يحاول الاتحاد الأوروبى أن يقلل من مشاكله ومخاطره مع الصين، ويعيد الأوروبيون ضبط سياستهم تجاه بكين، فى الوقت الذى تمر فيه الكتلة بأزمات اقتصادية واجتماعية فى ظل استمرار الحرب فى أوكرانيا.
وقالت صحيفة "بوليتيكا اكستيريور" الإسبانية إن العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبى والصين تبدو أكثر استقرارًا إلى حد ما هذه الأيام مما كانت عليه فى العام الماضى تقريبًا.
وأوضحت الصحيفة أن المستشار الألمانى أولاف شولتز فتح النقاشات رفيعة المستوى مع الصين وزار بكين فى نهاية عام 2022، كما فعل رئيس المجلس الأوروبى تشارلز ميشيل، فى أبريل، وجاء دور الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ورئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل الأعلى جوزيب بوريل.
وخففت بكين من حدة خطابها تجاه الاتحاد الأوروبى، وتملأ فو كونج، السفير الصينى الجديد لدى الاتحاد الأوروبى، السنة التى ظل فيها المنصب شاغراً، واجتمع بنشاط مع المحاورين الأوروبيين الرئيسيين، كما يتم إحياء حوارات العمل: حتى الحوار بين الاتحاد الأوروبى والصين حول حقوق الإنسان قد عاد إلى الظهور، وفقا للصحيفة الإسبانية.
وقالت صحيفة "الاوردين مونديال" الإسبانية فى تقرير لها نشرته على موقعها الالكترونى أن زيارات المسئولين الاوروبية خلال الفترة الماضية إلى الصين تكشف تطلعات القارة العجوز لطى صفحة الخلافات وبداية عهد جديد من العلاقات مع الصين، على اساس تطوير العلاقات الاقتصادية فى ظل استمرار الحرب فى أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، مشيرة إلى أن القارة تحاول أن تنأى بنفسها من الخطاب الأمريكى المستمر فى الهجوم على الصين، وهو ما يثير المخاوف فى الفترة المقبلة حول العلاقات الأوروبية الأمريكية.
وأكدت الصحيفة أن القمة المقبلة بين الاتحاد الأوروبى والصين، المقرر عقدها فى منتصف العام، ستكون بمثابة اختبار حاسم لقدرة كلا الجانبين على إقامة علاقة أكثر بناءة، وبطبيعة الحال، فإن عودة الاجتماعات الدبلوماسية هى أحد مكونات تلك العلاقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن بروكسل وعواصم الدول الاوربية تتقارب بشكل متزايد حول فكرة ازالة المخاطر من العلاقات مع الصين، وهذا للحد من ضعف الاتحاد الاوروبى فى نطاق اوسع من الضغوطات والاضطرابات لمحتملة التى تسببها بكين.
ارتفع إجمالى حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبى والصين بنسبة حوالى 23 % فى 2022 مقارنة بالعام 2021، ليصل إلى 856.3 مليار يورو (912.6 مليار دولار)، بحسب يوروستات.
وترى الصحيفة أن اعادة العلاقات لن ينجح إلا إذا كان قائمًا، أولاً، على الإدارة المسؤولة للتباعد الاستراتيجى لمصالح الاتحاد الأوروبى وقيمه مع الصين ؛ ثانياً، بشأن التنفيذ الفعال وتوسيع "مجموعة أدوات" السياسة الدفاعية للاتحاد ؛ ثالثًا، حول نهج أوروبى منسق ومستقل لعلاقات التكنولوجيا الفائقة مع الصين ؛ رابعًا، بشأن الحد بشكل استباقى من نقاط الضعف الاستراتيجية، لا سيما فى المواد الخام الحرجة ؛ خامسًا، فى إعداد أكبر بكثير لنزاع محتمل فى تايوان.
ورصدت صحيفة " بوليتيكا اكستيريور" 5 أولويات لإعادة العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والصين وهى:
التعرف على الاختلاف الاستراتيجى مع الصين وإدارته
من المؤكد أن الهجوم الدبلوماسى "الساحر" الذى تشنه بكين وإعادة الانفتاح الاقتصادى يجتذب الاتحاد الأوروبى، فى الوقت الذى أضرت حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة الناتجة عنها بشدة بالاقتصاد الأوروبى، لذا فإن تخفيف حدة التوترات مع الصين واستقرار العلاقات الاقتصادية أمر مشجع.
ولكن عقوبات الاتحاد الأوروبى والصين، وكذلك رفع الحظر عن عملية التصديق على الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الاتحاد الأوروبى والصين (CAI) – وفقا للصحيفة، لا تعالج التوترات الأساسية فى العلاقات، حيث أن الصين لا تزال تهدف فى المقام الأول إلى منع الأوروبيين من الانضمام إلى المبادرات التى تقودها الولايات المتحدة ضد الصين وتعطيل تطوير الاتحاد لسياسة أكثر حزماً تجاه الصين. لا يتعلق الأمر بالتزام تعاونى جديد، بل يتعلق بزيادة مساحة المناورة إلى الحد الأقصى فى منافسة استراتيجية عميقة مع الولايات المتحدة
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا تزال الخلافات حول الحرب فى اوكرانيا تستخف بها من قبل الكثيرين فى الصين أو يقبلونها كثمن لدعم موسكو، وهى محرك رئيسى لتعميق الخلافات.
تنفيذ وتوسيع الأدوات الدفاعية للاتحاد الأوروبي
فى السنوات الأخيرة، حقق الأوروبيون تقدمًا كبيرًا فى تطوير تقييم مشترك للتحديات التى تفرضها الصين ومجموعة مشتركة من أدوات السياسة الدفاعية، على الرغم من عدم استهدافها نظريًا لأى دولة معينة، إلا أنها تركز على بعض التحديات الرئيسية المتعلقة بالصين وتشمل فحص الاستثمار الأجنبى المباشر وآليات مكافحة الإكراه وتدابير لمعالجة تشوهات السوق الموحدة نتيجة للإعانات المقدمة من دول ثالثة.
تصميم نهج منسق ومستقل فى التكنولوجيا العالية
أصبحت علاقات التكنولوجيا الفائقة مع الصين مثيرة للجدل للغاية. يحتاج الاتحاد الأوروبى بشكل عاجل إلى تطوير نهج محدد لإدارة علاقات الابتكار والتكنولوجيا مع الصين. بعد "التحول العقائدي" فى الولايات المتحدة صيف 2022 بشأن ضوابط التكنولوجيا، والذى يهدف إلى تقويض قدرات الصين عالية التقنية، عززت بكين طموحاتها للاكتفاء الذاتى فى العلوم والتكنولوجيا.
تقليل نقاط الضعف فى المواد الخام الهامة
يلقى اعتماد أوروبا على واردات المواد الخام الصينية بظلاله على قدرتها على الاستفادة من التحول البيئى. فى الوقت الحالى، توفر الصين أكثر من 90٪ من العناصر الأرضية النادرة التى يحتاجها الاتحاد الأوروبى لتطوير منتجات التكنولوجيا الخضراء. لحل هذه المشكلة، فإن المفوضية الأوروبية على وشك اقتراح قانون بشأن المواد الخام الحرجة. من المتوقع أن تشمل وكالة شراء واحدة تحدد هدفًا لاستخراج وإعادة تدوير ومعالجة ما بين 10٪ و40٪ من المواد الخام الهامة داخل الاتحاد الأوروبى بحلول عام 2030.
الاستعداد للصراع فى تايوان
يحتاج الاتحاد الأوروبى إلى خطط طوارئ لإدارة نزاع متفاقم محتمل فى تايوان، ستكون عواقبه أكبر بكثير من عواقب الحرب فى اوكرانيا، حيث تقدر التكلفة التى يتحملها الاقتصاد العالمى لمثل هذا الصراع فى سيناريو الإغلاق بحوالى 2 تريليون دولار من الناحية النقدية وحدها، دون احتساب الاستجابات الدولية والآثار الجانبية والتداعيات الأخرى، وستكون التداعيات الجيوسياسية والإنسانية مدمرة.
لذلك، يجب أن يكون الهدف الرئيسى فى الحد من المخاطر هو تعزيز الوضع الراهن فى مضيق تايوان ومنع نشوب الصراع. ينبغى أن ينظر الاتحاد الأوروبى فى عدد من السيناريوهات المحتملة وأن يطور حزمة من التدابير الوقائية والرادعة.