مكة المكرمة ليست كغيرها من المدن، فالله - جل وعلا - ميزها بجبالها ووديانها وشعابها ورمالها، وكل ذرة فيها، لها علاقة بسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومن تلك المواقع (جبل حراء) الذي يقع في الشمال الشرقي للمسجد الحرام، وفيه غار حراء، وهو المكان الذي كان يخلو به سيد المرسلين محمد بن عبدالله، ليتعبد الله تعالى قبل البعثة، حيث نزل به الوحي.
ويقع الجبل على ارتفاع يقارب 634 مترا، ويبعد عن المسجد الحرام 4 كيلو مترات، ويطل من خلاله على العاصمة المقدسة ومنازلها وهو شاهد على التاريخٍ الإسلامي العظيم وله مكانة عظيمة.
ويتميز جبل حراء عن بقية جبال منطقة مكة المكرمة بأنه المكان الذي تعبد فيه الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قبل البعثة، حينما رفض ما تمارسه قريش من عبادة الأوثان والحجارة، وكانت نفسه الأبية ترفض هذه السلوكيات، وقبل البعثة بمدة يسيرة كان عليه الصلاة والسلام يذهب لهذا الجبل ليتعبد وينظر حوله ليرى ملكوت السماوات والأرض، يرى السماء وما فيها من الآيات والمعجزات، التي تدل على الخالق سبحانه وتعالى مدبر هذا الكون.
كما يمتاز الجبل بشكله وصورته الفريدة التي لا تضاهيها أي جبال في المنطقة، حيث تشبه قمته سنام الجمل، كما يحوي بين تضاريسه غار حراء مكان خلوة المصطفى عليه السلام بربه، ومكان نزول الوحي، ويتسع الغار لخمسة أشخاص جلوسا وارتفاعه قامة متوسطة.
ويعرف جبل حراء بأسماء عديدة منها: جبل النور، جبل القرآن، وجبل الإسلام، ولكنه يعرف حاليا بجبل النور لظهور أنوار النبوة فيه، ويعد انحدار الجبل شديدا من ارتفاع 380 مترا حتى يصل إلى ارتفاع 500 متر، ثم يستمر بانحدار قائم الزاوية تقريبا إلى قمة الجبل في شكل جرف، وتبلغ مساحته 55 كيلومترا مربعا.
ويدخل الشخص إلى الغار متجها للكعبة المشرفة من فتحة بابها نحو الشمال بطول أربعة أذرع وعرض ذراع وثلاثة أرباع، وهو لا يتسع لأكثر من خمسة أشخاص.
ومن ضمن معالم مكة المكرمة، مسجد (عائشة بنت أبي بكر الصديق) - رضي الله عنهما - الذي له مكانة عظيمة عند المسلمين، ويتميز عن مساجد مكة المكرمة التاريخية، إذ يستقبل المعتمرين طيلة العام وعلى مدار الساعة، ويشهد كثافة عالية في موسمي الحج والعمرة.
وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بالخروج له للإحرام بالعمرة في حجة الوداع، لذلك سمي المسجد باسمها، ويسمى كذلك بمسجد (التنعيم) أو مسجد العمرة، وهو أحد المعالم الإسلامية المعروفة، فعنده يحرم الحجاج والمعتمرون من أهل مكة المكرمة سواء من ساكنيها أو المقيمين؛ إذ يقع في الجهة الشمالية الغربية من مكة على بعد 7.5 كم عن المسجد الحرام شمالا على طريق مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهو أقرب موضع لحد الحرم.
ويقع المسجد في الشمال الغربي لمكة المكرمة، في الحل بعد نهاية حد الحرم على طريق المدينة المنورة، في حي التنعيم الذي سمي باسمه، وهو حي يقع بين جبلي ناعم ونعيم وقيل إنه اقتبس اسمه من اسميهما.
وتعود تسمية المسجد بالعمرة لأن كثيرا من أهل مكة ومن نزل بها من قاصديها يحرمون بالعمرة منه، وتكمن أهمية المسجد التاريخية في أنه بني في الموضع الذي أحرمت منه عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - في حجة الوداع.
ويتميز المسجد بالأبواب والنوافذ المرتفعة، التي شيدت على أحدث طراز معماري، روعي فيه الأصالة والتاريخ ليمازج بين المعمار الإسلامي الحديث والزخارف الأثرية القديمة، إذ يعد من المواقع المهمة في تاريخ الإسلام، ويقع المسجد على مساحة 84 ألف متر مربع، تشمل المرافق التابعة له، أما مساحة المسجد فهي 6 آلاف متر مربع، ويستوعب نحو 15 ألف مصل.
ومن أشهر معالم البلد الحرام، (بئرُ زمزم) ومياهُه التي انبجست بجناح مَلَكٍ تحت أقدام نبي، ففي هذا المكان الذي توجد فيه البئر تُركت امرأةٌ ورضيُعها في وادٍ غير ذي زرع، لا ماء ولا بشر، ولا حتى شجر، وادٍ مقفرٌ لا حياة فيه، ترك خليل الله إبراهيم - عليه السلام - زوجته هاجر- عليها السلام، وابنهما الرضيع إسماعيل - عليه السلام، في ذلك الوادي على منطقة مرتفعة، وهي مكان الكعبة اليوم، مع زادٍ وماء، ثم عاد من حيث أتى.
وجرت خلفه زوجته هاجر- عليها السلام، تقول: يَا إِبْراهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهَذا الْوادِي الَّذِي ليْسَ فِيهِ أَنيسٌ ولاَ شَيءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلكَ مِرارًا، وَجَعَلَ لاَ يلْتَفِتُ إِلَيْهَا، قَالَتْ لَه: آللَّهُ أَمركَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا، ثُمَّ رجعتْ.
وفي تلك الأثناء، وصل إبراهيم- عليه السلام- إلى ثنية كداء، ثم استقبل بوجهه البيت داعياً المولى- عز وجل: (رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
هذه الأحداث هي بداية أهم بئر على وجه الأرض، بئر زمزم، فكما يقول المؤرخون: إن بعد نفاد الزاد خشيت هاجر- عليها السلام، على رضيعها فذهبت تجري باحثة عمن يزودها بالطعام والشراب، وكانت أقرب الجبال لها الصفا والمروة، صعدت عليها ورأت عن بعد سراباً فأضحت تلاحقه ذهاباً وإيابا بين الصفا والمروة، وفي المرة السابعة، رأت الطيور تحوم حول ابنها فأسرعت إليه فإذا الماء يفور من تحت قدم رضيعها.
وورد في حديث ابن عباس عند البخاري: أن الله أمر جبريل- عليه السلام- أن يفجر الأرض تحت قدمي الرضيع، فخبط بجناحه الأرض فتفجرت من تحت إسماعيل- عليه السلام، ليخرج النبع وعندما ظهر النبع، قامت هاجر مخافة أن ينفد الماء بتطويقه بالرمل والحجارة. يقول النَّبيُّ ﷺ: رحِم اللَّه أُمَّ إِسماعِيل لَوْ تَركْت زَمزَم أَوْ قَالَ: لوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عيْنًا معِينًا".
وتحولت المنطقة فيما بعد حول النبع إلى بئر وأصبح مكان استراحة للقوافل، ويصبح في النهاية مدينة مكة ومسقط رأس النبي - محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون اقتداء المسلمين في سعيهم بين الصفا والمروة سبعة أشواط بـ "هاجر" في بحثها عن الماء.
وماء زمزم له فضل عظيم، قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- (إنها مباركة وإنها طعام طعم، وشفاء سقم)، فهي بئر مباركة وماؤها مبارك، كما أن ماء زمزم يعد من أسباب الشفاء من الأمراض والأسقام ففي الحديث (ماء زمزم لما شُرب له)، والدعاء يستجاب عند شربه كأن يقال (اللهم إني اسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة