تعد ثورة الزنج التي انتهت فى سنة 270 هجرية بعد 14 عاما من الصراع ضد ملاك العبيد وضد الخلافة العباسية نفسها، واحدة من أشهر الأحداث فى التاريخ الإٍسلامي، لكن ماذا عن قائدها الذي أطلق على نفسه "صاحب الزنج"؟
تقول الكتب إن "صاحب الزنج" و يدعى علي بن محمد، ظهر في فرات البصرة سنة 255 هـ، واضطلع بدور قيادة الثورة والتنظير لها.
وهناك من يراه فارسياً، لكنه يعدّ نفسه من آل البيت، إذ يقول: إنه "علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زید بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب".
ومجموعة من المؤرخين مثل الطبري، ذهبوا إلى أنه كان يغير نسبه مرات عدة، إذ يقول الطبري: "إن ادعاءه النسب إلى آل البيت هو مسألة هامة في تحديد شخصه وماهيته وفي الاعتقاد أنه يغير نسبه غير مرة، وذلك للظروف التي تحيط به في لحظة معينة، فهو ولد ونشأ في بلاد فارس في قرية كبيرة تدعى ورزنيين من قرى الري وكان اسمه على ابن محمد بن عبد الرحيم وينتهي نسبه في قبيلة عبد القيس".
وتشير مصادر أخرى أنّه كان يردّد في بعض الأحيَان، أنّ جدّه هو محمد بن حكيم، من أهل الكوفة، أحد الخارجين على هشام بن عبد الملك، مع زيد بن علي بن الحسين، فلما قتل زید، هرب ولحق بالري.
وقال الصفدي عن نسب والدة صاحب الزنج، وقصة مجيء والد علي إلي ورزنيين، فيقول: إنها قرة بنت عبد الواحد بن محمد الشامي، والدها كان معتاداً على الحج سنويا إلى مكة ثم إنه كان يمرّ بالمدينة حيث ينزل على شيخ من آل أبي طالب حاملاً له الهدايا من الري، وحدث أنه في سنة من السنين، وجد الشيخ متوفياً، تاركاً ابنه محمدا وعمره آنذاك 11 سنة.
يضيفُ أنّه قد عرض والد قرة على الصبي مرافقته إلى الري ولكنه رفض لعدم موافقة والدته وأخته. وفي السنة التالية، وجد عبد الواحد والدُ قرة الطفلَ محمداً وحيداً، إذ توفيت والدته وأخته. ولذلك فإنه جاء به إلى قرية ورزنيين وزوجه بابنته قرة فولدت له ابنتين ماتتا صغيرتين وولداً أسماه عليا وهو قائد الزنج.
ويقول المسعودي إن صاحب الزنج ادعى أنه "من نسل علي وفاطمة بنت الرسول، وربما كان هذا الادعاء صحيحاً، وذلك أن نسل علي آنذاك كانوا يعدون بالآلاف ولم تكن لهم أهمية تاريخية تذكر. لكن، ربما كان نسبه هذا مجرد اختراع".
كما قد يكون اعتمد نسب العلويين لإلباس ثورته رداء الشرعية؛ بحيثُ عاش علي بن محمد في سامراء عاصمة الخلافة العباسية، ورحل في 249 هـ إلى البحرين، متأثراً بما شهد وسمع في عاصمة الخلافة من فوضى واضطراب أشد التأثر.
جاء علي بن محمد، بعد رحلة شاقّة، إلى البصرة سنة 254، أي سنة قبل قيام الثورة.
كان عامل البصرة وقتئذ هو محمد بن رجاء الحاظري، وصادف صاحب الزنج قيام فتنة بين الأتراك أيضاً. وفي هذه السنة، كانت البصرة على أشد أوضاعها خراباً.
فطنة صاحب الزنج جعلته يطوّع الأوضاع لصالحه، ودفع به الحماس إلى ممارسة الدعوة بين جدران مسجد البصرة.
أخفق وطارده الجند، ولاذ بالفرار إلى بغداد، غير أن الوالي قبض على أتباعه.
لم يستَسلم… وأثناءَ إقامته بالبصرة، ظلّ وفيا لفكرة الثورة والتخطيط لها، وبقي يترقب الفرص. بينما حافظ على سرية أفكاره ومخططاته في جبّة التقية.
في غضون ذلك، تمّ عزل عامل البصرة، محمد بن رجاء الحاظري، عدوه اللدود. وقامت فتنة أخرى بين الأتراك، فعاد إلى البصرة سنة 255هـ ومعه أعوانه.
على عادته، حافظ صاحب الزنج على رغبته الجامحة في الاتصال بالزنج المضطهدين والمشتغلين بكسح السباخ. وأخذ يدرس أحوالهم ويقوِّي علاقته بهم.
أخذ الزنج يتصلون به، بالمقابل، ويجتمعون حوله، حتى نجح وقامت ثورة الزنوج في ذات السّنة، أي سنة 255.
كان الزنج عبارة عن مجموعات كبيرة من السود الذين جلبوا من أفريقيا، خاصة الصومال وزنجبار، واستخدمتهم الدولة؛ لتحويل إقليم البطائح من غابات ومستنقعات وأرض سبخة إلى أرض صالحة للزراعة دون أن تعطيهم مقابل، سوى ما يأكلون من السويق والتمر بأثمان بخسة.
وقد شعر هؤلاء الزنوج بالظلم فتحركت فى نفوسهم الرغبة فى الثورة خاصة أن الدولة كانت تمر بمرحلة من الضعف شجعتهم على الثورة، وكانوا ينقسمون إلى مجموعات يبلغ عدد المجموعة ما بين (500 و 1500) رجل، تجمعت هذه المجموعات تحت إمرة صاحب الزنج ثم ساروا إلى البحرين وانضم إليهم عبيدها، كما انضم إليهم عبيد البصرة وواسط وما حولهما، فلما قويت شوكتهم انتشروا فى العراق وخوزستان والبحرين ونهبوا القادسية والبصرة وغيرها من المدن واستولوا على ألف وتسعمائة سفينة، كانت تحمل بعض الحجاج إلى مكة، وألقوا الرعب فى قلوب الآهلين بهذه المناطق، وهزموا جيشين أرسلتهما الخلافة فى عهد الخليفة المهتدى وهددوا بغداد العاصمة نفسها، وملكوا كثيرًا من الأموال والنساء والأطفال.
وبعد ارتفاع شأن صاحب الزنج بنى لنفسه مدينتين يتحصن بهما من جيوش الخلافة، وهما: المختارة والمنيعة. وكان يعتمد في حروبه على التخفى فى المستنقعات والغابات؛ مما صعب مهمة أى جيش يرسل إليها، حتى قاد الموفق أخو الخليفة المعتضد بنفسه الجيوش، وكانت أمور الخلافة بيده، وأدرك سر تفوق الزنج فأعد الخطط، وجهز الجيوش، وتمكن من إلحاق عدة هزائم بهم وتدمير مدينتهم المختارة، وبنى بجوارها مدينة جديدة تسمى الموفقية؛ ليتحصن بها أثناء حروبه لهم، وتوالت انتصاراته عليهم، وفر كثير منهم من حول صاحبهم، حتى هزم وقتل سنة (٢٧٠هـ = ٨٨٣ م) كما قتل قائده بهبوذا. وبذلك خمدت الثورة التى دامت (١٤) سنة و (٤) أشهر، فكثر ضحاياها وقوضت اقتصاديات الدولة، وساعدت على نشوب عدة ثورات داخلية.