مثقفون ونقاد فى مناقشة "زغرودة تليق بجنازة": عودة البهاء لفن القصة

الثلاثاء، 11 يوليو 2023 05:09 م
مثقفون ونقاد فى مناقشة "زغرودة تليق بجنازة": عودة البهاء لفن القصة جانب من الندوة
كتب عبد الرحمن حبيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نظمت ورشة الزيتون، أمس" ندوة لمناقشة المجموعة القصصية "زغرودة تليق بجنازة" للكاتب الدكتور أحمد إبراهيم الشريف، والصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أدارت الندوة الدكتورة فاطمة الصعيدي، وشارك فيها عدد من النقاد والمثقفين والشعراء.

حسام المقدم: زغرودة تليق بجنازة لغتها لها رائحة .. وتعبر عن روح الناس

فى البداية قال الكاتب الروائى والقصصى حسام المقدم، فى العنوان الفرعى لمجموعة "زغرودة تليق بجنازة" مكتوب "100 حكاية" والسؤال الأول، لماذا مائة حكاية، وما الفروق بين القصة والحكاية؟ لكن المهم هو الأدب المكتوب، فاللغة فى هذه الرواية مختلفة عن لغة رواية أحمد إبراهيم الشريف الأولى "موسم الكبك"، وهو تطور فى صالح الكتابة، فقد خرج الكاتب من الشاعرية، وصار يمتلك سردا له رائحة، كما تمنى فى روايته الأولى، وهذه المجموعة بالفعل لها رائحة، وتعبر عن روح الناس وروح ما تحكى عنه.

الندوة
 
وتابع حسام المقدم، لدينا فى المجموعة أربعة محاور فى المجموعة، المحور الأول هو محور الموت، ثم محور الغربة، وبعده محور الحب، ورابعًا محور حكايا الأجداد، وهذه التقسيمات لا يفصل بينها جدار، فمن الممكن لقصة ما أن تكون فى أكثر من محور.
 
 وعن محور الموت قال "المقدم" يستأثر "الموت" بنصيب الأسد فى قصص المجموعة، ففى قصة "ملاك الموت" أمسك بروح التراث الشعبى والفلكورى الموجود منذ آلاف السنين، ما بين الاحتفاء بالموت والخوف منه، فمواجهة ملاك الموت فكرة خارجة من قلب التراث المصري.
والمجموعة تعبر عن روح الأشياء بوعى ومعرفة بخلاصة ما يكتب، كذلك نجد قصة "جثة تطلب الدفن" حافلة مثل هذا الأمر، وفى هذه القصص صدق كبير بالروح التى يحكى عنها، كذلك قصة "الذاهبون إلى الجنة" وهى مواجهة الوعى الشعبى للوعى الثقافي.
المناقشون
 
وأضاف حسام المقدم المحور الثاني، هو محور الغربة، وظهر فى عدة قصص، وهو يتقاطع مع محور الموت، ومن ذلك قصة "ثأر" والسؤال فى نهاية القصة سؤال إنسانى "مربك" جدا، وقصة روح معلقة عن الابن الذى جعل روح الأب معلقة حتى يعود من السفر، وهى قمة الوعى الشعبي، ودائما هناك ثمن للغربة، لكن لا يأتى ذلك بصورة مباشرة أبدا، بل يظهر ذلك فى الكلمات الأخيرة من القصة، فمن ميزات القصص أنها مفتوحة للتأويلات.
 
وتابع "المقدم" فى محور الحب، لا وجود لرومانسية غنائية، فقط هناك فقد وحياة مثل قصة "رسائل الحب" وقصة "زغرودة تليق بجنازة" التى أراها تنتمى بقوة إلى محور الحب، فدعاء فاطمة بنت الحاج على وأمنياتها لحسين محمدين بالموت تأتى بقوة تحت محور الحب، كأن هناك قصة حب خلف السطور فى المجموعة، فالأدب يعرف نصوصا كثيرة عن الحب دون التصريح المباشر، بينما قصة غواية الماء تقطر رغبة من الراوى ومن الشخصية نفسها.
وقال حسام المقدم، إن محور حكايا الأجداد، وهو عن الشفاهى الذى تم تدوينه، ومن ذلك قصة "باكو دخان"، وقصة ملاك الموت تدخل معنا فى "محور حكايا الأجداد" فهى شفاهية وتم تدوينها.
 
وأنهى المقدم كلامه بأنه فيما يتعلق ببناء القصص، فقد جاء فى شكل موقف مضارع معاش، لا فرق بين القارئ والراوي، كلاهما يعيش هذه القصص، واعتمد الكاتب على المفارقة فى آخر كلمتين أو ثلاثة مثل قصة "غداء" وقصة "قطار الفجر" و"عيون بيضاء"، ومن سيمات المجموعة الأسماء الثنائية، وهى الغالبة على المجموعة، بينما كانت الأسماء الفردية "قليلة" مقارنة بالأخرى، وهى طريقة كان يلجأ إليها نجيب محفوظ، والأسماء الثنائية تكتسب معنى وجودها، وكذلك الأسماء الريفية القديمة مثل رسمية وفهيمة ولطيفة.

محمد على إبراهيم: زغرودة تليق بجنازة بها "لفتة" خالدة

ومن جانبه أبدى الكاتب محمد على إبراهيم سعادته باحتفاء الورشة بمجموعة زغرودة تليق بجنازة، وأكد أنه قرأ المجموعة مرتين، لكن من وجهة نظره أن الكاتب وقع فى فخ المائة، وقد يكون ذلك أثر بشكل ما فى إجبار نفسه على الكتابة والتحرك داخل إطار معين.
وأبدى محمد على إبراهيم أن بعض الجمل تحمل "خلودا" معينا وهى التى تعيش من الأعمال الأدبية، ويمكن رؤية ذلك فى كثير من القصائد الشعرية والنصوص الأدبية، وفى مجموعة "زغرودة تليق بجنازة" فإن نهاية قصة "محاولة يائسة للنجاة" عندما قال "بينما فتح إسماعيل صدقى" حجر جلبابه فى انتظار سقوطها" هى الجملة الخالدة فى هذه المجموعة.

جانب من المناقشة
 

على قطب: قصص زغرودة تليق بجنازة بها موسيقى داخلية 

أما الكاتب الروائى على قطب، فأكد انه للوهلة الأولى فإن المفارقة والتقابل بين الزغرودة (الفرح) والجنازة (الحزن) فى المجموعة، هو مجرد مستوى أول فى المجموعة تكمن خلفه مستويات أخرى، فهو هنا قد قدم خلخلة للزغرودة التى هى فى سياق الفرح، كما أنه يحرر ظاهرة (الجنازة) من كونها أمر يستحق الحزن دائما، فالعنوان يجعلنا نعبر بشكل درامى عن الإنسان الغائب أو شبه الغائب، والمجموعة تطرح ثنائية الحياة والموت، لكن بشكل رمزي، والعلاقة بينها ليست تقابليلة دائما فقد تكون تضافرية، والقصة القصيرة كما قدمها أحمد إبراهيم الشريف أفادت من شكل الحياة فخرجت من الفردية إلى الجماعية، أما لماذ استخدم أحمد إبراهيم الشريف جملة "مائة حكاية" فى التعليق على العنوان الرئيسي، هذا التعبير متأثر بـ "ديكاميرون" وحكاياتها الشهيرة، وهى من أشهر ما كتب فى أدب الوباء، ومجموعة "زغرودة تليق بجنازة" مكتوبة فى زمن وباء كورونا، وعلى الرغم من أنه لا يشير للوباء بشكل مباشر، لكنه موجود بصورة أو بأخرى، فهناك "وباء سرى" منتشر فى قصص المجموعة ينتهى بالموت، أما الإهداء، فهو موجه إلى عدد كبير يصل إلى 24 شخصا، يمكن اعتبارهم عيار الذهب الـ 24 قيراطا، أو فدان الأرض الـ 24 قيراطا.

 

فاطمة الصعيدى
 
وأضاف على قطب، قدم أحمد إبراهيم الشريف ما يطلق عليه الموسيقى الداخلية فى ربط القصص المائة معا، بداية من حجم القصص، فكل قصة تقريبا 100 كلمة، لكن يمكن أن تخلق منها قصة أكبر، هى مثل ثمرة ناضجة بعد أكلها يمكن زراعة بذرتها من جديد، فتطرح شجرة أكبر، وأحمد إبراهيم الشريف يملك ما يسمى بالوعى الجمالى بالشكل والسرد والإبداع، واستطاع أن يربط بحرفية شديدة عالمه القصصي.
 
وقدمت الكاتبة الكبيرة هالة البدري، ورقة بعنوان "الزغاريد التى تطلق وهج الحياة فى مواجهة الموت" قالت فيها، علاقة الفلاح المصرى بالموت قديمة بين الخوف والرجاء، وفى المجموعة "زغرودة تليق بجنازة" احتل الموت بطولة ما بين المباغتة والمعايشة، حيث يتعايش الجميع مع ملاك الموت، لكن القصة لا تزال كل مرة مباغتة، وقصص الموت فى المجموعة لا تدفعنا إلى الحزن بقدر ما تدفعنا إلى التأمل، كما أننا قد نكون أحد أبطال المجموعة، وتجعلنا المجموعة ندرك أن كل لحظة فى حياتنا "ثمينة".
 
وأضافت هالة البدررى أن أحمد إبراهيم الشريف أعاد للقصة القصيرة بهاءها وبهجتها وحدتها الجارحة التى تشق الحدث لتظهر روح جوهرته الناهضة بالحياة، كما أن المجموعة على الرغم من كون أحمد "صعيدي" قصصها إنسانية وليست قاصرة على بيئة محددة.
ومن جانبه قال الشاعر ماهر مهران، منذ فترة طويلة لم أقرأ مجموعة قصصية بهذا الجمال، وهذه المتعة، وهى قصص ممتعة لكنها ليست سهلة فهى تحتمل أكثر من قراءة، لأن فيها تعدد فى الدلالات، وأنا أمام مجموعة قصصية شديدة التكثيف، كما أنه نوَّع فى اللغة وتطور عن القديم، والقصص ابنة المكان والبيئة التى نشأ فيها الكاتب.
شعبان يوسف
 
أما الناقد مجدى نصار، فأكد أن استخدام جملة "مائة حكاية" مناسب جدا، لأن المجموعة بها حكايات شفهية تم تحويلها لقصص وتدوينها، كما أن أحمد يراهن على قدرته على التقاط اليومى والمعتاد والشفاهى وتحويله إلى نص أدبي، ونحن أمام مساءلة للموت ومرادفات هذا الموت سواء كان عقم أو سفر أو غربة أو رحيل أو فراق أو حزن، وأمام مساءلة لبساطة التعامل مع الموت، فالبيئة التى يتحدث عنها قادرة على التعامل مع الموت دون فلسفات كبرى.
 
وأضاف مجدى نصار اعتمدت المجموعة على المفارقة فى مواقع كثيرة جدا، كما أن القصص عبارة عن لقطات مكثفة عرضت فيها حياة أناس وتجاربهم وبعدما تنتهى من المشهد تستطبع كقارئ أن تفتح الباب واسعا للتخيل، وحتى على مستوى الشكل فإن أحمد إبراهيم الشريف قصر الجمل ووضع فواصل ولم يستغن عن الواو، واستخدم الراوى العليم والراوى المشارك فى العمل، واستعان بأغانى شعبية، ونحت منحوتات تخصه مثل "عزرائيل الحيوانات"، كما أن ذكر اسم الشخصيات فى القصص صنع حميمية، كما أجاد فى توظيف الأساطير.
 
 ومن جانبها قالت الكاتبة الكبيرة سامية أبو زيد، إن هذه الكتابة لا ينظر إليها بكونها مجموعة قصصية، لكنها رواية مكتملة الأركان، والعنوان كان يوحى بأنه يتحدث عن شهيد، لكن ذلك لم يكن، بل كان زغرودة ارتياح بالموت.
وقالت سارة درويش، إن المجموعة فى مجملها من عين طفل يتلصص على بيوت القرية جميعا، وينتقى منها الحكايات التى قدمها لنا.
سارة
 
ومن جانبه قال الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف يمكن القول إن أحمد إبراهيم الشريف امتداد لكتابة يحيى الطاهر عبد الله.
بينما أشار الكاتب الدكتور محمد إبراهيم طه، أننا أمام كاتب عنده قدرة كبيرة على ضبط كادر الصورة، فلدينا 100 قصة، فى كل واحدة منها تجد الكاتب يجاهد على ألا يضع كل شيء داخل الإطار، هو يضع أشياء مهمة تشير ويترك الباقى للقارئ كى يستنج المسكوت عنه فى المجموعة، وأعتقد أن الكاتب سيعود فيما بعد إلى بعض هذه القصص لاستخدامها فى عمل روائى مستقل، كما أننا أمام كاتب مفارقة بامتياز، يملك كتبا قصيرة وسريعة تدخل إلى قلب العالم مباشرة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة