ربما لا يعرف غالبية من هتفوا بفرحة وانتماء «مطرية .. مطرية» أن منطقتهم هذه هى التى صنعت حضارة مصر وحفظتها، وربما توارى عن الأذهان قليلا أن من هذه المنطقة خرجت أول نظرية لنشأة الكون، وان منها عرف العالم التقويم الشمسى ووضع الإنسان علامات راسخة على الزمان والمكان فاستقر بعد أن شقى، وسكن بعد أن تاه، لكن أهالى المطرية هنا والآن يعرفون تمام المعرفة كيف يصنعون البهجة باقتدار، وكيف يرسمون البسمة على الوجوه دون تصنع أو زيف.
فاتك نص عمرك يا اللى ما شفت «المطرية» فى هذا اليوم، فاتك الكثير والكثير عن هذا الشعب وقدراته، فاتك أن ترى مصر وهى تنفض عنها كل شيء وتلبس ثوب الفرح فحسب، فاتك أن ترى الوجوه مرحبة بالغريب قبل القريب، والعيون وهى تفرش الود بغير شرط أو قيد، والسواعد وهى تقدم الخير فلا تعرف من أين أتى ولمن تقول«شكرا».
يوم معلوم ومشهد غير مسبوق، فى الخامس عشر من شهر رمضان فى كل عام يتجمع أهالى عزبة حمادة فى المطرية على عقد من بند واحد :«الفرح إجبارى»، وفى كل عام تتجدد مشاهد هذا الفرح بجديد لم يكن فى الحسبان، شباب المنطقة يصنعون زيا موحدا لهذا اليوم، ولا يأكلون مع من يأكل ولا يرقصون مع من يرقص، بل يخدمون الجميع بلا حساب أو استثناء.
تنظيم شعبى يشبه تنظيمات خلايا النحل، ملحمة سنوية يعرف كل واحد فيها دوره ويؤديه بلا زيادة أو نقصان، والكل «فرحان» لم يدر فى بال أهل المطربة يوما أن يصيروا حديث مصر كلها، ولم يخطر ببالهم أن الوفود الأجنبية ستتوالى عليهم، وأن من السفراء من سيحجز لنفسه مكانا بينهم، إن المواقع الإخبارية والقنوات الفضائية والوكالات الأجنبية ستتسابق على نقل أخبارهم، هم فقط فكروا فى أن يسعدوا أنفسهم وأن يتقاسموا اللقمة والضحكة والبهجة فزادهم الله من فضله، وجعلهم مثالا للجود والكرم وأحيا بهم رحمة رمضان وفرحة رمضان ولمة رمضان.
هنا فى عزبة حمادة بالمطرية تستطيع أن ترى رمضان بالعين، وأن تتذوق طعمه وأن تعبق أنفك من رائحته، وفى هذا اليوم يتمنى الجميع أن يصبح «مطرية» وأن يفعل مثلما تفعل «المطرية» وأن ينتمى ولو لدقائق إلى المطرية، حى واحد يختصر بلدا، حى واحد يتحول إلى أيقونة، حى واحد يصبح مصر وهى تتحدث عن نفسها لينظر الناس كيف تبنى قواعد الفرح وحدها.