هناك سحر خفي للروايات، يمكنه أن يغير حياة الطفل إلى الأفضل، ويمنحه فرصة لتطوير شخصيته وقدراته الاجتماعية والإبداعية، من خلال سفره معها إلى عوالم أخرى، وتعرفه من خلالها على أصدقاء جدد، وإسهام أحداثها وشخصياتها في تعريفه كيف يواجه التحديات، ويتجاوز المصاعب، ويتحلى بمكارم الأخلاق... لكن كيف نختار الرواية المناسبة لأطفالنا؟ وكيف تجذب انتباههم وخيالهم؟ وكيف تساهم الروايات في حل المشكلات التي يواجهها الأطفال في حياتهم؟
هذه بعض من الأسئلة التي ناقشتها جلسة حوارية بعنوان "دور الروايات في التنمية الاجتماعية للأطفال"، ضمن فعاليات الدورة الـ14 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل، وشارك فيها الكاتب والروائية الإماراتية نادية النجار، والروائي روس ماكينزي، والكاتبة الأمريكية ياسمين وارجا، وأدارتها عائشة الحمودي.
قالت الكاتبة والروائية نادية النجار، أعتقد أن الكاتب الذي يختار موضوعاته بحساسية وعمق يستطيع أن يصل إلى قلوب وعقول القراء الصغار، وأن يترك فيهم أثراً إيجابياً، وسردت في ذلك مثالاً من تجربتها الشخصية، إذ قالت: "أتحدث في إحدى قصصي المنشورة عن فتاة صماء تسمع أصوات العالم بطريقتها الخاصة، وفي إحدى المدارس التي زرتها، جاءت إلي فتاة صغيرة، وقالت لي بحرارة: شكراً لأنك كتبت عني، تعجبت من كلامها، وعندما سألت معلمتها، عرفت أن والديها مصابان بإعاقة سمعية، وأنها شعرت بالانتماء لشخصية القصة، كانت هذه حقاً أجمل هدية حصلت عليها ككاتبة.
ونصحت نادية الأهل بعدم فرض نوعية معينة من القصص على الأطفال، قائلة: الرواية الناجحة هي التي تجعل الطفل جزءاً من عالمها، وتزرع فيه القيم الأخلاقية من غير توجيه مباشر؛ فالأطفال يتأثرون بالمواقف الإيجابية التي يقرؤونها في القصص أكثر من أن نقول لهم ما يجب أو لا يجب أن يفعلوه.
في نفس السياق رأى روس ماكينزي أن الكتب تشكل عاملاً أساسياً في تطور ونمو الأطفال، وأن القصص والروايات تساعدهم على توسيع مداركهم وخيالهم، ونصح بتشجيع الأطفال على زيارة المكتبات، ومشاركتهم في اختيار الكتب التي تناسب اهتماماتهم ومستواهم. وأكد ضرورة تنظيم جلسات حوارية بين الأطفال، يتناقشون فيها مضامين وشخصيات ورسائل الروايات التي قرؤوها. وقال: "أحرص على زيارة المدارس بين الحين والآخر، وأسأل الأطفال عن مدى حبهم للقراءة، وأستمع إلى آرائهم حول أنواع الكتب التي تجذبهم.
وسرد روس تجربته مع القراءة والكتابة، وكيف تغيرت حياته بفضل كتاب قرأته له معلمته عندما كان في التاسعة من عمره. وقال: "لم أكن أحب القراءة وكنت أفضل اللعب ومشاهدة التلفاز. لكن الكتاب الذي قرأته لي معلمتي فتح عيني على عالم جديد، وجعلني أشعر بأنني أصبحت شخصاً آخر. ومنذ ذلك الحين، ظهرت في نفسي روح الكاتب، وأردت أن أضع بصمتي في حياة الأطفال"، مضيفا أعتقد أن كل من يضع أفكاره في كتاب يخاطب به الأطفال يقوم بعمل رائع؛ فهو يعلمهم أن الشجاعة ليست بعدم الخوف، ولكن الشجاعة في التغلب على الخوف.
وتحدثت ياسمين وارجا عن مواصفات الرواية الاجتماعية المثالية للأطفال، وقالت: "أفضل الروايات التي تنمي إبداع الأطفال وتثري مخيلتهم، والرواية الناجحة هي التي تقدم لهم أفكاراً جديدة ومفيدة، لا تلك التي تفرض عليهم رأياً مسبقاً". وأشارت إلى أن رواية الأطفال لها خصوصيتها؛ لأنها تساهم في بناء شخصية الطفل التي سترافقه طوال حياته.