بعث الزعيم سعد زغلول باشا رسالة إلى رئيس الحكومة عدلى باشا يكن بأنه قادم إلى مصر، وما أن أذيع نبأ هذه العودة فى أنحاء البلاد حتى اهتزت له أركانها، بوصف فخرى عبدالنور فى مذكراته «ثورة 1919 ودور سعد زغلول والوفد فى الحركة الوطنية».
كان سعد زغلول فى أوروبا منذ أن سافر إليها على رأس الوفد المصرى فى إبريل 1919 لعرض القضية المصرية، وبدأ نشاطه بمؤتمر السلام فى باريس الذى نظمته الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الأولى، وبدأت فعالياته من يناير 1919 حتى يناير 1920.
لم يقتصر دور الوفد المصرى على عرض قضية استقلال مصر أمام «مؤتمر السلام» فقط، وإنما «كان يجاهد فى سبيل نشر الدعاية المصرية، وبسط قضية مصر فى الأوساط الأوروبية بالخطب فى المآدب وبالمقالات فى الصحف، وبالنداءات التى كان يصدرها ويذيعها فى جميع الأنحاء، والاحتجاجات التى كان يرسلها إلى جميع من يرى ضرورة الاحتجاج إليهم»، وفقا لما يذكره عبدالرحمن فهمى، أحد أبرز قيادات ثورة 1919 السريين فى الجزء الثانى من مذكراته «يوميات مصر السياسية - الحصار- يوليو 1919 - 920».
جاءت عودة سعد فى أعقاب تشكيل عدلى يكن باشا لحكومة جديدة، حرص فى برنامجها الذى قدمه إلى السلطان فؤاد على «تحديد العلاقات الجديدة بين بريطانيا ومصر بالوصول إلى اتفاق لا يجعل محلا للشك فى استقلال مصر، ودعوة الوفد المصرى، الذى يرأسه سعد زغلول باشا إلى الاشتراك فى العمل، لتحقيق هذا الغرض»، حسبما يذكر عبدالنور فى مذكراته، مضيفا: «قابلت الأمة برنامج هذه الوزارة بالاغتباط، واستقبلت تأليفها بمظاهرات الترحيب الكبير، وأطلقت عليها اسم «وزارة الثقة»، وكان أول عمل عمله عدلى باشا بعد تأليفه الوزارة أن أرسل إلى سعد باشا تلغرافا يخبره فيه بتأليفها، ويسأله عن رأيه فى المفاوضات، فكان رد سعد أنه قادم إلى مصر».
وصل سعد باشا إلى الإسكندرية فى 4 إبريل، مثل هذا اليوم، 1921، ويصف عبدالرحمن فهمى يوم وصوله قائلا: «كان يوما عظيما كسعد العظيم، فهو يوم من الأيام النادرة التى شهدتها مصر.. دبت الحماسة الوطنية والغيرة القومية فى صدور المصريين، فراحوا يؤلفون الوفود لاستقباله فى الإسكندرية حتى ضاقت بهم الفنادق على سعتها، وبلغ من اهتمام الناس بمشاهدة الاحتفال أن استأجروا مواقف لهم ولعائلاتهم فى الأبنية القائمة على جانبى طريق الموكب بأجور باهظة جدا».
كان فخرى عبدالنور ضمن أعضاء اللجنة التى تشكلت برئاسة «إبراهيم سعيد باشا»، وكيل لجنة الوفد المركزية للإعداد لاستقبال سعد، ويذكر عبدالنور أنه تولى رئاسة «لجنة السكك الحديدية» التى قامت بإعداد القطارات الخاصة بالاستقبال، وتحديد مواعيد سفرها من الإسكندرية وعودتها إلى القاهرة، وكان فى هذه اللجنة عبدالحليم العلايلى والدكتور محجوب ثابت وأحمد بك الشيخ، وقامت وبموافقة الحكومة بإعداد قطار خاص لسعد زغلول يسافر فيه المسافرون لاستقباله ويعودون به، وإعداد قطار خاص لوفود الطلبة يسافر بهم إلى الإسكندرية ويعود بهم إلى القاهرة.
يكشف عبدالنور، أن سعد أرسل سكرتيره الخاص كامل سليم من أوروبا عن طريق بورسعيد قبل وصوله هو إلى الإسكندرية، ويقول عبدالنور: «علمنا بعد ذلك الحكمة فى هذا الترتيب.. إذ حضر الأستاذ كامل سليم ومعه جميع المحاضر والوثائق الخاصة بالمفاوضات والأوراق المهمة، ومذكرات سعد باشا وكان هذا مما يحرص عليه ويخشى أن تمتد يد إليه، ومن جهة أخرى كان وصوله قبل سعد باشا بيومين فرصة ليحيطه تلغرافيا باتجاهات الرأى العام ووجهات النظر المختلفة، وأرسل فعلا تلغرافا مطولا بهذا المعنى إلى سعد باشا تسلمه على ظهر الباخرة قبل وصوله بساعات».
يذكر عبدالنور أنه سافر إلى الإسكندرية فى القطار الخاص، وكان يقل المدعوين للاستقبال، وفى مقدمتهم أعضاء الوفد جميعا، ماعدا على شعراوى باشا وعبدالعزيز فهمى بك، كما كان يقل أعضاء لجنة الوفد المركزية، وأعضاء لجان الاستقبال والجمعية التشريعية، وكثيرا غيرهم من الكبراء والعظماء.. ينقل عبدالنور مشاهداته، حين وصل يوم الأحد 3 إبريل ظهرا، قائلا: «دهشنا للزحام الهائل الذى لمسناه بسبب الوفود التى وردت من جميع أنحاء البلاد، وكان معروفا أن الباخرة التى تقل الزعيم تصل فى الساعات الأولى من الصباح، فبكرنا فى الذهاب إلى الميناء، فإذا به يعج عجيجا بالألوف المؤلفة من الجماهير المحتشدة، والكل متلهف على رؤية سعد، يترقبون بفروغ الصبر ساعة لقائه، وما إن شاهدت الجماهير المحتشدة فى الميناء الزورق الذى يقل سعد، حتى اهتز الفضاء بهتافهم الذى بلغ السماء، وما كاد يصل إلى الرصيف حتى اندفعت الجماهير تحيه وتحيط به، ولما رآه المحتشدون اشتدت حماستهم وتعالى هتافهم، فرفع كلتا يديه، وقال بصوت جهورى: «أشكركم، أشكركم » ثم هتف ليحيا الاستقلال التام.. لتحيا مصر..لتحيا الإسكندرية.. لتحيا بورسعيد.. ليحيا الوطن».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة