استغل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الكوري الجنوبي، يون سوك يول، أول زيارة دولة رسمية يقوم بها زعيم كوري جنوبي لواشنطن منذ عشر سنوات لإرسال تحذير إلى زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، ومحاولة تحييد ترسانة بيونج يانج من الصواريخ والقنابل النووية.
وأثارت برامج الأسلحة التي تتطور سريعا لكوريا الشمالية بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تصل إلى مدن أمريكية تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم بالفعل أسلحتها النووية للدفاع عن كوريا الجنوبية بموجب ما تسميه "الردع الموسع" الذي يعزز التزام واشنطن بتعبئة النطاق الكامل لقدراتها العسكرية، بما في ذلك النووية، للدفاع عن حليفتها.
وفي هذا الصدد، قال رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول – في تصريح خلال زيارته لواشنطن التي بدأت في 24 أبريل- إن سول وواشنطن ستستخدمان كافة الوسائل المتوفرة لديهما بما فيها الأسلحة النووية، في حال تعرض كوريا الجنوبية لهجوم نووي من بيونج يانج.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه مع احتفال إدارة بايدن بأول زيارة دولة يقوم بها رئيس كوري جنوبي لواشنطن منذ 10 سنوات، ليس لدى الإدارة حاليا ما تقوله لزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون الذي يرفض التعامل مع الولايات المتحدة.
واعتبرت المجلة أنه نتيجة لذلك، فإن القمة التي وصفها بعض المراقبين بـ"المظفرة" مع رئيس كوريا الجنوبية ليست في أحسن الأحوال سوى "انتصار أجوف" لواشنطن، موضحة أنه في حين لا يوجد شك في أهمية العلاقة بين واشنطن وسول والتزام الرؤساء المتعاقبين للأخيرة بالتحالف مع واشنطن، إلا أنه في المقابل، تكتسب كوريا الشمالية بشكل متزايد الوسائل لتحدي الالتزام الأمني للولايات المتحدة تجاه الجنوب.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه قبل 70 سنة ومع اتفاق الهدنة بين الكوريتين، وافقت إدارة الرئيس الأمريكي أيزنهاور على معاهدة دفاع مشتركة مع كوريا الجنوبية، معتبرة أنه رغم مخاطر تجدد القتال حينها، إلا أن الخطر على الولايات المتحدة وقتها كان محدودا، حيث لم يكن لدى كوريا الشمالية أية وسيلة لإلحاق الأذى بالولايات المتحدة.
ولكن على مدى العقد الماضي، تغيرت بيئة التهديد بشكل كبير، حيث طورت بيونج يانج أسلحة نووية والعديد من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، مما زاد الخطر على كوريا الجنوبية واليابان وكذلك القوات الأمريكية المتمركزة في أماكن أخرى في المنطقة، بما في ذلك جزيرة غوام، وحتى ذلك الحين، ظل البر الرئيس للولايات المتحدة بعيدا عن متناول الشمال.
واليوم، أصبحت كوريا الشمالية متقدمة في عدد من المجالات، ففي العام الماضي، أطلقت ما يقرب من 100 صاروخ، ووصل العدد إلى أكثر من 20 حتى الآن هذا العام، ولا يزال من المتوقع إجراء بيونج يانج تجربة نووية جديدة، وعلى الرغم من أن قدرات ونوايا كوريا الشمالية لا تزال غير مؤكدة، إلا أن الخطاب والسلوك يشيران إلى أن زعيم كوريا الشمالية "كيم جونج أون" عازم على تطوير ترسانة نووية كبيرة مدعومة بالصواريخ اللازمة لاستهداف المدن الأمريكية.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن التقارير تشير إلى أن كيم سيعزز قوة الفتك الهجومية الاستراتيجية لديه بمركبة إعادة الدخول المتعددة المعروفة باسم (الرأس المدمر الموجه) (MIRV) وهي عبارة عن حمولة صاروخية تحتوي على العديد من الرؤوس الحربية، كل منها قادر على أن يستهدف هدفا مختلفا (صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس حربية نووية حرارية يمكن إطلاقها من الغواصات).
ورأت "فورين بوليسي" أنه حتى لو نجح كيم في هذه الجهود، فلن يبادر بالضربة الأولى بسبب عوامل الردع الحالية، حيث سيؤدي ذلك إلى إبادة فورية تقريبا لدولته وسلالته، ومع ذلك، إذا شعر كيم بأن حكمه يتعرض للخطر، فمن المحتمل وفي غضون سنوات قليلة أن يهدد بضرب المدن الأمريكية.
ويجب هنا الانتباه إلى أن الخطر على الولايات المتحدة في هذه الحالة مصدره التزام واشنطن الدفاعي تجاه كوريا الجنوبية، حيث إن الزعيم الكوري الشمالي لا يوجه تهديدات ضد أوروبا أو أمريكا الجنوبية أو إفريقيا أو آسيا، باستثناء كوريا الجنوبية واليابان، إنه يتحدى واشنطن لأن الأمريكيين يتواجدون في المنطقة ويهددونه بالحرب، لذا، فإن البرنامج النووي الكوري الشمالي في هذه الحالة هو نتيجة طبيعية للوجود الأمريكي في كوريا الجنوبية فضلا عن دعم واشنطن المتكرر لتغيير النظام، وإن زعيم كوريا الشمالية سيكون شخصا غير منطقي إذا لم ينشئ ويحتفظ بترسانة نووية كبيرة خاصة بعد التطورات التي شهدها العالم.
وأضافت أنه بلا شك، لا أحد يمكنه التنبؤ أين سينتهي برنامج كوريا الشمالية النووي، ولكن "معهد آسان للدراسات السياسية" وشركة Rand Corp حذرا في ورقة سياسية عام 2021 من أن كوريا الشمالية يمكن أن تجمع ما يصل إلى 242 سلاحا نوويا بحلول عام 2027 وهذا تقدير مثير للجدل، حيث سيتعين حينها على صانعي السياسة في الولايات المتحدة إعادة النظر في أهمية معاهدة الدفاع مع سول.
وتساءلت "فورين بوليسي" عن الخيارات السياسية التي تمتلكها واشنطن للتعامل مع بيونج يانج، خاصة مع رفض كيم جونج أون الحوار في ظل عدم وجود حافز قوي يتم طرحه للتفاوض بشأن التخلص من ترسانته النووية، فالولايات المتحدة تعتمد على إقناع كيم بأنه لا يحتاج إلى الخوف من الولايات المتحدة ، وهو تحد كبير بالنظر إلى الدور العالمي النشط للجيش الأمريكي، وحتى لو كانت الولايات المتحدة لا تنوي بالفعل مهاجمة كوريا الشمالية، فسيكون كيم شخصا غير منطقي إذا بنى مستقبله على مثل هذا الافتراض.
وأضافت أن ما تحتاج واشنطن إلى القيام به هو إقناع بيونج يانج بمزايا وفوائد الانخراط في الحوار والتفاوض، والتأكيد على أن الأمر يستحق المشاركة، كما يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ بإنهاء السياسات التي تبدو معادية، ومنها: إلغاء الحظر المفروض على سفر الأمريكيين إلى كوريا الشمالية، وتشجيع المجتمع المدني الأمريكي على البدء في اقتراح مشاريع تعليمية وثقافية ورياضية صغيرة مع الجانب الكوري الشمالي، وإبداء الإدارة الأمريكية رغبة في إظهار الاحترام المتبادل وفتح قناة دبلوماسية منتظمة (مكتب اتصال) وصولا إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع بيونج يانج.
ونبهت المجلة الأمريكية إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن رفض واشنطن التعامل مع بعض الدول أدى إلى تدهور الأوضاع، وهو ما حدث مع الاتحاد السوفيتي والصين وكوبا، ومؤخرا مع إيران وسوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية.
ودللت المجلة على ما ساقته بالإشارة إلى أن عدم التواصل مع بكين في عام 1950 أسهم في صدام الولايات المتحدة والصين في الحرب الكورية، وفي الآونة الأخيرة، شعرت واشنطن بالحرج من وساطة الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهي الوساطة التي أصبحت ممكنة بسبب رفض واشنطن التعامل مع طهران.
وأكدت "فورين بوليسي" أن تخفيف السياسات العدائية، وتقديم ما يفترض أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون يريده، سيكون اختبارا جيدا لنواياه. ويجب أن تقترن الدعوة للعلاقات الدبلوماسية باقتراح لموضوع تفاوض أولي مثل إعلان سلام ومعاهدة رسمية.
وأضافت أنه من الطبيعي أن يشمل الحديث عن السلام مناقشة الحد من التسلح، ويجب المضي قدما في هذه المرحلة دون ذكر مسألة نزع السلاح النووي بالكامل، لضمان بناء الثقة بين الجانبين، وعقب ذلك، يجب على إدارة بايدن أن تقترح جلوس الأطراف الرئيسية (الكوريتين) على طاولة المفاوضات للاتفاق على إعلان إنهاء الحرب (الوضع الحالي هدنة وليس اتفاق سلام)، وإنشاء إطار لسلام طويل المدى، ثم تعليق واشنطن بعض العقوبات الأحادية مقابل التفاوض بشأن نزع السلاح النووي بالكامل، وفي حال باءت هذه الجهود بالفشل، يمكن لواشنطن إعادة فرض العقوبات مجددا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة