فى إطار اهتمام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء برصد وتحليل كل ما هو متعلق بالتقارير الدولية التى تتناول الشأن المصرى أو تدخل فى نطاق اهتماماته، سلط المركز الضوء على تقرير صادر عن الأمم المتحدة بعنوان "تمويل التنمية المستدامة لعام 2023: تمويل التحول المستدام"، والذى أوضحت خلاله الأمم المتحدة أن تنامى الأزمات - ومنها الغذاء والطاقة وعدم وضوح التوقعات بشأن الأوضاع الاقتصادية العالمية وتصاعد آثار تغير المناخ- أكدت جميعها الحاجة لإحداث تحول صناعى مستدام لسد فجوة التنمية الآخذة فى الاتساع بين الدول، وتعزيز العمل المناخى وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يؤكد الحاجة إلى الاستثمارات الضخمة والعاجلة للإسراع بإحداث هذا التحول بما فى ذلك فى مجالات الكهرباء والصناعة والزراعة والنقل والمباني.
أوضح التقرير أن بعض التغييرات الضرورية تتم بالفعل، فعلى سبيل المثال حفزت أزمة الطاقة الناجمة عن الأزمة الروسية الأوكرانية الاستثمار فى التحول بقطاع الطاقة العالمى، ليرتفع بشكل هائل عام 2022 إلى رقم قياسى بلغ 1.1 تريليون دولار.
وأكد التقرير أنه للمرة الأولى تجاوزت استثمارات تحويل الطاقة، ما استثمر فى الوقود الأحفورى عام 2022، ولكن كل هذه الاستثمارات تقريبًا كانت فى الصين والدول المتقدمة، حيث أن معظم الدول النامية لا تملك الموارد اللازمة للاستثمار، على عكس البلدان المتقدمة، وهناك تباين هائل بين الدول، فقد واجهت الدول النامية ضغوطًا مالية ضخمة بسبب تغير المناخ والأزمة الروسية الأوكرانية وجائحة "كوفيد-19" ومدفوعات الديون التى وصلت إلى ضعف ما كانت عليه عام 2019، مما يحد من قدرة الدول النامية على الاستثمار فى التحول المستدام.
كذلك بلغ متوسط الإنفاق على التعافى بعد الجائحة، فى الدول المتقدمة 12,200 دولار للفرد عامى 2020 و2021، بزيادة 30 مرة عما أُنفق فى الدول النامية والذى بلغ 410 دولار، وزيادة بمقدار 610 مرة عما أنفق فى الدول الأقل نموًا والبالغ 20 دولارًا للفرد.
وأشار التقرير إلى عصر صناعى أخضر جديد، حيث أن التصنيع كان- تاريخيًا- وسيلة للتقدم مما أدى إلى النمو الاقتصادى وخلق فرص العمل والتقدم التكنولوجى والحد من الفقر، وذكر التقرير أن القدرة التصنيعية، رغم الانتشار السريع للتكنولوجيا، ما زالت متفاوتة فى أقل الدول نموًا فى أفريقيا، حيث انخفضت القيمة المضافة للصناعات التحويلية بدلا من أن تتضاعف وفقًا لأهداف التنمية المستدامة.
وقد دعا التقرير إلى تطوير جيل جديد من السياسات الصناعية المستدامة المدعومة بالتخطيط الوطنى المتكامل لتوسيع نطاق الاستثمارات ووضع أساس التحولات المطلوبة، وأكد وجود الكثير من الفرص للنمو الشامل فى الصناعة الزراعية والطاقة الخضراء والتصنيع، وهو الأمر الذى يتطلب وضع سياسات تستهدف تعزيز بناء القدرات الإنتاجية المحلية لتحقيق التحول منخفض الكربون وتوفير وظائف لائقة وتعزيز النمو الاقتصادى مع ضمان المساواة بين الجنسين.
ولتوفير الموارد اللازمة لهذا التحول، دعا التقرير إلى تعزيز الأنظمة الضريبية وتمكين وتحفيز الاستثمار الخاص وتوسيع نطاق الاستثمار الدولى العام والتعاون الإنمائي. كما أكد أن حشد الموارد الكافية يتطلب إحداث تغييرات فى هيكلة النظام المالى العالمي.
وبينما تعمل المنظمات الدولية للتكيف مع الاحتياجات سريعة التطور للدول، حذر التقرير من أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إذا كان الإصلاح مجزأ أو غير مكتمل أو إذا لم يأخذ أهداف التنمية المستدامة فى الحسبان، كما شدد التقرير على ضرورة إيجاد الإرادة السياسية اللازمة للتغلب على التوترات السياسية المتنامية وانشقاق التحالفات بين الدول والاتجاهات المقلقة المرتبطة بالقومية، والاستفادة من الفرصة السانحة للاستثمار بشكل عاجل فى المستقبل المشترك.