أبدى الأمير «العجوز» محمد على رغبته فى أن يؤدى الملك فاروق صلاة الجمعة بالجامع الأزهر يوم 30 يوليو، مثل هذا اليوم، من عام 1937، وذلك فى اليوم التالى لتتويجه ملكا، فنشبت أزمة كبرى مع مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة وزعيم حزب الوفد، حسبما تذكر الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية فى مصر 1936 - 1952».
كان الأمير محمد على، وصيًا على العرش منذ وفاة الملك فؤاد فى 28 إبريل عام 1936، وذلك لعدم بلوغ ابنه وولى العهد فاروق المولود يوم 11 فبراير 1920 السن القانونية، التى تؤهله لممارسة سلطاته الدستورية ملكا لمصر، وتذكر لطيفة سالم: «لما بلغ فاروق السن القانونية بالتقويم الهجرى تولدت فكرة إقامة حفلة دينية كبرى يتوج فيها، بالإضافة إلى حفلة أداء اليمين أمام البرلمان».
توضح لطيفة سالم: «ترجع فكرة الحفلة الدينية إلى الأمير الوصى محمد على لما تتفق مع تركيبته المتعالية، ورأى أن يدعى إلى تلك الحفلة الأمراء وكبار الرسميين وممثلى الهيئات السياسية وكبار العلماء والشيوخ والقضاة، ويقف شيخ الأزهر بين يدى الملك ويدعو له، ويتلو صيغة معينة، ويجيب الملك عن كل سؤال فيها، ويقسم اليمين بالولاء لشعبه والبر بقوانينه والعمل على رفاهية أمته وسعادتها، ثم يقدم شيخ الأزهر سيف محمد على باشا، ورأى الأمير أن يكون الاحتفال متناسبًا مع مكانة مصر الإسلامية، وعكف على دراسة ما كان يقوم به السلاطين العثمانيون يوم الاحتفال بارتقائهم العرش».
أيدت عدة أطراف هذه الدعوة، ووفقًا للدكتورة أمل فهمى فى كتابها «الملك فاروق والخلافة الإسلامية»: «لقيت هذه الدعوة تأييدًا من الأزهر فقد رأى فى فكرة التتويج الدينى مجالًا لثبات مظاهر التأييد والمساندة للقصر، فتعهدها علماؤه وتشيعوا لها وعلى رأسهم الشيخ المراغى شيخ الأزهر، الذى استهدف تقديم الملك الشاب المسلح بسلاح الدين كسلاح وحيد لمقاومة جماهيرية النحاس المسلح بحب الجماهير الشعبية، ثم اجتمع علماء الأزهر واستقر رأيهم على إرسال برقيات للأمير محمد على تأييدًا لاقتراحه، كما لقيت الدعوة تأييدًا من جماعة الإخوان، حيث ذكر مرشدها حسن البنا: «كان المسلمون فى الخلافة يرجعون إلى الخليفة فأين هو الآن؟ لا بد أن نعمل جميعًا على إيجاده».
فى سبيل إتمام هذه الرغبة التقى الأمير محمد على مع النحاس باشا، وعرض عليه الفكرة ووعد النحاس بدراستها، وتذكر لطيفة سالم، أن النحاس انتهز فرصة وجوده فى لندن ومر على باريس حيث التقى فاروق الذى كان يقضى إجازة صيفية طويلة فى أوروبا، وسأله عن رغبته بشأن حفلات التولية وتأدية اليمين الدستورية، فذكر فاروق أنه على علم بما يدور حول الحفلة الدينية وأنه لم يقطع بعد برأى، ثم انفرد رئيس الوزراء بأحمد حسنين باشا، وأوضح له مخالفة هذا الرأى للدستور ورفض الوزارة له، كما أن الحفلة الوحيدة التى توافق عليها أن يؤدى الملك اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان وفقًا للدستور، وطلب رئيس الوزراء ووزير ماليته من محمد التابعى الصحفى المرافق للرحلة الملكية إلى أوروبا، أن يحاول إقصاء هذه الفكرة تمامًا من ذهن الملك».
يذكر التابعى فى كتابه «من أسرار الساسة والسياسة، وأحمد حسنين باشا»، أنه تحدث مع الدكتور حسين حسنى مساعد سكرتير الملك الخاص فى هذا الموضوع، وذكر أن هذه الحفلة ومراسيمها ليست من مصلحة الملك، لأنها تشبه حفلة تتويج ملك إنجلترا وليست من مصلحته مخالفة أحكام الدستور الذى تتمسك به الوزارة الوفدية، فاقتنع الملك، وأبلغ رئيس حكومته خبر تنازله عن فكرة هذه الحفلة، وحدد برنامج الحفلات التى ستقام بمناسبة توليه سلطاته الدستورية.
تذكر أمل فهمى، أن النحاس باشا ذهب إلى الأمير محمد على ليبلغه خبر تنازل فاروق عن إقامة الحفلة، لكن الأمير أصر لأن هذه المسألة تهم الأسرة المالكة كلها، وأبدى رغبته فى أن يؤدى فاروق صلاة الجمعة فى ثانى يوم من أيام الحفلات، ويوافق 30 يوليو فى جامع الأزهر الشريف، وأن يتلو شيخ الأزهر دعاءً خاصًا، ووافق فاروق على ذلك، ورأى النحاس فى هذه الصلاة والدعاء الخاص عودة إلى الحفلة الدينية فرفضها، وسافر محسن مراد للملك بخصوص هذه المسألة ونجح فى مهمته، وانتهت الأزمة بموافقة فاروق على أداء قسم اليمين أمام البرلمان فقط، وأن يزور قبر محمد على دون أى مظهر دينى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة