كان للإعلامى الشهير الراحل أحمد سعيد، وجه إبداعى آخر، هو تأليفه الدرامى للمسرح والإذاعة والتليفزيون فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وغطت شهرته كأول رئيس لإذاعة صوت العرب من عام 1953 إلى 1967، على هذا الجانب فى مسيرته، ومن خلال علاقتى به التى امتدت لسنوات حاورته حول هذا الجانب، واحتفظ إلى الآن بين أوراقى بحوار طويل، كتب إجاباته بخط يده بتاريخ 8 يناير، 2006، بمناسبة تأليفه وقتئذ مسرحية بعنوان «يحدث غدا»، غير أن هذا الحوار لم يجد طريقه للنشر بكل أسف.
كان نص «الشبعانين» هو أولى مسرحياته، وقدمه مسرح الحكيم بطولة أمين الهنيدى وتهانى راشد ومحمود السباع وإبراهيم عمارة وعمر الحريرى، وإخراج على الغندور، فى إبريل 1966، وفى التاسع منه - مثل هذا اليوم - نشر الكاتب والناقد الفنى اللامع جليل البندارى مقاله الطويل عن هذه المسرحية بعنوان «مع الشحاتين والشبعانين - شابلن فى شارع عماد الدين»، مشبها «الهنيدى» بالممثل الكوميدى العالمى «شارلى شابلن».
يشيد البندارى بالنص المسرحى، قائلا: «لم أكن أتصور أن كاتبا كأحمد سعيد يمكن أن يصور الشحات من الداخل والخارج، من الأعماق والسطح على هذه الصورة الفنية الرائعة»، ثم يشيد بهنيدى: «لم أكن أتصور أنه يمكن لممثل فى مصر وربما فى العالم كله، أن يؤدى دور الشحات سوى شارلى شابلن، حتى رأيت أمين الهنيدى، وخرجت من المسرح وأنا مقتنع تماما بأن شابلن جديدا ظهر على المسرح، شابلن بعقله وقلبه وبكل حواسه، ماعدا قبعته وحذائه التقليدى، فشابلن الإنجليزى المتأمرك يعقد القبعة ويأخذ، أما شابلن أحمد سعيد فيتسول وهو عارى الرأس حافى القدمين»..يضيف: «مسرحية الشبعانين هى قصة الصراع فى الأرض على رغيف الخبز، من يملكه، ومن يوزعه على الناس بالعدل؟»
يقدم البندارى لمحة سريعة عن أحمد سعيد أديبا، قائلا: «بدأ حياته وهو طالب بكلية الحقوق كاتب قصة، كان يمضى النصف الأول من النهار فى الاستماع إلى محاضرات القانون، والنصف الثانى فى كتابة القصص العاطفية وغير العاطفية للمجلات والصحف المنتشرة وغير المنتشرة، كمجلة الضمير والاثنين والدنيا والمصور والبلاغ، تارة يكتب القصة نظير زجاجة كازوزة، وتارة نظير ساندوتش طعمية، وتارة نظير خمسين قرشا ينفقها على صاحب المجلة أورئيس التحرير قبل أن يعود إلى بيته».
أما عن بدايات لمعانه كمذيع بالإذاعة فيربطها «البندارى» بإلغاء مصطفى النحاس لمعاهدة 1936 فى أكتوبر 1951 ومعارك الفدائيين بقناة السويس ضد قوات الاحتلال الإنجليزى.. يقول: «قام أحمد سعيد بعمل استفتاء للشعب، أذيع فى البرنامج العام عن إلغاء معاهدة 1936، وقال الشعب كلمته وهى إلغاء المعاهدة، أو قتال الإنجليز فى معسكراتهم بقناة السويس، وما كاد هذا البرنامج يذاع حتى احتجت بريطانيا التى كانت عظمى على هذا المذيع، وتقرر أن تخضع برنامجه لرقابة وزير الخارجية فى ذلك الوقت، ثم حمل الميكرفون وانطلق إلى الإسماعيلية والسويس وبورسعيد والتل الكبير ليعيش فى المعركة مع الفدائيين، وظل هناك حتى حريق القاهرة، ولم يعد مذيعا فى البرنامج العام، وإنما عاد لينطلق لسانه كالمدفع سريع الطلقات، ورأى بعينيه الإنجليز وهو يصوبون مدافعهم الرشاشة على الجماهير، وفى تلك المعركة ترك الميكروفون ليحمل 25 جثة بيديه على العربات الكارو، وعاش بعد ذلك ستة شهور لا يذوق طعم اللحم».
فى حوارى معه -غير المنشور- يكشف: «بدأت التعبير الدرامى قبل التحاقى بالعمل الإذاعى، وتحولت ثلاثة أعمال لى لمسلسلات إذاعية فى صوت العرب وهى «حامل الحقيبة» عن الجاسوسية، و«رجل بين التروس» عن التأميم عام 1961 ومشاكل العمال والصناعة، و«رحلة الألفين فرنك» عن ثورة الجزائر وقدمها بصوته أحمد بن بيلا عندما كان رئيسا للجزائر، تلتها رواية «المجانين» عن الإقطاع والثورة وحرب 1965، ونُشرت على حلقات بمجلة صباح الخير، ثم صدرت فى كتاب، ومثلت كحلقات فى التليفزيون المصرى».
وعن المسرح، يذكر: «أول مسرحياتى كانت «الشبعانين»، وكتب عنها كبار الكتاب والنقاد، مثل دكتور لويس عوض ومحمود أمين العالم وجليل البندارى، وحدثت محاولات لمنعها بدعاوى مختلفة، لكن رئيس الوزراء وقتئذ زكريا محيى الدين انتصر لعرضها، وحققت نجاحا جماهيريا لم يحدث لجميع مسرحيات الحكومة فى موسم 1965/ 1966».
يكشف فى حواره لى قصة وقف مسرحية «مطلوب لمونة» بطولة ثلاثى ضواء المسرح، سمير غانم، جورج سيدهم، الضيف أحمد، قائلا: «انفصلت عن النظام الناصر بعد هزيمة يونيو 1967، وكتبت مسرحية «مطلوب لمونة» وهى اجتماعية ظاهريا، وحصلت فرقة ثلاثى أضواء المسرح من الرقابة على الموافقة بعرضها، وفى ليلة عرضها وبعد نشر إعلاناتها فى الصحف ودور السينما والشوارع، منعها وزير الداخلية شعراوى جمعة، ما تسبب فى خسائر مادية لفرقة الثلاثى، وحاولت جاهدا عرضها وتحمس معى الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتها، لكن شعراوى جمعة صمم لربطها بنكتة ترددت وقتئذ وهى: مطلوب لمونة لبلد قرفانة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة