- الطبيعة الجغرافية والاشتباكات المسلحة المستمرة فرضت على خلية الأزمة المصرية اليقظة الدائمة ليعود المواطنون آمنين إلى أسرهم
عملية إجلاء المصريين من السودان، ليست بالأمر الهين، خاصة إذا ما أدركنا مجموعة من الحقائق التى تواجه أعضاء خلية الأزمة المشكلة لمتابعة أوضاع المصريين هناك والعمل بشكل سريع لإجلائهم.
خلية الأزمة التى تضم وزارات الدفاع والخارجية والداخلية وجهاز المخابرات العامة المصرية، تعمل على مدار اللحظة لتنفيذ تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسى لتسهيل وتأمين عودة أبناء مصر المتواجدين فى السودان، ويؤدون أعمالهم فى ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، من أجل تأمين عودة المصريين المتواجدين فى مناطق الاشتباكات.
- الحقيقة الأولى
أولى الحقائق التى لا بد أن تكون حاضرة فى أذهاننا، هى أن أعداد المصريين فى السودان تتخطى الـ10 الاف مواطن، وفقاً لأخر تقديرات أعلنتها وزارة الخارجية بناء على الأرقام المسجلة فى السفارة المصرية بالخرطوم وكذلك بعثاتنا القنصلية فى بورسودان ووادى حلفا، ويقينا أن العدد أكبر من ذلك، إذا وضعنا فى الاعتبار أن هناك مواطنين متواجدين فى السودان لظروف عمل مؤقتة، وغير مسجلين فى السفارة أو القنصليات المصرية.
وهذا العدد لا يتواجد فقط فى الخرطوم، وإنما فى مدن سودانية كثيرة، ومن يعرف الطبيعة الجغرافية السودانية، يدرك بعد المسافات بين المدن، وهو ما يلقى مزيدا من المتاعب والاعباء، خاصة أن الخطة الوطنية للإجلاء تعتمد فى الأساس على توفير نقاط تمركز آمنة فى الخرطوم وفى المدن القريبة من الأماكن المحددة للإجلاء، ومسألة تجميع المصريين من المدن السودانية ومتابعة وصولهم آمنين إلى أماكن التمركز أمر بالغ التعقيد، ويتطلب متابعة دقيقة وتنسيق مستمر على مدار اللحظة مع السلطات السودانية.
فالطبيعة الجغرافية للسودان تفرض على المتعاملين هناك أمور ربما تفوق طاقتهم وقدراتهم، لكن العقيدة المصرية الراسخة أنه مهما كانت الصعاب، فإن الدولة تقف خلف أبنائها أينما كانوا وأيا كانت الطروف المحيطة بهم، بحيث لن يتم ترك مصرى واحد فى وضع صعب إلا والدولة بجانبه.
- الحقيقة الثانية
تعنى الحقيقة الثانية بأن التعامل على الأرض فى ظل استمرار الاشتباكات أمر شديد الصعوبة، ويتطلب حرفية فى التعامل وسرعة تواصل مع أبناء الجالية، ليكونوا فى مأمن من هذه الاشتباكات، والتواصل هنا يكون بأكثر من وسيلة، سواء الاتصال المباشر أو عبر بيانات تنشرها السفارة والقنصلية عبر وسائل التواصل الإجتماعى، وكانت المشكلة الرئيسية فى انقطاع خدمة الانترنت، وهو ما دفع أعضاء السفارة إلى تكثيف العمل على الأرض ليتمكنوا من الاتصال بأكبر عدد من أبناء الجالية، وإمدادهم بالتعليمات الضرورية، وعناوين أماكن التمركز، وخطط التحرك والإجلاء.
ولنكون على دراية بخطورة الوضع على الأرض، نظر إلى قرار الدولة المصرية الأربعاء الماضى، بأنه على ضوء تزايد التهديدات والمخاطر الأمنية فى الخرطوم نتيجة استمرار الاشتباكات المسلحة، فقد تم نقل اعضاء البعثة الدبلوماسية والقنصلية والمكاتب الفنية التابعة للسفارة المصرية من الخرطوم فى إطار إعادة تمركزها فى موقع آخر بالسودان، حتى تتمكن من ممارسة أعمالها ومتابعة عمليات تنفيذ الخطة الوطنية لإجلاء المصريين بالسودان، وفقاً لما تقتضيه الظروف، وهذا القرار لم يتم اتخاذه من جانب الدولة إلا بعد التأكد من صعوبة التعامل فى ظل الأوضاع السائدة حاليا بالخرطوم، وهو ما يضيف أعباء كبيرة على أعضاء خلية الأزمة، التى تقوم بشكل دائم ومستمر بتقييم الوضع الأمنى فى السودان على مدار الساعة، وتنفيذ الخطة الموضوعة لعمليات إجلاء المواطنين بما يضمن إعادتهم إلى أرض الوطن بشكل آمن، مع مراعاة الأولوية القصوى لسلامة المواطنين والعودة الآمنة إلى أرض الوطن.
هذا الإجراء لم يكن ليتم اتخاذه من جانب الدولة إلا حينما تأكدت من صعوبة الموقف، أخذا فى الاعتبار أن العديد من البعثات الدبلوماسية الأجنبية أخلت مقراتها فى الخرطوم منذ بداية الاشتباكات، فيما كانت البعثة الدبلوماسية المصرية الأكثر حضوراً، وآخر من يتحرك من الميدان، وهنا لم تتحرك وإنما إعادة تمركزها فى مكان أخر، تستطيع من خلاله مواصلة تقديم الخدمة للجالية هناك.
- الحقيقة الثالثة
بالنسبة للحقيقة الثالثة فهى أن الاشتباكات الدائرة فى قلب ومحيط الخرطوم، تجعل من فكرة تحديد ممرات آمنة لخروج المصريين سواء فى اتجاه معبر "أرقين" البرى الحدوى بين مصر والسودان او حتى أقرب مطار لتنفيذ الإجلاء الجوى، امر صعب أيضاً، ويتطلب ذلك تنسيق على مدار الساعة مع السلطات السودانية لتحديد الممرات، والصعوبة هنا تكمن فى الاختراقات المتتالية للهدن التى تم التوصل إليها، فالهدنة ليست الأساس، وإنما التنسيق المستمر هو الذى يؤمن الاتفاق على هذه الممرات، وهو جهد مضاعف قامت ولا تزال تقوم به خلية العمل المصرية.
- الحقيقة الرابعة
أما الحقيقة الرابعة فهى أن معبر "أرقين" البرى، أصبح المنفذ سواء للأشقاء السودانيين أو الرعايا العرب والأجانب فى السودان لتجاوز أصوات الرصاص، وهو ما جعله محط انظار الاف المواطنين الفارين من الاشتباكات العسكرية، ورغم كثافة المترددين على المعبر خلال الأيام الماضية، الا ان أجهزة الدولة المصرية، عملت على توفير كل سبل الراحة للقادمين إلى المعبر، مع فتح نقاط متقدمة من الهلال الأحمر المصرى فى المعبر وتوفير مزيد من عربات الإسعاف بالتنسيق مع الإسعاف المصرى، فضلاً عن زيادة العاملين لاستيعاب كثافة العائدين من مختلف الجنسيات لسرعة إنهاء كل إجراءات الوصول وتقديم جميع أنواع الدعم لهم، وتدبير عدد من الاستراحات الخاصة بالعاملين الذين انضموا إلى فريق العمل الأصلى بالميناءين، وتم إعفاء الأشخاص ممن لا يملكون نقوداً من رسوم الوصول.
- الحقيقة الخامسة
تأتى الحقيقة الأخيرة بأن نجاح الأجهزة المصرية فى تنفيذ عملية الإجلاء، دفع الكثير من الدول الشقيقة والصديقة لطلب المساعدة المصرية فى إجلاء رعاياها، ولإن مصر تعلى دوماً من الدوافع الإنسانية، فإنها ابدا لن ترفض طلب دولة تريد المساعدة، لذلك فإنها تنسق أيضاً لتوفير خروج آمن لرعايا هذه الدول، بجانب المواطنين المصريين.
ان هذه الحقائق لا بد أن تكون حاضرة أمام أعيننا ونحن نتابع يومياً استمرار عمليات الإجلاء للمصريين من السودان، فضلاً عن الأشقاء العرب ورعايا الدول الصديقة، فما يحدث ليس مجرد عملية إجلاء اعتيادية، لكنها تتم وسط ظروف غاية فى الصعوبة، وطبيعة جغرافية واشتباكات عسكرية تحتم اليقظة الدائمة، وهو ما يؤكد ان خلية الأزمة المصرية تقوم بجهد كبير، وتستحق عليه الشكر والتقدير، لأنها فعلياً تقهر المستحيل ليعود المصريين آمنين إلى أسرهم.
هذا الجهد تم وما زال يتم من خلال آلية عمل واضحة، تقوم فى الأساس على التوجيه الذى أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسى، لأجهزة ومؤسسات الدولة المصرية وتحديداً "القوات المسلحة والمخابرات العامة والخارجية"، للعمل على مدار اللحظة وتوفير كل الإمكانيات فى الوقت المناسب لإجلاء المصريين من السودان إذا ساءت الأمور على الأرض، فمنذ هذه اللحظة وخطوط التواصل والاتصال لم تنقطع بين القاهرة والخرطوم، لتحقيق الهدف الرئيسى وهو تأمين المصريين هناك وتسريع عملية الإجلاء.
بالتأكيد فإن هذا الجهد احتاج كما سبق الإشارة خطة عمل وتحرك واضحة، وهو ما حدث بتشكيل خلية الأزمة التى ترفع تقارير دورية للرئيس السيسى عن أوضاع المصريين هناك، وما يتم فى عملية الإجلاء، والأمر الثانى أن الموقف المصرى تجاه ما يحدث فى السودان، هو موقف وطنى شديد الاحترام ولاقى تقدير كل الأشقاء السودانيين.
-- القيادة المصرية منذ الحظة الأولى تسير وفق استراتيجية واضحة تتكون من 6 عناصر رئيسية، وهى:
1- الحرص على حقن دماء الشعب السودانى وضرورة الوقف الفورى والعام والشامل لإطلاق النار وضمان الالتزام به وبما لا يقتصر على الأغراض الإنسانية.
2- التشديد على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السودانية واستقلال وسيادة السودان وهو الأمر الذى يمثل عمقاً استراتيجياً للأمن القومى للمصرى.
3- التأكيد أن النزاع فى السودان شأن داخلى خالص وتحذر مصر من أى تدخل خارجى فى السودان أياً كانت طبيعته أو مصدره، بما من شأنه أن يؤجج الصراع.
4- وجوب الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة فى السودان وعدم تعريضها لخطر الانهيار أو الانفراط، بما يخرج عن الإطار التقليدى لأية دولة وطنية حديثة.
5- حتمية العودة إلى الحوار السياسى فى السودان وأن تنتهى العمليات العسكرية فى أقرب وقت تجنباً للانزلاق إلى وضع أمنى أكثر سوءاً وأشد خطورة على السودان وشعبه.
6- ضرورة أن تتسم أية عملية سياسية مستقبلية فى السودان بالشمول وكل الحرص فى تناول الملفات الشائكة والمتشابكة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة