توفى محمد على باشا والى مصر يوم 2 أغسطس 1849، وعند بولاق استقبل كل أعضاء الأسرة الجنازة باستثناء الوالى الجديد، عباس باشا، الذى غاب متعمدا، وسمح لموكب الجنازة أن يكون هزيلا تعسا للغاية، وفقا لوصف القنصل البريطانى «موراى» إلى حكومته، وتنقله الدكتورة عفاف لطفى السيد مارسو، فى كتابها «مصر فى عهد محمد على»، ترجمة عبدالسميع عمر زين الدين، مراجعة السيد أمين شلبى.
كان هذا الموقف الخاص لعباس تعبيرًا عن موقفه العام المتوتر من باقى العائلة، وأدى إلى مقتله بقصره بمدينة بنها يوم 14 يوليو 1854، بعد أقل من ست سنوات على توليه السلطة فى 24 نوفمبر 1848 خلفًا لعمه إبراهيم وفى حياة جده، وأشيع أن عمته نازلى دبرت عملية القتل، فلماذا؟
ولد عباس سنة 1813، وأصبح يتيما فى سن الرابعة لوفاة والده «طوسون»، وتذكر عفاف لطفى، أنه تربى على يد جده بنفس الأسلوب الذى يربى به أطفال الأسرة المالكة الآخرون، لكنه كان يعرف القدر المتدنى لإمكانيات الحفيد، وكان يشير طيلة حياته إلى عباس بلقب «البليد»، وتؤكد أن جده وعمه كانا يحتقرانه، وأدرك عباس شعورهما، فكرههما معا، رغم حرصه على الاحتفاظ بمشاعره نحو جده لنفسه، وعندما أصبح هو الوالى تجلت عداوته لجده فى الجنازة الوضيعة التى رتبها له.. تضيف أن معظم الوثائق تكشف أن عباس كان متوحشا، قاسى القلب، قادرا على الإتيان بأقصى ما تتضمنه قوائم التلذذ بالقسوة من أعمال، وكثيرا ما عنفه جده بسببها». فى مقابل السمات الشخصية لعباس، كانت سمات عمته نازلى مختلفة، ووفقا لعفاف لطفى، فإن نازلى عاشت هى وأخواتها، توحيدة، وزينب «الرابعة» من بين 13 بنتا أنجبهم محمد على، وتوفت العشرة الأخريات وهن أطفالا صغارا، وتزوجت توحيدة من محرم بك، وماتت عام 1830 عن 33 عاما، وتزوجت «نازلى» من محمد الدفتردار، وعاشت بعد وفاة والدها وماتت عام 1860 وعمرها 61 عاما، أما زينب الابنة الرابعة التى تحمل هذا الاسم على التوالى فماتت فى سن 59، وتزوجت من يوسف كمال باشا كبير الوزراء، لكنها طلقت منه عندما ضبطته متلبسا مع خادمتها بعد أن هددت بالانتحار إذا لم تحصل على الطلاق.
تذكر «عفاف لطفى»، أن محمد على أظهر لبناته نفس المحبة التى أغدقها على أبنائه الذكور، وتكشف أن المرة الوحيدة التى أوشك الباشا فيها على إظهار قسوته مع بناته كانت مع «نازلى»، وتضيف: «كانت نازلى امرأة فاجرة تمارس حياة فاضحة، رغم أنها ظلت مخفية إلى حد ما عن والدها، ورغم أن سلوكها لم يكن معروفا خارج دوائر القصر، كانت ذات سمعة سيئة فى نطاق الأسرة، وتعدت حدود الممكن عندما أمرت بقتل أحد ندمائها، وسمع والدها بالحادثة التى أساءت إلى حسه المتمسك بالأخلاق والعدالة فأمر عباس أن يعدم عمته، وقضى عباس الليلة بأكملها يلتمس من جده أن يبقى على حياة عمته، وفى النهاية استسلم الباشا وألغى أمره».
بعد جلوس عباس على أريكة الحكم بشهور قليلة بدأ صدامه مع أقاربه، يذكر نوبار فى مذكراته: «طالب أبناء محمد على وعلى رأسهم سعيد بميراث والدهم متهمين «عباس» بأنه يمنعه عنهم من دون وجه، وذكروا أن والدهم ترك مجموعة من الألماس تعد جزءا من ثروته الشخصية لم تكن ملكا للخزانة فطالبوا بها، واتهموا الحكومة باستيلائها على أربعمائة ألف فدان من أملاك محمد على الإقطاعية، وأضيف إلى إعلام الوراثة التركة التى تركها الوالى الكبير وتصل قيمتها إلى رقم فلكى».
مع الخلاف حول الميراث، ساء ظن عباس بمن حوله وتخوفه من أكثرهم قربًا إليه حتى من بين أفراد الأسرة وبعض رجال الحكومة الذين عملوا مع جده أو عمه إبراهيم، فعاملهم بعنف وشدة حتى إن بعضهم خشى فتكه، فغادروا البلاد قاصدين أوروبا واستانبول، وفقا للدكتور زين العابدين شمس الدين نجم فى كتابه «مصر فى عهدى عباس وسعيد»، مضيفا: «بعض أتباع عباس عملوا على الوقيعة بينه وبين ولى عهده محمد سعيد باشا وعمته الأميرة نازلى، وبلغ محاربته لأمراء الأسرة حد اتهامه لهم بالتآمر على حياته، فانزوى سعيد فى سراية بالقبارى بالإسكندرية لا يبارحها، وفرت نازلى إلى الآستانة».
عملت نازلى مع من يعملون ضد عباس من الآستانة حتى انتهى الأمر بمقتله، وأشيع أنها أرسلت مملوكين من الآستانة لهذه المهمة..يذكر نوبار: «سيدى وولى نعمتى تم اغتياله فى قصره ببنها بعد أن طعنه أربعة من مماليكه فى أثناء نومه، ويقال إن نازلى هانم أغرت اثنين منهم بجسدها ليلة «10، مثل هذا اليوم، أو11 يونيو 1854»..صحيح ليس هناك ما يعطينى الحق فى تصديق مثل هذه الرواية لكن أيضا لا يوجد ما يمنعنى من الأخذ بها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة