سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 يوليو 1882..الإسكندرية تتحول إلى شعلة من النار وبعض الأوروبيين يشاركون فى حريقها والإنجليز يصممون على احتلالها

الأربعاء، 12 يوليو 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 يوليو 1882..الإسكندرية تتحول إلى شعلة من النار وبعض الأوروبيين يشاركون فى حريقها والإنجليز يصممون على احتلالها

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الساعة العاشرة والدقيقة الأربعين صباح يوم 12 يوليو، مثل هذا اليوم، عام 1882، حين استأنف الأسطول الإنجليزى ضرب مدينة الإسكندرية لليوم التالى بعد أن بدأ الاعتداء عليها فى 11 يوليو 1882 تمهيدا لاحتلالها، ووفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى»: «تركزت الضربات على طابية قايتباى وطابية الاسبتالية، ورفعت الأعلام البيضاء على وزارة البحرية «الترسانة» وعلى حصون قايتباى والأطه ورأس التين طلبا للهدنة والكف عن القتال، وذهب طلبة باشا عصمت «قومندان المدينة» إلى الترسانة لمقابلة الأميرال سيمور قائد الأسطول.
 
يذكر طلبة باشا وقائع ما جرى مع «سيمور» حين ذهب لمقابلته، وذلك فى محضر استجوابه أثناء التحقيقات معه بعد فشل الثورة العرابية، والمنشور فى الجزء التاسع من كتاب «مصر للمصريين» لسليم خليل النقاش، يؤكد أنه نزل إلى الميناء بصحبة أنيس بك باشمهندس اليخت الخديوى «المحروسة» بصفة مترجم وصعد إلى المحروسة، وهناك التقى بمندوب من طرف الأميرال سيمور، وسأله المندوب: ماذا يريدون من رفع الأعلام البيضاء؟ أجاب طلبة: إن الخديو توفيق كلفه بإخبار الأميرال أن الطوابى تخربت والمدافع التى كنتم ترغبون فى نزولها نزلت، ولم يحصل بيننا وبين دولة إنجلترا ما يخل بالعلاقة الودية، وعلى ذلك نريد التكلم فى إبطال الضرب».
 
أجابه المندوب، بأن الأميرال يطلب أن يرخص لجنوده من البحارة فى النزول إلى البر واحتلال ثلاث قلاع وهى العجمى والدخيلة والمكس، وإلا استأنف الضرب فى الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم، ورفض سيمور طلب «طلبة» بمد المهلة، لأن الوقت الذى يصل فيه إلى سراى الرمل لإبلاغ الخديو ثم يعود لا يكفى. 
 
ذهب «طلبة باشا» إلى الرمل وأبلغ الخديو توفيق وأحمد وعرابى وزير الحربية، وحسبما يذكر أحمد شفيق باشا، أحد رجال معية الخديو فى الجزء الأول من مذكراته: «عقد رجال العسكرية فى الحال مجلسا تقرر فيه أنه لا يمكن إجابة الأميرال إلى ما طلب من احتلال الحصون، لأنه لا يحق للحكومة المصرية أن تتصرف فى شىء من أراضيها قبل موافقة الباب العالى «العثمانى» ولكن الأميرال لم ينتظر تبليغ هذا القرار إليه، فمضى فى أهبته لاحتلال المدينة».
 
يذكر «الرافعى»، أن الأسطول الإنجليزى استأنف الضرب فى نحو الساعة الرابعة، وقبلها بساعتين وبالتحديد فى الساعة الثانية، بدأ إضرام النار فى المدينة، وأخذ يمتد حتى صارت الإسكندرية شعلة من النار، واشترك فى الحريق بعض الأوروبيين خاصة من الأورام والمالطيين الذين بقوا فى المدينة بعد هجرة معظم من كانوا فيها، وذلك للمطالبة بالتعويضات بعد انتهاء الحرب كما اشتركوا أيضا فى النهب.
يؤكد الرافعى، أنه مما ساعد على شبوب الحرائق إهمال الحكومة والخديو الذى غادر المدينة، دون أن يتخذوا أى احتياطات لوقايتها، وكان هذا الحريق على غير رأى عرابى والوزراء، فانفرد بإحداثه سليمان داود قائد الآلاى السادس الذى كان مشهورا بالتهور والحمق، وكان يعتبر نفسه خاصة من الأورام والمالطيين «عرابى» آخر بالإسكندرية، وصمم على ألا ينسحب الجيش من الإسكندرية إلا بعد أن يجعلها خرابا.
يلقى «داود بركات باشا » فى كتابه «الثورة العرابية بعد خمسين عاما»، رؤية صحفية، الضوء على ما فعله سليمان، قائلا: «جمع رجاله فى الصباح وخطب فيهم قائلا: إن المدينة ستترك للإنجليز والنظام العسكرى يقضى بألا نتركها لهم وفيها شىء يستطيعون استخدامه أو الانتفاع به، فالواجب إذن أن ننهب هذه المدينة قبل أن نحرقها، فاعترض عليه بعض صغار الضباط اعتراضات ضئيلة، فلم يصغ إليهم وأمرهم بالسكوت».
 
يضيف «بركات»، أن فرسان الجيش أرسلوا إلى جميع الحارات والأسواق يأمرون الأهالى بإخلاء المدينة والجلاء عنها، وأن عرابى هو الذى يأمرهم بذلك، لأن المدينة سوف تحرق وتدمر فلينجوا بأنفسهم.
 
بدأت الهجرة من المدينة مساء 11 يوليو 1882 وبلغت ذروتها فى اليوم التالى 12 يوليو، وكانت مأساة إنسانية يذكرها الشيخ محمد عبده، فى مذكراته، تحقيق طاهر الطناحى قائلا:  «نحو مائة وخمسين ألفا من السكان مجردين من كل شىء أخذوا فى الحركة لغير قصد ولا مأوى، الموت والفزع ملء نفوسهم، على شطوط المحمودية إلى دمنهور وجسر السكة الحديد من دمنهور إلى القاهرة، كانت المهاجرة تكون خطوطا سوداء تارة عريضة وأخرى رقيقة، متحركة فى كل جهة، أشبه بسلسلة إنسانية طويلة، هنا ينزلون، هناك يمشون ببطء، لا وقاية ولا عيش، على طرفى تضاد مع سماء صافية وأرض خضراء نضرة».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة