ما بين الحياة والموت، موت أو حياة، سعادة أو شقاء، رحلة المعلوم المجهول، الظاهر الباطن، خليط ممزوج مركب، واضح غامض، أسئلة لا نهاية لها، استقامة واعوجاج، طريق طويل قصير، خطوات مستقيمة، وأخرى متعرجة، تتعثر الأقدام، ثم تهرول.
وما بين النقائض، تكمن الحياة، تنطبع فى أعماقنا، كما تلهمنا الطبيعة، وتملى علينا، نستلهم منها ما غاب عنا، ولكنها تقطر لنا، تعطينا على مضض، وبسخاء أحيانا أخرى، ولكننا كلما ظننا أننا على مقربة من الحقيقة، أدركنا الهوة السحيقة، التى بيننا وبين الحقيقة، كلما أتسعت دائرة عقولنا، أدركنا كم نحن صغار كذرة فى مهب الريح، لا قيمة لها، وإنما هى تطير حيث تقودها الرياح، أين نحن، وكيف جئنا، والى أين نسير؟ أجبنى أيها الجسد، وأنت أيتها الروح، مما وإلى أين؟ آلاف من الأيدى والأرجل والأقدام السائرة، العقول والقلوب والنفوس والضمائر تنمو ثم تتآكل، تأتى وترحل، ولا تتوقف لحظة، ولا شكوى رغم المعاناة، والألم المتواصل، والإرهاق الشديد، تتلاحق أنفاسنا فى سباق لا ينقطع، ولا يهدأ ولا نهاية للطريق، ولا إشارة من بعيد، غير ومضات، سرعان ما تنطفئ وتختفي، لحظات من الإدراك الخاطف، ثم يعود كل شيء كسابق عهده القديم، حيث نقط البدء الملتصقة بنقطة النهاية، والحيرة التى تنتابنا، هل بدأنا؟ هل هنا النهاية أم البداية؟ الحقيقة تتذبذب كما الحياة، ربما هذه هى الحياة الحقيقة، أن تضطرب تقلق، تعلو وتهبط، وتمضى على هذا النحو، وإن ما نبحث عنه فى حقيقة الأمر هو ما بين أيدينا بالفعل، ننظر هناك، ولا نرى ما بين أيدينا، إن الوهم يهيأ لنا، أن الحقيقة غير واضحة، وأنها بعيدة المنال، وأنه من الصعوبة الوصول إليها، يتلاشى إدراكنا، ويظل الضباب يغلف على عقولنا، فلا نرى إلا ما يراه الوهم الخادع، نتوه فى الدروب الضيقة، فى حين أن أمامنا الطرق الواضحة المعالم، قف أمامك كى تعرف نفسك، لا تبحث عنها خارج الجدران، تعمق، تبحر فى الجوهر، تأمل هناك، أحفر فى ذاتك، كى تعرف، كى تلتقى بها، كى تبدو لك عارية، من زخارف الوشي، من بهرجة الشكل، لتكن أنت وذاتك فى القمة، تنهضا سويا، وتكملا المسير، لتعرف النور، وتبصر بالقلب ما غاب عن العين. لترى بقلبك وتشعر ببصرك، ترى النور ينبعث منك، ليضيء لك الطريق.