رحل اليوم الكاتب والروائى حمدى أبو جليل، أحد أشهر الكتاب المصريين المعاصرين عن عمر يناهز الـ 56 عامًا، بعدما تم تكريمه فى إحدى الندوات، وقد نعاه المثقفون متذكرين نقاء قلبه وموهبته الأدبية.
سيرة مبدعة
حمدى أبو جليل" هو كاتب مصري، من مواليد محافظة الفيوم 1967، من جذور بدوية مصرية، فازت روايته «الفاعل» بجائزة نجيب محفوظ عام 2008، كما فازت روايته "الرجال الذين ابتعلوا الشمس" فى نسختها الإنجليزية بجائزة سيف بانيبال الأدبية للترجمة، مناصفة مع الكاتب المصرى محمد خير، عن روايته "إفلات الأصابع" فى نسختها المترجمة.صدر له العديد من المؤلفات الأدبية منها:
أسراب النمل (مجموعة قصصية، 1997): وهى مجموعته القصصية الأولى، أشياء مطوية بعناية فائقة (مجموعة قصصية): فازت بجائزة الإبداع العربية سنة 2000، لصوص متقاعدون (رواية): وهى روايته الأولى صدرت عام 2002 وترجمت للانجليزية والفرنسية والإسبانية، الفاعل (رواية): فازت بجائزة نجيب محفوظ سنة 2008، وترجمها روبن موجر بعنوان «كلب بلا ذيل» (بالإنجليزية: A Dog with no Tail)، وصدرت الترجمة عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 2015، القاهرة شوارع وحكايات (الهيئة العامة للكتاب، 2008)، طى الخيام – قصص (دار ميريت 2010)، الأيام العظيمة البلهاء (طرف من خبر الدناصوري) - دار ميريت 2017، نحن ضحايا عك (رواية أخرى فى التاريخ الإسلامي) - دار بتانة 2017، قيام وانهيار الصاد شين - رواية - دار ميريت 2018.
الفاعل
رحيل مفاجئ بعد ليلة تكريمه
كان الكاتب والروائى أحمد قرنى قد نشر على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك " البقاء لله .. كانت ليلة حافلة بحضوره المتألق وبتكريمه وشهادته عن الكتابة والحياة والإنسان لكن لم نكن نعلم بأنها الليلة الأخيرة .. وداعا Hamdy Abu Golayyel .. منذ أيام اتصل بى ليخبرنى برغبته فى التبرع بجزء من أرضه لبناء بيت ثقافة وسط البادية".
وتواصلنا مع "قرني" لمعرفة تفاصيل هذه الليلة فقال:
برعاية النقابة الفرعية لاتحاد كتاب بنى سويف والفيوم بحضور الكتاب والأدباء والأصدقاء بمكتبة الشباب بسنورس تم تكريم الكاتب الروائى حمدى أبو جليل، حيث قام الكاتب أحمد قرنى رئيس النقابة بإهدائه درع النقابة الفرعية اتحاد كتاب بنى سويف والفيوم.
واستهل الندوة بالحديث عن مسيرة حمدى أبو جليل الإبداعية الحافلة بنصوص مؤثرة فى المشهد السردى المصرى الحديث منها مجموعته لصوص متقاعدون وروايته الفاعل ثم روايته الصاد شين، وتحدث عن عالم حمدى أبو جليل وهو عالم البادية؛ حيث الحكايات البكر وهو عالم برع حمدى أبو جليل فى تناول تفاصيله بعمق شديد مما جعله أحد أهم من كتبوا عن البادية وحكاياتها وقد كشف فى كتاباته ليس عن مواطن الجمال فقط بل ووجه سهام كتاباته إلى بعض سلوكيات القبائل العربية المهاجرة إلى مصر منها العزلة والسلب والفخر بالقبيلة وإهمال المرأة.
وتحدث عن إبداعه الكاتب أحمد طوسون والكاتب عصام الزهيرى اللذان تناولا بعض أعمال حمدى أبو جليل وبينا وجه تفرده وخصوصية السرد لديه كما ألقى الكاتب سعيد نوح شهادة عن سيرته الأدبية وصداقتهما التى طالت.
كما ألقى الشاعر أشرف أبو جليل شهادته عن حمدى وكيف بدأ مسيرته فى الكتابة وكيف عانى وذكر أن روايته الفاعل تشبهه تماما كما تحدث الشاعر محمد حسنى عن الكاتب.
مثقفون ينعونه: بدوى متمرد وقلب طيب
عبر العديد من الأدباء والمثقفين المصريون والعرب، عن حزنهم لرحيل الكاتب المصرى حمدى أبو جليل، الذى رحل عن عالمنا اليوم عن عمر ناهز الـ 56 عامًا، وكان رحيله مفاجئا، إذ توفى بعد ليلة الاحتفاء والتكريم به.
الشاعر إبراهيم عبد الفتاح، قال خلال تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": إن الموت حق ولكنها صدمة كبيرة، وحمدي ليس مشروعا روائيا فقط، بل مثقف كبير، ويعد من حراس الهوية، ونفتقد برحيله متمرد كبير على أشياء كثيرة فى الحقل الثقافي والاجتماعى، هذا الجيل رحيله مبكر جدا لأسباب مختلفة، ولكن فى النهاية الموت يحدث فى لحظة، وعلينا أن نكون راضيين عن بعضنا البعض، كانت الرواية بديعة ومتدفقة يا حمدي لولا هذا الفصل الأخير، لروحك المتمرد.. الرحمة والمحبة والسلام.
وقال الكاتب اليمنى على المقرى، فى تدوينة عبر حسابه على منصة "فيس بوك" تعليقا على صورة نشرها مع حمدى أبو جليل خلال تواجدها فى دولة الكويت: خبر مفجع رحيل الروائي المصري حمدي أبو جليل، لقد كان كثير الاحتفال بالحياة، سنفتقدك يا صديقى.
وقال الكاتب المصرى أحمد مجدى همام، عبر حسابه على منصة "فيس بوك": حمدي أبو جليل هو اللي قدمني لدار ميريت ودعم نشر روايتي "أوجاع ابن آوى" وهو الذي رشحني للعمل في قسم الثقافة فى "الحياة اللندنية" وكان يتصل بي بعد كل كتاب جديد لي يناقشني ويدعمني.. حمدي أبو جليل أخي وصديقي وأستاذي رحيلك محزن وكسر قلوبنا.. ولن أنسى طيلة عمرى خيرك يا عم حمدي.. ألف رحمة ونور على روحك أيها البدوي النبيل.
وقال الشاعر والكاتب الصحفى سيد محمود: لولا أني رأيت نعي حمدي أبو جليل من ابنته هالة ما كنت لأصدق أبدا نبأ رحيله، كنت أحسب أنه سيظل كما عرفته صاخبا ونقيا، أحببت حمدي منذ أن تعرفت عليه ونحن في الجامعة، جاء إلينا مع أشرف عبد الشافي ومنذ 30 عاما ظل قريبا من القلب.. ورغم خشونته البادية، إلا أنه كان طيبا هشا وصاحب موهبة فذة في كتابة تشبهه تماما، لصيقة بالذات وتعبر أيضا عن الجماعة، كانت خفة دمه العنوان إلى قلبه النابض بالحياة، أتيحت لنا الكثير من الأوقات الرايقة في صحبة إبراهيم أصلان راعينا الأكبر وكتبت عن كل أعماله الجميلة، وقدمت أحدث طبعاتها العام الماضي، وبقينا على مودة طوال عمر كامل، لم أعرف في حياتي من هو أكثر قدرة على السخرية من ذاته مثلما كان حمدي الغاضب كموجة والرقيق كوردة، فهمت اليوم فقط لماذا كانت كل صورك الأخيرة في ظلال الشجر وأحاديثك كلها عن الموسيقى.. الوداع يا صديقي انها كما وصفتها "الأيام العظيمة البلهاء".. ستفتقدك الحياة التي أحببتها كما ينبغي لعاشق والعزاء لنا في موهبة كبيرة وروح مرحة لم تهدأ أبدا.
وقالت الكاتب عزة سلطان، عبر حسابها على منصة التغريدات "تويتر": بعض الناس لا يخطر ببالك أنهم سيرحلون، ترى دبيب الحياة فى كل تفاصيلهم.. لم أرك يومًا يا حمدى من هؤلاء الذين يغادروننا، فكيف أصحو على نبأ رحيلك.. خبر حزين وموجع.. خالص العزاء لكل من يعرفك ولعائلتك وأصدقاءك.
من كلمته في جائزة نجيب محفوظ:
فاز حمدى أبو جليل بجائزة نجيب محفوظ في سنة 2008 عن روايته الفاعل، وكان مما قاله في الجائزة:
شكرا للجائزة واللجنة والجامعة، يا لها من مفاجأة ويا له من فرح.. شكرا لتفهم الانحراف عن الاستاذ في جائزة الاستاذ، لا ليس الانحراف وانما العجز.. شكرا لتشجيع العجز، نعم العجز وليس التجاوز، التجاوز يعني القوة، يعني القدرة الجبارة على استيعاب قيمة جمالية وفكرية ثم تجاوزها ببساطة، وتطور الكتابة ـ كما أفهمه ـ يعود في جانب منه الى الضعف، العجز عن الوفاء لشروط النماذج السابقة، أقصد طبعا النماذج العظيمة السابقة. دون كيخوته ـ الاخوة كرامازوف ـ البحث عن الزمن المفقود ـ الغريب ـ الحرافيش ـ رباعيات الاسكندرية ـ نصف حياة ـ كتاب الضحك والنسيان ـ تاريخ حصار لشبونة، الى آخره عبر تاريخ الكتابة هناك أعمال حالفت الخلود، أعمال تجاوزت الزمن، ولم تؤثر في حضورها المتجدد المتغيرات الثقافية والحضارية، بل أن مرور الزمن يضاعف حضورها وقيمتها، ويكشف كوامن تفردها مثل الجواهر بالضبط. تلك الأعمال تدفع الكتابة دائما للتطور وارتياد آفاق جديدة ليس من خلال تجاوزها، ولكن من التسليم باستحالة تجاوزها، فالعجز عن الوفاء لشروطها القاسية، شروطها الجبارة، يؤدي إلى البحث عن مناطق جديدة، دائما أتخيل مسار الكتابة على هيئة مجرى مائي به ربوات عالية، راسخة، وعجز الماء عن المرور فوقها أو تجاوزها يدفعه الى مسارات جديدة تماما بل أحيانا مناقضة لمجراه القديم. العجز دافع لتطور الكتابة، لاندفاعها في مسارات جديدة، هناك دوافع أخرى بالطبع كاختلاف ظروف الحياة والوعي بها، ولكن العجز ربما لقسوته يحتل مكانة الدفاع الأوجه، العجز عن الوفاء لنموذج سابق يدفع لإنجاز خطوة ما، ترتاد منطقة جديدة وتؤكد العجز في نفس الوقت، خطوة تجمع بين الفرح بجدتها ومغايرتها والحسرة من وضوح عجزها. ربما يتضح ذلك أكثر في المادة، الحاجة أم الاختراع، الحاجة ضعف، الحاجة عجز عن الصبر أو التلاؤم مع أوضاع تعايشت معها الأجيال السابقة دون ألم، من اخترع المروحة مثلا هو ذلك الشخص الذي عجز عن مواصلة التعايش مع الحر مثل كافة الأجيال التي تعاقبت قبله، ومن فكر في اختراع سيارة أو طائرة هو بالتأكيد ذلك الشخص الكسول الذي تخاذل عن المشي أو السفر على ظهور الماشية مثل الجبابرة السابقين، ومن فكر في البندقية هو ذلك الجبان الذي ارتعب من مبارزة الفرسان. هذا لا يعني مطلقا التقليل من شأن إضافات الكتابات الجديدة، بل هو إشادة بها، البندقية بالطبع أكثر فتكا من السيف، وبدون جهود ذلك الشخص الذي عجز عن مواجهة الحر لظلت الإنسانية تصطلي بناره للأبد، وبدون الروائي الذي عجز عن الوفاء لشروط النماذج السابقة لتوقفت الكتابة الروائية عند سرفانتس ورابيليه. ربما التصالح مع العجز هو الذي يجعلني أنظر بنوع من الحسد والحسرة إلى أولئك الكتاب الذين يخططون لإنتاج كتابة متجاوزة ويطمحون لارتياد مناطق جديدة، هؤلاء أقوياء حقا على الأقل بالنسبة لي، فمشكلتي التي ربما تدفعني للتوقف نهائيا عن الكتابة هي قصور قاموسي اللغوي عن التعبير عن فكرة أو حدث أو مشهد ما، لا داعي للتواضع، فاللغة بشكل عام قاصرة عن التعبير أو نقل الأشياء والأفكار بالشكل الأمثل والدقيق، كلمة شجرة مثلا هل تكفي لنقل حضور الشجرة التي أراها أمامي الآن، أم أنه لابد أن آخذك من يدك وأضعك أمامها مباشرة، وهل في هذه الحالة ستظل شجرتي أما أنها ستصبح شجرتك، دائما هناك فكرة أو مشهد أو شجرة، ودائما لا توجد اللغة الجديرة بتجسيدها.