أقيم الاحتفال الرسمى بقصر عابدين لتقديم القنصل الأمريكى «ألبرت فارمان» خطاب اعتماده إلى الخديو إسماعيل، كان الخطاب موجها من الرئيس الأمريكى الجنرال جرانت، حسبما يذكر «فارمان» فى كتابه «مصر وكيف غُدر بها»، ترجمة عبدالفتاح عنايت، تحقيق ابتسام عبدالفتاح عنايت، ويشمل الكتاب شهادة «فارمان» السياسية والاجتماعية خلال خمس سنوات قضاها فى وظيفته بمصر من 1876 إلى 1881.
كان خطاب الرئيس الأمريكى الموجه إلى الخديو، بتاريخ 13 إبريل، مثل هذا اليوم، 1876، قال فيه: «من بوليسيس جرانت، رئيس جمهورية الولايات المتحدة إلى سمو خديو مصر.. صديقى العزيز البار، لقد وقع اختيارى على ألبرت فارمان، من مواطنى الولايات المتحدة كمعتمد وقنصل عام للولايات الأمريكية فى مصر، لكى يقيم فى القاهرة ويشرف على مصالحنا، ويبذل كل ما فى وسعه من وسائل شريفة كى ينمى ويحافظ على الألفة والنية الصادقة بيننا، لذا ألتمس من سموكم أن تعامله على هذا الأساس، وأن تمنحه الاحترام اللازم وأن توليه بالثقة التامة فى كل ما يمثله من قبل حكومته، وعلى الأخص عندما يؤكد لسموكم توافر الصداقة الخالصة بيننا».
يشير «فارمان» إلى أنه انتظر طويلا للمقابلة الرسمية مع الخديو، لكن كان يزوره أثناء انتظاره، ويعيد أسباب تأخير المقابلة إلى عدم وصول أوراقه من القسطنطينية، لأنه من الوجهة الاسمية يعتبر الخديو من رعايا السلطان، ولذلك لا بد من موافقة وإذن السلطان، ويتم هذا عن طريق الحكومة التى ترسل ممثلها، ثم تتصل حكومة السلطان بحكومة الخديو، لتؤكد ما إذا كان المرشح مقبولا أم لا.
يكشف «فارمن» أن التأخير طال لبطء أعمال الدواوين بالقسطنطينية، وكانت من أبطأ أعمال أى دواوين لأية حكومة فى العالم، كما زاد التأخير لأنه عقب وصوله مصر بأسبوعين قُتل السلطان عبدالعزيز، ومات طوسون باشا وزير البحرية، وزوج الأميرة فاطمة هانم ابنة الخديو الثانية التى كان يؤثرها على غيرها.
استطاع «فارمان» تكوين وجهة نظره فى «إسماعيل» كحاكم وكشخص أثناء مقابلتهما، ويعطى ملمحا لطبيعة تعامل الحكومة الأمريكية معه.. يذكر: «قبل الاحتفال الرسمى الذى أقيم لى، كثيرا ما قمت بزيارة الخديو الذى أشعرنى بأنى على صلة وثيقة بسموه بفضل شخصيته الاجتماعية اللطيفة، وكان ينبغى على أكثر من مرة أن أقوم بواجب غير سار وهو المطالبة غير الرسمية، وإن كانت بطريقة ملحة مهذبة، بدفع التعويضات الأمريكية ضد الحكومة المصرية «لا يذكر ماهى هذه التعويضات»، وعلى حين أننى كنت أقوم بهذا العمل أمام وزير الخارجية أو وزير المالية، كان من الضرورى فى بعض الأحيان أن أثيره أمام الخديو شخصيا، وكانت الحكومة المصرية فى ضائقة مالية شديدة، لذا كان مجرد ذكر أى تعويض مالى يسبب بعض الضيق، ولم يكن بى حاجة للمطالبة بشىء آخر خلاف ذلك، فى وقت كان فيه الممثلون الأوربيون لا يلحون فى طلب التعويضات المالية فحسب، بل ينفذون مشروعات سياسية أدت فى النهاية إلى أن يفقد الخديو عرشه».
يؤكد «فارمان»: «عندما كان يعلن عن نبأ وصولى فى القصر، لم يكن الخديو يخشى مطلبا مجحفا أو مؤامرة سياسية من جانب حكومتى، ولذا لاقانى بإخلاص تام، والواقع أن الولايات المتحدة كانت فى ذلك الوقت هى ورسيا الدولتين الكبيرتين الوحيدتين اللتين لم يكن لهما مطمع سياسى مباشر، أوغير مباشر بالنسبة لمصر».
يكشف عما رآه من سمات شخصية فى إسماعيل، قائلا: «كان لا يتكلم الإنجليزية ويتكلم الفرنسية بطلاقة، لم يكن جذابا من الناحية الجسمانية، كان يبلغ من العمر حوالى السابعة والأربعين، قصير القامة، عريض المنكبين، ضخم الجثة، ولون بشرته أكثر سمرة من لون بشرة الأوربيين، أما جفونه فكانت مرتخية، واليسرى أكثر ارتخاء، وعندما تكون ملامحه ساكنة، تبدو عيناه وكأنها نصف مغلقة، وكانت حواجبه قاتمة اللون، خشنة، كثيفة الشعر، بارزة إلى الأمام، أما لحيته البنية الداكنة فكانت قصيرة، وأذناه كبيرة، وليست من الحسن بمكان، كان يرتدى حلة أفرنجية سوداء، ومعطفه من الطراز الاستامبولى، بصف واحد ذو ياقة منتصبة، كما كان يرتدى الطربوش الأحمر».
يضيف «فارمان»: «كان للخديو عادة التحدث وإحدى عينيه مغلقة، بينما يمعن النظر بعينه الأخرى فى أدق تفاصيل وحركات وحتى أفكار الذين يتحدث معهم، ورغم كل نقائصه ومساوئه الجسمانية، كان متحدثا ممتعا، يبتسم فى كثير من الأحيان، بشوشا دائما، ومثيرا للاهتمام، كان صوته هادئا يبعث عن السرور، وألفاظه منتقاه ومعبرة، وكان فائق الذكاء ولديه معلومات دقيقة حتى عن التفاصيل التى تخص حكومته وشؤونه الخاصة الشاسعة، وكانت نظرته الحادة الثاقبة «حينما تكون عيناه مفتوحتين من أثر حديث شائق » وإجاباته السريعة الدقيقة، ومعلوماته الخاصة بموضوعات شتى ليس من المفروض أصلا أن يكون ملما بها، تبرهن للذين استمتعوا بالحديث معه، أنه رجل يمتاز بقدرة غير عادية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة