أعلن متحف الآثار التابع لقطاع التواصل الثقافي بـ مكتبة الإسكندرية، مؤخرًا عن عرض جزء من بردية كتاب "إِمي-دِوُات"، أو كتاب "ما هو موجود في العالم السفلي" الشهير، وذلك في ضوء التعاون الوثيق والمشترك بين مكتبة الإسكندرية والمجلس الأعلى للآثار بوزارة السياحة والآثار والمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، فما هى حكاية تلك البردية؟.
"إمي-دوات"، أو ما هو موجود في العالم الآخر أو كتاب الغرفة الخفية، هو اسم مستخدم لشكل معين من كتب المصريين القدماء عن العالم الآخر.
إن المحور الرئيسي لـكتاب "إمي-دوات" فكرة تجدد إله الشمس، والذي يتم في اثني عشر قسمًا، إذ يمثل كل قسم ساعة من الساعات التي تمتد من غروب الشمس إلى شروقها، وذلك في رحلته عبر العالم السفلي، ويختبر إله الشمس عملية معقدة من التحول الجسدي والإدراكي، ليواجه عديدًا من العقبات والمخلوقات الشيطانية التي تحاول إيقاف قارب الشمس في أثناء رحلته، حسب ما ذكر الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية.
ويعد "إمي-دوات" أوضح كتاب في وصف رحلة إله الشمس في خلال الاثني عشر ساعة الليلية من بين جميع كتب المصريين القدماء عن العالم الآخر. والجزء المعروض هنا الساعات التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة على وجه التحديد.
الساعة التاسعة: الطاقم المرافق
يصور إله الشمس ومساعديه وهم يستريحون في سلام الساعة التاسعة، ويصور طاقم قارب الشمس ممسكي مجاديفهم، كما تظهر الآلهة المرافقة لإله الشمس لمساعدته على التقدم بأمان نحو لحظة الولادة التي طال انتظارها في الصباح.
وتظهر اثنتا عشرة إلهة على هيئة ثعبان في الجزء السفلي، يعشن على دماء أعداء إله الشمس الذين تقطع رؤوسهم يومًا بعد يوم؛ في حين في الأقسام العلوية والسفلية تجلس الآلهة على الملابس الجديدة التي تلقتها من الإله "رع".
الساعة العاشرة: توفير الحماية لإله الشمس
تبدأ أحداث الساعة العاشرة بظهور الجعران «الخنفساء الحية» في الجزء العلوي، وتحمل شكلًا بيضاويًّا منقوطًا يُعبر عن التجدد، وصورة "دوات" (العالم الآخر) وعملية تجدد طاقة الشمس ككل. تقوم ثمان آلهة وقرد يجلس في مواجهتهن بشفاء عين «حورس»؛ وهي صور من الإلهة «سخمت» التي تظهر برأس أنثى الأسد، ويمثل الجزء السابق فكرة شفاء عين إله الشمس، إذ تظهر عين إله الشمس اليسرى فوق ثعبان مزدوج، في إشارة لأسطورة قيام الإله «حورس» ببعث الإله "أوزيريس".
يظهر في الجزء الأوسط قارب الشمس ومساعدو الإله «رع»، في مشهدين؛ يصور الأول صقرًا يقف على ثعبان برأسين وأربعة أرجل، ويصور الآخر ثعبانًا برأس صقر فوق قارب، ويبدو أن الصقر والثعبان ذو رأس الصقر يمثلان روح الإله "أوزيريس–سوكر"، وينتهي الجزء الأوسط باثنتي عشرة شخصية يمثلون حراس الإله "رع"، وينقسم الحراس إلى ثلاث مجموعات مكونة من أربع آلهة مزودة –على التوالي– بالسهام والرماح والأقواس.
ويسيطر على الجزء الأدنى من الساعة العاشرة المياه الأزلية "نون"، ويظهر فيها "الغرقى في العالم السفلي"، وتنتهي الساعة العاشرة بملاحظة تبعث على الأمل، إذ تظهر أربعة آلهة بثعابين على جباههن ويقمن بنشر النور والإلهام لإله الشمس "رع" والمرافقين له.
الساعة الحادية عشرة: تجديد الوقت
يظهر في الجزء العلوي إله يُدعى "سَيد جت (الوقت)"، والذي يترأس هذه الساعة من الليل، ويظهر برأسين بينهما قرص الشمس، ويحمل في يديه علامات هيروغليفية تدل على الحياة والسيطرة.
طبقًا لما جاء في البردية، كان للزمن الأبدي في مصر القديمة صفتان، هما: "نحح" و"جت أما "نحح" فيصف التحول الأبدي والمستمر للعمل الكوني، فضلاً عن عملية الموت المستمرة والإحياء الطبيعي. وأما "جت" (الوقت) فهو موضوع الساعة الحادية عشرة من رحلة الشمس، ويشير إلى المدة أو السلسلة الزمنية المستمرة التي تبقى وتستمر.
وموضوع المنظر الأوسط لهذه الساعة التجديد الحتمي والمتواصل للوقت. فنرى ثعبانًا ضخمًا ملتفًا فوق رؤوس ما لا يقل عن اثني عشر إلهًا يجسدون الصفة الإلهية للوقت. ينتظر "أوزيريس" الإله "رع" المـُتعَب بعد رحلته النهارية، وفي المساء يعود "رع" من جديد إلى «أوزيريس» كرجل كهل يحتاج إلى تجديد شبابه. ويمكن وصف اتحاد «رع» مع «أوزيريس» والتجدد الكوني الناتج عنه، على أنه تجدد واستمرارية لا نهائية يجسدها "أوزيريس"، أما الانقطاع فيجسده "رع"، ويصور الجزء السفلي أعداء إله الشمس؛ ليساقوا إلى مصيرهم الذي لا مفر منه، إذ يلقون في ست حفر من اللهب.
الساعة الثانية عشرة: آخر ساعة من الظلام
يبشر اسم هذه الساعة بنهاية الرحلة الليلية، وهو: "كهف نهاية الظلام الأزلي"، وتمتزج في هذه الساعة ثلاث صور مختلفة للخلق.
الصورة الأولى هي الجعران «خبري» ، الذي ينبثق تلقائيًّا من ظلام العالم السفلي، ومثل شمس الصباح يبدأ حقبة جديدة. ويظهر «خبري» في نهاية الساعة الثانية عشرة، ويرحب به الإله «شو» بأذرع مفتوحة، من أجل رَفعُه فوق الأفق متمثلاً في شمس صباح يوم جديد. وتصور الصورة الثانية اثنين من الأزواج الأربعة من آلهة بداية الخلق، وهم: «نون» و«نونيت» ويمثلان المياه الأزلية، و«حيح» و«حيحت» ويمثلان الفضاء الخالد واللا نهائية.
وأما الصورة الثالثة فهي إلهة السماء «نوت»، وتضع قرص الشمس بين ساقيها. وتصوَّر الآلهة في الأقسام العلوية والسفلية مبتهجين، يرفعون أذرعهم تعبدًا؛ إما لإله الشمس وولادته الجديدة في الصباح، أو «لأوزيريس» الذي سيحمي أجساد (مومياوات) جميع المتوفين في أثناء رحلة «رع» اليومية عبر السماء.