** موضوعات قضايا المرأة في الدراما مثلت 90% من القضايا الاجتماعية
** الفتاوى الرسمية كانت بمثابة "السيف والدرع" لحماية المرأة في كافة مراحل عمرها
** الدراما تلقي الضوء على ظاهرة "التيك توك" وهوس الشهرة لدى بعض الفتيات
** مؤشر الفتوى يوصي بتقديم أعمال درامية هادفة دون المساس بالقيم والثوابت الدينية والأخلاقية
انطلاقًا من المقولة الشهيرة "الإعلام ذاكرة الأمم"؛ تتصاعد أهمية دور وسائل الإعلام في رفع درجة الوعي العام لدى الشعوب والمجتمعات، فيما كانت الأعمال الدرامية – ولا تزال - إحدى أهم أدوات الإعلام الفاعلة في هذا الإطار؛ نظرًا لشعبيتها الكبيرة ومتابعة الملايين لها، مقارنةً بالمحتويات والأدوات الإعلامية الأخرى.
وقام المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، برصد وتحليل القضايا الدينية التي تناولتها الدراما الرمضانية هذا العام، مشيرًا إلى أن نسبة الأعمال الدرامية التي ارتبطت بقضايا الشأن الديني كانت (27%) من إجمالي عينة الأعمال الدرامية التي قام المؤشر برصدها وتحليلها لهذا العام، فضلًا عن عودة الأعمال التاريخية من جديد إلى قائمة العروض الرمضانية من الدراما المصرية هذا الموسم، وذلك من خلال مسلسل "رسالة الإمام"، الذي يتناول سيرة الإمام محمد بن إدريس الشافعي، بين أواخر القرن الثاني وبدايات القرن الثالث الهجري، ويتناول فترة إقامته في مصر طلبًا للعلم.
موضوعات القضايا الاجتماعية تحصد نصيب الأسد.. وقضايا المرأة عرض مستمر
ولفت مؤشر الفتوى إلى أن الموضوعات الاجتماعية كان لها نصيب الأسد من دراما رمضان هذا العام بنسبة (85%)، ولاحظ المؤشر أن القضايا المرتبطة بالمرأة قد نالت حظًّا وفيرًا من الموضوعات الاجتماعية، حيث جاءت بنسبة (90%) من القضايا الاجتماعية التي تناولتها أغلب الأعمال الدرامية.
واعتبر مؤشر الفتوى أن هذا النوع من الأعمال الدرامية له أهمية كبيرة؛ باعتباره يوثّق قضايا المرأة المصرية والتطورات التي طرأت عليها وتأثرت بها ومعالجتها دراميًّا من كافة النواحي، وأفاد المؤشر بأنه رغم أن قضايا الشأن الديني تُعدّ جزءًا من تطور العمل، إلا أن دمج وذوبان هذا الجانب الاجتماعي بالدين أمر في غاية الأهمية، لا سيما وأن الدين والمجتمع صنوان لا يفترقان مهما تغير الزمان.
"حرمان المرأة من الميراث" و"المرأة المطلقة" و"تعدد الزوجات" في صدارة الموضوعات
وحول الموضوعات والقضايا الخاصة بالمرأة، أوضح المؤشر العالمي للفتوى أنها قد دارت في أغلبها حول 8 قضايا رئيسية، تصدرها موضوع (حرمان المرأة من الميراث) بنسبة (30%)، والذي برز في أكثر من عمل درامي منها: مسلسل "عملة نادرة"، ومسلسل "جميلة"، ومسلسل "1000حمد الله على السلامة"، ومسلسل "تحت الوصاية"، ومسلسل "ستهم".
وجاء موضوع (حق المرأة المطلقة في الزواج) بنسبة (25%)، ثم جاء موضوع (تعدد الزوجات) في المرتبة الثالثة بنسبة (15%)، وأضاف المؤشر أن موضوع (العنف ضد المرأة) جاء في المرتبة الرابعة بنسبة (10%)، تلاه موضوعا زواج القاصرات وعمل المرأة بنسبة (7%) لكل منهما، وأخيرًا جاء موضوعا ختان الإناث وإجبار المسيحيات على ارتداء الحجاب بنسبة (3%) لكل منهما.
وأوضح المؤشر أن هذا التنوع أثرى القضايا وألقى الضوء على قضايا لا تمس المرأة فقط بالأساس بل تؤثر على استقرار الأسرة، على الرغم من أنه في بعض المواضع عُولجت القضايا بشيء من السطحية.
كيف كانت الفتاوى الرسمية حائط صد ضد كل من يحاول النَّيل من المرأة؟
ولم تغب الفتوى عن ضبط مسار القضايا الاجتماعية فقد أكدت الفتاوى الرسمية الصادرة من قبل دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف على مكانة المرأة في الإسلام وحاولت أن تقف حائط صد ضد كل من يحاول النيل من مكانتها، وبرز ذلك جليًّا في الفتاوى الصادرة حول الموضوعات المتعلقة بالمرأة، فجاءت الفتوى الرسمية رافضةً لحرمان المرأة من الميراث، وأكدت دار الإفتاء المصرية أن حرمان الوارث من الميراث بعد ثبوت حقه فيه حرامٌ شرعًا ومن كبائر الذنوب؛ لقول الله تعالى بعد ذكر تقسيم الميراث: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۞ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 13-14]، وتابعت الدار: "وهو في حق المرأة أشد، بل هو من مواريث الجاهلية التي جاء الإسلام باجتثاثها وإهالة التراب عليها إلى الأبد، فحرمانُ الإناث من الميراث بغير رضًا منهن مخالف لأحكام الميراث الشرعية الربانية؛ وحذر منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: حَقَّ الْيَتِيمِ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ»، ومعنى «أُحَرِّجُ»: أُلْحِقُ الحَرَجَ وَهُوَ الإثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُمَا، وَأُحَذِّرُ مِنْ ذلِكَ تَحْذِيرًا بَليغًا، وَأزْجُرُ عَنْهُ زجرًا أكيدًا.
كما دعا شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى ضرورة ضبط «ظاهرةِ فوضى تعدُّدِ الزواجِ وفوضى الطلاقِ»، مؤكدًا أن الأصل في الشريعة ليس تعدد الزوجات وإنما الأصل هو الحرص على الإبقاء على الزوجة والتمسك بها، مشددًا على أن إجبار الفتاة على الزواج ممن لا تريده أمر مرفوض ومسألة لا أخلاقية لأنها حكم بما يشبه الإعدام على حياة كاملة لفتاة.
وحول عمل المرأة، أكد شيخ الأزهر على أنَّه يجوزُ للمرأة شرعًا أن تتقلَّدَ الوظائفِ التي تُناسبها كافَّةَ بما فيها وظائفُ الدولةِ العليا ووظائفُ القضاءِ والإفتاءِ، كما أعلن فضيلته أن من أهمِّ ما أكَّدَه العلماءُ في فقهِ المرأةِ إلغاءُ ما يُعرَفُ ببيتِ الطاعةِ إلغاءً قانونيًّا قاطعًا لا لبسَ فيه ولا غُموض؛ لما فيه من إهانةٍ للزوجةِ، وإيذاءٍ نفسي لا يُحتَمل، ومعاملةٍ غيرِ آدميَّةٍ لها كإنسانٍ تُحتَرم مشاعرُه وأحاسيسُه.
وتعليقاً على حوادث العنف ضد المرأة، لا سيما العنف الأسري، أكدت دار الإفتاء أن أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها تقتضي تحريم العنف الجسدي والنفسي ضد الزوجة، لا سيما وأنَّ الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة؛ مستشهدة بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
وعن حكم زواج القاصرات في الإسلام، أكدت دار الإفتاء المصرية على أنه حرام شرعًا، وبه مخالفة للقانون، لاسيما وأنه يؤدي إلى الكثير من المفاسد والأضرار في المجتمع، موضحة أنَّ الإسلام اعتنى بالأسرة أعظم عناية، واهتم بأسس تكوينها اهتمامًا عظيمًا، وأنَّه بالنظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية والحكمة من الزواج، يتبين أن ما يقدم عليه البعض من تزويج البنات القاصرات هو عمل منافي لهذه المقاصد.
وفيما يتعلق بظاهرة ختان الإناث، فقد شددت كل من دار الإفتاء والأزهر الشريف مرارًا على تحريم الظاهرة شرعًا وتجريمها قانونًا، مؤكدين على أن الختان لم ترد فيه أوامر شرعية صحيحة وثابتة لا بالقرآن ولا في السنة، وأنه مجرد عادة انتشرت في إطار فهم غير صحيح للدين، وقد ثبت ضررها وخطرها على صحة الفتيات وفق ما كشفت عنه الممارسات التي أزعجت المجتمع في الآونة الأخيرة.
الدراما تلقي الضوء على ظاهرة "التيك توك" وهوس الشهرة لدى بعض الفتيات
ولفت مؤشر الفتوى وهو بصدد رصد وتحليل القضايا الدينية في الدراما إلى أن هناك بعض الأعمال الدرامية القليلة جدًّا التي تناولت موضوعًا مهمًّا وهو (تأثير التكنولوجيا وهوس الشهرة على بعض الفتيات)، وهي الظاهرة التي اتنشرت بكثرة في الآونة الأخيرة في المجتمع المصري، ووصل الأمر إلى سجن بعض تلك الفتيات بسبب نشر صور أو مقاطع فيديو مخلة بالآداب والأخلاق العامة.
وكانت دار الإفتاء المصرية في محاولة لضبط الظاهرة والتعامل معها قد أوضحت حكم التربح من تطبيقات التيك توك واليوتيوب قائلة إنها إن كانت تقدّم شيئًا هادفًا وتقدَّم في صورة مهذبة دون أي خدش للحياء أو أي إثارة لفتن أو محرمات، أو أمور دينية لا تثير فتنًا، وكان كل هذا في إطار مهذب لا شيء فيه تمامًا، أما إن خرج عن إطار الأدب أو كان هناك استهزاء وتنمر وسخرية من الآخرين ونحو ذلك فلا يجوز وما يأتي منه فهو حرام".
توصيات
وفي الأخير، أوصى المؤشر العالمي للفتوى بتقديم أعمال فنية ودرامية هادفة تسعى إلى الإبداع عبر إلقاء الضوء على الظواهر والقضايا المختلفة دون المساس بالقيم والثوابت الدينية والأخلاقية، وتقديم معالجة لهذه القضايا تتضمن حلولًا ناجعة، بالإضافة إلى غرس القيم العليا وترسيخ ثقافة البناء والتنمية في المجتمعات، وأهمية إيجاد إعلام ديني شامل ومتكامل، وكذا إنشاء المؤسسات الدينية لوسائل اتصال جماهيري تهدف إلى تقديم دراما إسلامية متنوعة وإبراز دورها التاريخي في مسيرة الحضارة الإنسانية، وأخيرًا إنتاج مواد درامية وسينمائية ووثائقية بهدف التعريف بالإسلام وقيمه السمحة.
المؤشؤ العالمى