أطلقت محافظة البحر الأحمر في يونيو 2019 مبادرة لحظر استخدام الأكياس البلاستيكية؛ بهدف تقليل الضرر الجسيم الذي تعاني منه البيئة البحرية بسبب البلاستيكيات، كما نظمت غرفة سياحة الغوص المصرية دورات لتزويد الغواصين بأساليب التعامل مع الشعاب المرجانية والكائنات البحرية الحية، وقامت جمعية المحافظة على البيئة بالبحر الأحمر (هيبكا) بالتعاون مع محافظة البحر الأحمر ووزارة البيئة في يونيو 2021 ببناء أكبر مشروع شمندورات لحماية الشعاب المرجانية، ونظمت وزارة البيئة في سبتمبر 2022 عددًا من الفعاليات والأنشطة للترويج للسياحة المستدامة وسبل معالجة مشكلة المخلفات، كما تسعى الأجهزة البيئية المختصة وإدارة محميات البحر الأحمر لإطلاق أول مشروع لاستزراع الشعاب المرجانية في بعض المناطق بمنطقة الجزر الشمالية بمحافظة البحر الأحمر لمواجهة الظروف البيئية والمناخية والأنشطة البشرية التي أدت إلى تدمير أجزاء من الشعاب المرجانية، كما قامت وزارة البيئة أيضاً في يناير 2023 برصد وضع الشعاب المرجانية بالأقمار الصناعية في منطقة خليج السويس وذلك لمتابعة لونها وشكلها، فضلاً عن دراسة التباين في لون المياه بالمنطقة نفسها على مدى زمني كبير، ومعرفة مدى الأعمال التي تنفذ في هذه المنطقة ومدى تأثيرها على الشعاب المرجانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة