أشبه بزلزال من العيار الثقيل، القرار الذى اتخذته روسيا الأسبوع الماضى، بالانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية والذى كان بموجبه تسمح موسكو بتصدير حبوب كييف عبر البحر الأسود، جعل العالم يفكر مجددا عن طرق بديلة لاستيراد الحبوب لاسيما القمح لسد احتياجاته، الأمر الذى دفع الأمم المتحدة بإطلاق تحذيرات من تفشى الجوع.
وقال مسئول المساعدات بالأمم المتحدة مارتن جريفيث، إن الارتفاع الحاد فى أسعار الحبوب عقب الانسحاب الروسى "يحتمل أن يهدد ملايين الأشخاص بتفشى الجوع وبما هو أسوأ من ذلك.
وقال جريفيث أمام مجلس الأمن "ستشعر الأسر فى الدول النامية بارتفاع حاد فى الأسعار"، مضيفا أن 362 مليون شخص فى 69 دولة يحتاجون حاليا إلى مساعدات إنسانية.
وتابع "سيشعر البعض بالجوع وسيتضور البعض جوعا وقد يموت كثيرون نتيجة هذه القرارات".
بدوره قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، أن روسيا تحاول عمدًا، من خلال قصف البنية التحتية للموانئ الأوكرانية وتدمير محطات شحن الحبوب، الحكم على الدول الأكثر عرضة للخطر فى العالم بالمجاعة ويجب أن يقابل ذلك برد حاسم من المجتمع الدولى.
وأضاف بوريل بحسب وكالة أنباء "يوكرينفورم" الأوكرانية: "أنتم تعلمون أن روسيا انسحبت من اتفاقية حبوب البحر الأسود وأن العالم يواجه مرة أخرى مشكلة من صنع الإنسان تتعلق بالأمن الغذائى. يستخدم بوتين الجوع كسلاح - حتى ضد الناس فى البلدان التى لا تزال مترددة فى إدانة سفك الدماء غير القانونى فى أوكرانيا".
وأكد أن روسيا هى التى تغلق وتقصف الموانئ البحرية الأوكرانية وتعرقل حرية الملاحة فى البحر الأسود، حيث تهدد موسكو الآن باعتبار جميع السفن فى المنطقة "عسكرية".
وتابع أن "روسيا تمنع بشكل غير قانونى صادرات الحبوب الأوكرانية وتدمر الحقول الأوكرانية وتسرق الإنتاج الزراعى الأوكرانى. وعلى عكس ما تدعى روسيا، فإنها تحقق أرباحًا جيدة من صادراتها من الحبوب والأسمدة، وستحقق المزيد من الأرباح الآن عندما ترتفع الأسعار مرة أخرى بعد أن قتلت روسيا صفقة (حبوب البحر الأسود)، ودمرت المخزونات فى الموانئ الأوكرانية. نعتقد أن على المجتمع الدولى أن يستجيب بشكل حاسم لهذه المحاولة المتعمدة من قبل بوتين لتجويع سكان العالم من أجل كسب أموال إضافية أو خوض هذه الحرب غير الشرعية".
وقال جوزيب بوريل أيضًا إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى أكدوا لوزير الخارجية الأوكرانى، دميترو كوليبا، دعمهم القوى لأوكرانيا فى دفاعها المشروع ضد روسيا التى تواصل ارتكاب الفظائع ضد المدنيين وتهدد من خلال مهاجمة الموانئ الفئات الأكثر ضعفًا حول العالم بالجوع.
لكن أوكرانيا تحاول إحياء اتفاق الحبوب مجددا، ووجه الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى كبار قادته العسكريين للاستعداد للقيام "بتحركات" يمكن أن تسمح بمواصلة تنفيذ اتفاق تصدير الحبوب.كما أبلغ وزارة الخارجية بالاستعداد للقيام بخطوات دبلوماسية مماثلة.
ولم يشر بيان زيلينسكى، عبر تلجرام للتواصل الاجتماعى، إلى تفاصيل طبيعة الإجراءات. كما لم تتضح طبيعة خطط كييف لاستئناف تصدير الحبوب عبر ممر آمن فى البحر الأسود.
لكن مسئولين كبار فى تركيا، التى كانت قد توسطت فى اتفاق تصدير الحبوب إلى جانب الأمم المتحدة، إنه من غير المحتمل استئناف تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وإن تركيا لن تشارك فى أى عمليات لنقل هذه الصادرات فى الوقت الذى تهدد فيه روسيا باستهداف أى سفن تدخل أو تخرج من الموانئ الأوكرانية.
وترفض روسيا اى محاولات للعمل بالاتفاق بعيدا عنها، وقال نائب وزير الخارجية الروسى سيرجى فيرشينين، أنه لا يمكن حل أى أزمة فى منطقة البحر الأسود بدون الرجوع إلى روسيا، بما فى ذلك قضية الأمن الغذائى.
وقال فيرشينين، فى تصريحات أوردتها وكالة أنباء "تاس" الروسية، "لا أعتقد أنه من الممكن إدارة الأمور بدون روسيا، بغض النظر عن صياح كييف الدائم عند حل أى قضايا، لا سيما تلك المتعلقة بالمنطقة، وتحديدا المتعلقة بالبحر الأسود وكذلك قضية الأمن الغذائى. ببساطة هذا الأمر مستحيل".
كما أشار إلى أن وزارة الخارجية الروسية تراقب عن كثب جميع البيانات الواردة من الخارج.. مُضيفًا: "لا أعتقد أنه يتعين علينا التعليق على كل تصريح صادر من كييف، لأنها ليست جادة على الدوام".. تعقيبا على تصريحات وزير الخارجية الأوكرانى دميترى كوليبا الذى أشار فيها إلى استعداد كييف لتحمل أى مخاطر لإعادة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، على الرغم من خروج روسيا من صفقة الحبوب وتحذيرها من أن أى سفينة تبحر فى البحر الأسود إلى الموانئ الأوكرانية ستُنظر إليها على أنها تحمل شحنات عسكرية.
وترمى موسكو بالكرة فى ملعب الامم المتحدة، وشدد فيرشينين على أن الأنشطة المشتركة بموجب اتفاق الحبوب لا يمكن أن تستمر إلا إذا تم الوفاء بالمتطلبات الروسية، مؤكدا أنه عند استيفاء هذه الشروط سيكون من الممكن مواصلة الجهود المشتركة المتعلقة بصفقة الحبوب.
واتفاق الحبوب هو وثيقة تم التوقيع عليها فى 22 يوليو 2022، فى إسطنبول "بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة. وتضمنت تأمين صادرات الحبوب العالقة فى الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود (شرق أوروبا) عبر ممر إنسانى فتحه الأسطول الروسى فى البحر الأسود لمعالجة نقص الغذاء العالمى، شريطة إتاحة وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى السوق.
وتعود أهمية الاتفاق فى كونه يسمح للحبوب الاوكرانية فى التصدير للعالم، وتعد كييف واحدة من أكبر موردى الحبوب حيث يعتمد 400 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم وفقا لأرقام برنامج الغذاء العالمى.
وطالبت روسيا بخمس مطالب فى إطار تنفيذ مذكرة روسيا - الأمم المتحدة الخاصة بصفقة الحبوب"، من بينها "إعادة ربط البنك الزراعى الروسى بنظام (سويفت)، وتوريد قطع غيار اللازمة للزراعة الروسية، وإلغاء حظر لوجستيات النقل والتأمين، وإعادة إحياء خط أنابيب الأمونيا "تولياتى - أوديسا"، وإلغاء تجميد أصول الشركات الروسية.