سره الباتع قصة للكاتب الكبير يوسف إدريس، تحولت إلى مسلسل للمخرج خالد يوسف بعد مرور 65 عامًا على صدورها ضمن مسلسلات رمضان 2023، وتزامنًا مع عرض مسلسل سره الباتع، ينشر "اليوم السابع" قصة "سره الباتع" التى نشرت لأول مرة عام 1958 ضمن مجموعة قصصية بعنوان "حادثة شرف".
سره الباتع لـ يوسف إدريس.. الجزء التاسع
القاهرة في 20 يونيو سنة 1801
عزيزي جي
لا زلتُ لا أعرف إنَّ كان خطابي الأخير قد وَصَلَك أم ضلَّ الطريق إليك، ولا أعلم إنْ كنتَ قد كتبتَ ردًّا عليه وفُقِد هو الآخَر، أم أنَّنِي لا أزال سيِّئ الظن بمصلحة بريدنا الموقَّرة.
على العموم، وسواءً ألَقِيَ خطابي هذا مصيرَ سابِقِه أم وَصَلَك سالِمًا، فإنني أحسُّ أني لا بد أن أكتب لك، حتى ولو كنتُ متأكِّدًا أنه لن يصلك، فهناك أشياء كثيرة تحدث داخل نفسي، وأُرِيد أن أُفْضِيَ بها لصديق، فكما تعلم أنا لا أجرؤ على أن أهمِسَ لأحد هنا بما يَدُور في خلدي، أعلَمُ أنَّك ستَسْخَر مني كعادتك، ولكن، أرجوك حاول أن تفهمني، فالناس هنا لا يريدون.
طلبتَ مني في خطابك الذي أرسلتَه منذ أكثر من ستة شهور أن أحدِّثَك عن مصر والمصريين، وذلك الشعب الذي يحيا على ضفاف النيل، ومشكلتي يا صديقي العزيز، هي هذا الشعب!
إنَّني أعترف لك أنني لم أكن هكذا يوم جئتُ، أنا — كما تعلم — حياتي هي فرنسا، وقد اشتركتُ في حمل جمهوريتنا على أكتافي، كنتُ وأنا أضَعُ قدمي على أرض مصر أحسُّ أني مُقْبِلٌ على بلاد أفريقية مظلِمة، أحمل لها شعلة الحضارة وأُذِيقها طعْمَ الجمهورية التي تنهل منها بلادي، فإذا بي اليوم، ماذا أقول؟! لقد شاهدتُ القُوَى الخارِقةَ بعيني يا روان، لقد مسَّنِي سِحْرُها ولكنَّك لن تفهم، لن أجِدَ أحدًا في العالَم، عالَمِكم، يفهم ما أعني، فلماذا أُتْعِب يدي وقلمي؟!
حسنًا، سأصنع كما يصنع مُرْشِدو الآثار، وسأحدِّثك عن مصر، فأظن أن الحديث في هذا هو الذي يستهويك، المصريون يا صديقي ليسوا كما تقول، فهم لا يرقصون حول النيران في الليل، وحَرِيمهم أبعد عن حريم ألف ليلة وليلة، وهم غير المماليك، وأظنُّك لا تعلم هذا، والمماليك انتهَيْنا منهم أو من أمرهم في أولى جولاتنا معهم، جاءوا في صفٍّ طويل يرتدون الملابس الحريرية الهفهافة ويركبون الخيل المطهَّمة وخلف كلٍّ منهم عبدٌ أسمر يجري، جاءونا كدون كيشوت، شاهِرين سيوفَهم ويصرخون فينا أن نخرج لهم لتدور بيننا وبينهم الحرب ويبدأ النزال.