خمسة عشر عامًا مرت على إنشاء "الاتحاد من أجل المتوسط"، الذي ساهمت مصر مع فرنسا في تأسيسه؛ ليضم 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي و15 دولة من الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، بغية تطوير وتعزيز التعاون المشترك والحوار البناء بين دول ضفتي المتوسط شمالًا وجنوبًا حيال العديد من القضايا ذات الأولوية المتقدمة لدول المنطقة.
وعملت مصر، طوال تلك السنوات، على تحقيق الأهداف التي أطلق من أجلها الاتحاد، وعلى رأسها تعزيز الشراكة الأورومتوسطية التي أُقيمت عام 1995، وعُرفت باسم "عملية برشلونة"، وسعت القاهرة لبناء شراكة سياسية واقتصادية وثقافية حقيقية مع الـ43 دولة عضوٍ بالاتحاد من أجل المتوسط، لاسيما في ضوء العلاقات الحضارية الطيبة التي جمعت بينهم على أساس التعاون والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
سفراء مصر لدى عدد من دول الاتحاد من أجل المتوسط، أكدوا - في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم السبت؛ بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لتأسيس الاتحاد - على أن جميع البلدان شمالًا وجنوبًا تعتبر مصر دولة صديقة، ويتمسكون بالشراكة والتعاون والتقارب معها؛ باعتبارها قوة إقليمية عظمى في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وبفضل سياستها ودبلوماسيتها الحكيمة الداعمة دائمًا لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، والتنمية لشعوب منطقتها.
يقول السفير علاء يوسف، سفير مصر بفرنسا ومندوبها الدائم لدى منظمة "اليونسكو" - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن مصر تتمتع بمكانة متميزة وتقدير كبير من جانب الدول الأوروبية في شمال المتوسط وبين دول جنوب المتوسط، مذكرًا بأنه عقب تولي مصر الرئاسة المشتركة للاتحاد من أجل المتوسط مع فرنسا عام 2008، اضطلعت القاهرة بدور ريادي ومحوري في تسيير أعمال الاتحاد والقيادة المشتركة له، كما تولت أعمال التنسيق بين الدول العربية في جنوب المتوسط والتحدث باسمها في الاجتماعات، واستمرت في تولي هذا الدور المهم داخل الاتحاد من أجل المتوسط لفترة طويلة.
وأكد أن بلدان المتوسط تثق في مصر وفي رؤيتها ومواقفها، وتنظر إليها نظرة احترام وتقدير، مضيفًا أن تلك الدول تعلم جيدًا الثقل الذي تتمتع به مصر في إقليمها وأن سياساتها وبرامجها وخططها مبنية دائمًا على تعزيز الاستقرار وإرساء مباديء السلام والقانون الدولي، والعمل على تسوية النزاعات بشكل سلمي.
وألقى السفير علاء يوسف - الذي شارك مع الوفد الدبلوماسي المصري في كافة مراحل تدشين الاتحاد منذ "قمة باريس من أجل المتوسط" في يوليو 2008 - الضوء على دور مصر المهم في ميلاد المنظمة الأورومتوسطية، وحضورها - إبان فترة ترأسها أول رئاسة مشتركة للاتحاد مع فرنسا - جميع الاجتماعات من أجل تنسيق الملفات المختلفة وبحث وتناول كافة الموضوعات ذات الصلة، فضلًا عن الاجتماع الوزراي في نوفمبر 2008 بمدينة مارسيليا للإعلان عن إنشاء الأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط ومقرها برشلونة.
وتابع أن مصر حرصت على التواجد بقوة والمشاركة في كافة أنشطة وفعاليات المنظمة ودعم الجهود والمشروعات التي تهدف إلى خدمة شعوب المنطقة، موضحًا في هذا الصدد أن الاتحاد من أجل المتوسط يعمل على تنفيذ مشروعات محددة من شأنها أن تحدث أثرًا طيبًا وعائدًا ملموسًا لدى المجتمعات بمنطقة المتوسط في ستة مجالات رئيسية: تنمية الأعمال، التعليم العالي والبحث العلمي، الموضوعات الاجتماعية، الطاقة والمناخ، النقل والتنمية الحضرية، المياه والبيئة، مضيفًا أن جميعها مجالات تمثل أهمية كبيرة لمصر.
السفير علاء يوسف، الذي تم انتدابه من قبل وزارة الخارجية المصرية من العام 2010 وحتى 2014؛ لتولي منصب المستشار السياسي للأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، وكان يتابع في هذا التوقيت تنفيذ أكثر من 30 مشروعًا، لفت إلى الاهتمام الكبير باستفادة مصر من تلك المشروعات بما يتناسب مع أولوياتها واحتياجاتها التنموية وتطلعاتها.
وشدد أول دبلوماسي مصري عمل داخل مقر السكرتارية العامة للاتحاد من أجل المتوسط بقصر "بيدرالبيس" ببرشلونة، على أن دول الاتحاد تهتم بتنسيق المواقف مع مصر وتبادل وجهات النظر معها، وتعتبرها نقطة مضيئة بالمتوسط ومثالًا يحتذى به في مسيرة تحقيق التنمية المستدامة وتطلعات الشعوب، واحترامها لمباديء حسن الجوار والاتفاقيات الدولية.
ومن بروكسل، حيث مقر الاتحاد الأوروبي الذي يترأس بالشراكة مع الأردن الرئاسة الحالية للاتحاد من أجل المتوسط، يؤكد السفير الدكتور بدر عبد العاطي، سفير مصر بمملكة بلجيكا، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي، والسفير غير المقيم لدى دوقية لوكسمبورج الكبرى - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن دول أوروبا تعتبر مصر ركيزة التعاون الأورومتوسطي ما بين شمال وجنوب المتوسط لعدة اعتبارات جغرافية وتاريخية، من بينها موقع مصر الفريد في قلب العالم والذي جعلها حلقة الوصل بين الضفتين ونقطة تلاقي قارات العالم إفريقيا وآسيا وأوروبا.
ونوه بالعلاقات التاريخية والثقافية الوثيقة بين مصر وبلدان المتوسط، وذلك في إشارة لدور مكتبة الإسكندرية كمنارة لنقل الثقافة ما بين الشمال والجنوب، مضيفًا أنه وفي هذا الإطار تقرر أن يكون مقر "مؤسسة اناليند للحوار بين الثقافات" في الإسكندرية تلك المدينة العريقة رمز الإشعاع الثقافي والحضاري وجسر التواصل ما بين الجانبين.
وقال سفير مصر ببروكسل إن العلاقات بين دول الشمال والجنوب شهدت خلال السنوات الأخيرة كثافة في التفاعلات والاتصالات لاسيما في ظل اقتناع دول الشمال بأن أمن أوروبا والبحر المتوسط مرتبط بشكل وثيق باستقرار جنوب منطقة المتوسط خاصة بعد بروز تهديدات مثل الهجرة غير الشرعية والإرهاب، ولذلك حرص الاتحاد الأوروبي على توثيق العلاقات وعقد اتفاقيات شراكة مع دول الجنوب العربي منذ بداية الألفية الثانية.
وأبرز السفير بدر عبد العاطي، حرص مصر على ألا ينظر الشمال للجنوب على أنه مصدر للتهديدات بسبب الهجرة غير الشرعية والإرهاب بل كمنطقة تزخر بالفرص الاستثمارية وبكل أنواع الطاقة: الأحفورية والجديدة والمتجددة والنظيفة والخضراء، موضحًا أن علاقة مصر مع دول الشمال تحولت من مانح ومتلقي لتصبح علاقة ما بين شركاء متساويين في الحقوق والواجبات.
وتابع أن دول الشمال ترى مصر كمصدر مهم وآمن لإمدادات الطاقة لأوروبا التي تستعد لتنويع مصادر الطاقة منذ الأزمة الأوكرانية بكافة أنواعها سواء الأحفورية وخاصة الغاز أو الطاقة الجديدة والمتجددة التي يتم توليدها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلًا عن الطاقة النظيفة ممثلة في الهيدروجين الأخضر.
وأردف أن الاتحاد الأوروبي يقدر ما لدى مصر من إمكانيات كبيرة في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع والتصدير إلى أوروبا في ظل قربها الشديد من سلاسل التوريد، مذكرًا بأن هذا ما شاهدناه العام الماضي مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، حيث زادت صادرت مصر من الغاز المسال بنحو 176% بفضل الاكتشافات الكبيرة بشرق المتوسط، فضلًا عن امتلاك مصر لأكبر محطتين إسالة في دمياط وإدكو، وتمتعها كذلك بفائض كبير من الطاقة المتجددة التي يتم توليدها من الطاقة الشمسية والرياح.
وكشف في هذا الصدد عن اتفاق يجري حاليًا حول مشروعين لتصدير الفائض الكبير من الكهرباء، بفضل استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية، من مصر لأوروبا، عبر كابلات بحرية تحت سطح البحر المتوسط.
وأشار إلى حاجة أوروبا لاستيراد نحو 10 ملايين طن من الهيدروجين والأمونيا الخضراء في ظل التوجه الأوروبي نحو الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، ما يعني أن دول جنوب المتوسط ستكون مركزًا محوريًا لإنتاج هذا الكم المطلوب من الهيدروجين الأخضر، منوهًا بنجاح مصر خلال قمة المناخ (COP27) بشرم الشيخ، في إبرام الكثير من التعاقدات مع شركات أوروبية كبرى مثل "سكاتك إيه إس إيه" النرويجية؛ لتنفيذ مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية من الرياح، وكذا مجموعة الشحن الدنمركية "إي بي موللر ميرسك العالمية " للشحن البحري، وغيرها لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره لأوروبا.
وأكد السفير المصري ببروكسل أن أوروبا لا تعتبر مصر فقط الشريك الاستراتيجي القوي بالمنطقة بل تعول على دورها الفعال في حفظ وبناء السلام بالإقليم وتثمن مكانتها المرموقة عربيًا وإفريقيًا، قائلًا: "ولعل اختيار السفير ناصر كامل لمنصب أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط ولفترتين متتاليتين هو خير دليل على المكانة المميزة التي تحظى بها مصر وسط دول الاتحاد الاوروبي شمالًا ودول الشرق الأوسط جنوبًا من موريتانيا للمشرق العربي".
وشدد السفير بدر عبد العاطي، على الدور المهم الذي يضطلع به الاتحاد من أجل المتوسط منذ إنشائه في تشجيع الشراكة والتقارب بين ضفتي المتوسط، معتبرًا الاجتماع الذي يعقد في شهر نوفمبر من كل عام ببرشلونة بين وزراء خارجية دول المتوسط فرصة كبيرة لتبادل وجهات النظر وبحث سياسة الجوار والأزمات والتحديات بل والأولويات والتطلعات.
كما أشار إلى التعاون القائم بين ضفتي المتوسط في مجالات مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب، بجانب الرئاسة المشتركة لمصر والاتحاد الأوروبي للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، فضلًا عن الحاجة لتعظيم التعاون بينهما في مجالات الاستثمار في ظل الفرص الكبيرة القائمة في دول جنوب المتوسط وعلى رأسها مصر.
السفير يوسف مكاوي، سفير مصر لدى مملكة أسبانيا، حيث مقر الاتحاد من أجل المتوسط، يؤكد - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن مصر تلعب دورًا مهمًا في دعم آليات التعاون متعدد الأطراف في إطار حوض البحر المتوسط، وذلك إنطلاقًا من دورها الريادي في محيطها الإقليمي بمختلف دوائره العربية والإفريقية والإسلامية والمتوسطية.
وأضاف أن التحركات المصرية في منطقة المتوسط، تحرص على تحقيق المصالح القومية ومراعاة شواغل الشركاء في المنطقة بهدف الوصول إلى قاعدة مشتركة لتوطيد التعاون وتحقيق التنمية، وذلك من خلال دورها الرائد في تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، وإبرام اتفاقيات ترسيم حدودها البحرية مع عدد من دول المتوسط، ومواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية إلى الدول الأوروبية، وتعزيز التعاون الأمني وجهود مكافحة الإرهاب.
وفيما يتعلق بالتواجد المصري داخل الاتحاد من أجل المتوسط، قال السفير يوسف مكاوي إن مصر تتعاون مع الاتحاد لتنفيذ أكثر من 20 مشروعًا في مجالات مواجهة ظاهرة التغير المناخي، والتعليم العالي والبحث العلمي، والنقل والتنمية الحضرية، والتوظيف وتطوير الأعمال، وذلك بالتركيز على فئات الشباب والنساء ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتطوير العمراني.
ولفت إلى أن مصر تدعم آليات العمل داخل سكرتارية الاتحاد بعدد من الكوادر المصرية ذات الكفاءة وفي مقدمتهم السفير ناصر كامل أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط، كما تقوم مصر بدور منسق المجموعة العربية خلال اجتماعات المنظمة، وتشارك بانتظام في فعاليات المنتدى الإقليمي السنوي للاتحاد على مستوى وزير الخارجية.
وأكمل أن جهود مصر الجادة للالتزام بدورها الفعال في منطقة المتوسط تستمر من خلال استضافة الفعاليات الوزارية المختلفة للاتحاد من أجل المتوسط في عدة مجالات مثل المياه والطاقة والمرأة والتنمية الحضارية، وذلك في إطار تنفيذ رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي من خلال توظيف الأدوات المتاحة وخاصة تعزيز العلاقات مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
وشدد السفير يوسف مكاوي، على أن العلاقات المصرية مع إسبانيا تعد نموذجًا إيجابيًا للغاية للتعاون بين مصر ودول شمال المتوسط، حيث تتميز العلاقات بمستوى رفيع من التعاون المشترك على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، كما تتسم العلاقات السياسية بالتنسيق المشترك وتوافق الرؤى حيال العديد من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية في الأطر متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والتكتلات الإقليمية الأخرى وخاصة الاتحاد من أجل المتوسط.
ونوه بالتطور الإيجابي الملحوظ الذي شهدته العلاقات المصرية الأسبانية خلال السنوات الماضية عقب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى مدريد في عام 2015، والتي مثلت نقلة نوعية في مستوى الزيارات المتبادلة بين البلدين، وكذلك زيارة رئيس الحكومة الأسبانية بيدرو سانشيز إلى القاهرة في ديسمبر 2021، وزيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى مدريد في أبريل 2022؛ لإجراء مشاورات سياسية مع الجانب الأسباني، بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة العديدة والمستمرة بين وزراء البلدين في مجالات النقل والتجارة والصناعة والسياحة والاتصالات.
ومن جنوب المتوسط، يتحدث السفير ياسر عثمان، سفير مصر لدى المملكة المغربية - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - عن ثقل مصر الإقليمي ومكانتها كقوة محورية بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ويؤكد أن مصر ركيزة السلام والاستقرار في المنطقة.
وقال إن لمصر دورًا مركزيًا في المتوسط ينطلق من عوامل تاريخية وجغرافية وتواصل سكاني فضلًا عن شبكة من المصالح المشتركة مع مختلف البلدان الأورومتوسطية، موضحًا أن مصر تعمل على دعم السلام والاستقرار في المنطقة والتركيز على تحقيق التنمية، بالإضافة إلى التأكيد على مفاهيم الحوار والتواصل والتعاون المشترك.
وشدد السفير ياسر عثمان، على أن السياسة الخارجية المصرية المتميزة وما نسجته من علاقات ثنائية ممتازة بين مصر وكافة دول المنطقة تشكل رافعة رئيسية لتحقيق تلك الأهداف، كما أنها رسخت من مكانة مصر في إقليمها.
وأضاف أن مصر تربطها دائمًا علاقات متنوعة وعميقة مع دول جنوب المتوسط، ومستمرة في تطوير شراكتها شمالًا وجنوبًا وإيجاد مجالات جديدة للتعاون تعود بالنفع على شعوب المنطقة وتسهم في مواجهة التحديات ودعم الجهود التنموية.
وسلط السفير المصري بالمغرب، الضوء على الدور المهم الذي يلعبه الاتحاد من أجل المتوسط، في إطار المشاريع والتعاون القائمة وفقًا لأولويات دول المنطقة، مشيرًا إلى أن هناك دائمًا تطلعًا لزيادة التعاون فيما بين دول شمال وجنوب المتوسط لاسيما في ضوء العلاقة التاريخية التي تجمع بينهما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة