قال الإعلامى عادل حمودة، أن الكاتب القدير أحمد بهاء الدين لم يتصور أنه سيحترف الصحافة، ولم يتصور أنه سيصبح رئيس تحرير أكبر الصحف اليومية، ولم يتصور أنه سيتربع على عرش صاحبة الجلالة، وكان كل حلمه أن تنشر روز اليوسف مقالاته دون أن تعرفه، وكان يترك مقالاته فى مكتب استقبال روز اليوسف ويختفى، لافتا إلى أن فاطمة اليوسف أعجبت بأفكاره وأسلوبه، وطلبت التربص به والقبض عليه فور دخوله من باب المؤسسة.
وأوضح حمودة خلال تقديمه برنامج «واجه الحقيقة» المذاع على فضائية «القاهرة الإخبارية» أنه دون تردد اختارته ليكون أول رئيس تحرير لمجلة صباح الخير، ولم يكن عمره وقتها يزيد عن 28 عاما، لكن هذه أبسط أسرار أحمد بهاء الدين، لافتا إلى أن أحمد عبد العال بهاء الدين ولد يوم 11 فبراير عام 1927، فى الإسكندرية رغم أن جذور عائلته تمتد إلى قرية "الدوير" مركز "صدفا" محافظة أسيوط، ووالده ترك القرية شابا، وعمل موظفا فى وزارة الأوقاف وتنقل بين محافظات مختلفة ومنها الإسكندرية حتى استقر فى القاهرة، والأم من الصعيد أيضا لكنها كانت تعيش فى كفر الشيخ.
وأشار الإعلامى عادل حمودة إلى أن أحمد بهاء الدين عاش فى بيت مترابط وشعر بأمان العائلة، وهذا هو العنصر الأول فى تكوينه، أما العنصر الثانى فى تكوينه دراسة الحقوق التى أكملها فى جامعة فؤاد الأول القاهرة فيما بعد، وقد تخرج فى الحقوق عام 1946 ولم يزد عمره عن 19 سنة، فى ذلك الوقت كانت دراسة الحقوق تمثل مزيجا من السياسة والثقافة والتأثير فى الرأى العام، ولم يجد وظيفة بسهولة إلا بعد سنوات قضاها فى البيت اتاحت له قراءة عشرات الكتب التى شكلت العنصر الثالث فى تكوينه، وحقق عمله محققا فى النيابة الإدارية وفى مجلس الدولة قيمة العنصر الرابع فى تكوينه وهو الإيمان بالقانون، إلى جانب عمله القانونى بدأ يجهز نفسه للحصول على الدكتوراه، لكن الصحافة لم تتركه فى حاله وجذبته إليها حتى لم يعد يرى سواها.
وقال عادل حمودة، إنه عادة ما يبدأ الصحفى مشواره بالحصول على الأخبار، أما يغطى أخبار الجريمة أو يغطى أخبار البرلمان، لكن أحمد بهاء الدين دخل الصحافة من الباب الملكى باب المقال، يعترف أحمد بهاء الدين قائلا:"رغم أننى صحفى قد لا يصدق القارئ أن كثيرا من الأحداث كانت تمر تحت انفى ولا أراها ولا تستوقفنى كما يجب، وربما لأننى لم أدخل الصحافة كسائر الصحفيين من باب العمل فى السوق على جمع الأخبار من مصادرها ولكنى دخلت الصحافة من باب الجلوس إلى مكتب وكتابة مقالات الرأي".
وأوضح حمودة أن أحمد بهاء الدين كان يقضى أياما بطولها مع الرئيس أنور السادات وهو رئيس تحرير الأهرام، وما أن يعود إلى مكتبه حتى يجد ممدوح طه رئيس قسم الأخبار فى انتظاره، يسأله عما جاء بأسرار وأخبار سمعها من السادات وكانت الحصيلة لا شيء وينظر إليه ممدوح طه فى ذهول، ويعلق أحمد بهاء الدين بنفسه قائلا:لعل الرجل كان يقول فى سره بالتأكيد "أيه رؤساء تحرير آخر زمن دول".
وأشار إلى أن أحمد بهاء الدين تمتع بمميزات شخصية جعلته رئيس تحرير متميز، وكان قادرا على تجميع الموهوبين حوله وفتح الطرق أمامهم، وشجع صلاح جيهان على كتابة الرباعيات، وشجع صافيناز كاظم على القيام بمغامرة صحفية بطريقة الاوتو ستوب فى 7 دول أوروبية ولم يكن معها سوى 20 جنيها، وشجع الفنان التشكيلى حلمى التونى على احتراف الفن الصحفى، وشجع رجاء النقاش على الدخول فى مناظرات أدبية مع الدكتور طه حسين، وشجع مصطفى نبيل على تطوير مجلة الهلال، وفتح عمود فى الأهرام ليكتب فيه الصحفيون الشباب آرائهم واحدا بعد الآخر.
وقال أن الكاتب الصحفى القدير أحمد بهاء الدين كان عادلا فى أحكامه وقراراته، وموضوعى فى النشر، لافتا إلى قصة مثيرة للدهشة: «بعد نجاح السادات فى تحجيم اليسار تكونت فى دار الهلال مجموعة من الكتاب تتهم زملائهم بالعمالة للاتحاد السوفيتى، لم تكتف باتهامات علنية وانما كتبتها فى مقالات طلبت نشرها، لكن أحمد بهاء الدين كان يشطب ما يسئ إلى صحفيين أبرياء، والغريب أنه كان يكتب على البروفات حيثيات الشطب، كثرت الحيثيات حتى بلغت حجم كتاب اقترح هيكل نشره قائلا: تعليقاتك على المقالات أمتع من المقالات نفسها.
وأضاف حمودة « ندمت كثيرا أننى لم أقترب من أحمد بهاء الدين إلا قليلا، هو من تكرم واتصل بى حتى أزوره فى بيته بعد أن لفتت كتابتى نظره، وأكثر من مرة كنا نتابع معا خطابا للسادات أو خطابا لمبارك، كان يسألنى رأيى، لكن كنت أفضل سماع رأيه، على أننى عرفت الكثير عنه من أحد تلاميذه الأوفياء هو مصطفى نبيل، فقد نشر مصطفى نبيل كتابا ممتعا بعنوان "فى صحبة أحمد بهاء الدين" رسم له فيه بورتريه شخصى ومهنى ونفسي».
وأشار إلى أن إلى أن مصطفى نبيل يقول: «رأيته مختلفا عن غيره من أساطين الصحافة المصرية، رأيته نغمة جديدة وصوت خاص وروح شابة ونظرة عقلانية للحياة، لم يبخل بتقديم خبرته ومعارفه إلى الأجيال الجديدة، بل كان يدعوهم إلى بيته، وكلما قرأ مقالا أو تحقيقا بحث عن هاتف كاتبه وتحدث معه مظهرا إعجابه بما كتب.
وأوضح أن أحمد بهاء الدين لم يتورط فى الهجوم على صحفى أو التنكر له إذا ما غضبوا عليه، وهو نقيب للصحفيين بعد هزيمة يونيو جاء إليه سعيد سنبل مدير تحرير الاخبار ناقلا تذمر الصحف من انفراد هيكل بالأخبار التى يخصه بها جمال عبد الناصر، وارتفعت نغمة الهجوم على هيكل وطالب أعضاء مجلس النقابة اجتماعا لمناقشة الموقف.
تابع حمودة: إذا كنتم تريدون اجتماعا نهاجم فيه هيكل فأنا غير مستعد لذلك، ولو أن كل واحد منا فى مكان هيكل وحصل على اخبار هل كان سيوزعها على باقى الصحف؟ لو كنتم مستعدين لأن نتجه بالاحتجاج إلى الرئيس جمال عبد الناصر الذى يخص الأخبار صحيفة دون أخرى فأنا مستعد، مضيفا أن بهاء الدين كتب رسالة إلى عبد الناصر طالب فيها برفع الرقابة على الصحف وترك حرية المنافسة للصحف دون انحياز لصحيفة ما.
وأشار إلى أن عرف بهاء الدين أن عبد الناصر قرأ المذكرة ووافق على ما فيها ولكنها ظروف طارئة يرجو أن تتغير بسرعة، وقويت علاقة هيكل وبهاء الدين منذ عام 1990 منذ ذلك الوقت كان هيكل دائم السؤال على بهاء الدين خاصة فى الأزمات الصحية التى تعرض لها، وكانت العلاقة بينهما إنسانية وعائلية، وظل هيكل يسأل عن عائلة بهاء الدين حتى بعد وفاته.
وقال أن أحمد بهاء الدين لم يدخل طرفا فى الصراع الذى دار بين هيكل ومصطفى وعلى أمين، بعد حرب أكتوبر أفرج السادات عن مصطفى أمين بعفو صحى، وعاد شقيقه التوأم على أمين بعد سنوات من الغربة قضاها فى بيروت ولندن، والمثير للاستغراب أن السادات اختار على أمين رئيسا لتحرير الأهرام خلفا لهيكل، وفى ذلك الوقت كان بهاء الدين رئيسا لمجلس الإدارة.
وأوضح حمودة أن بهاء الدين كانت تربطه علاقة صداقة شخصية بعلى أمين، وكان الناس إذا ذهبوا إلى لندن يتحاشونه خوفا، ووعندما ذهبت أول مرة إلى لندن عرفت من صديق أن على أمين يريد أن يرانى، اقترح الصديق أن نتعشى فى بيته بعيدا عن الأنظار، واتصلت تليفونيا بعلى أمين وقلت له أننى تعودته كريما وعليه أن يدعونى إلى العشاء، واخترت العشاء فى مطعم حتى أراه علنا وأمام الناس وليس فى الخفاء، لكن تلك الصداقة لم تمنع رفض بهاء الدين لأسلوب على أمين فى تحرير الأهرام، رفض أن تكون نسخة من اخبار اليوم.
وأشار إلى أن أحمد بهاء الدين كان يرى أن رئاسة المؤسسات الصحفية يجب أن تكون لـ مدير إدارى فى الدرجة الأولى وعلى أعلى مستوى، أما الصحفى فيكفى أن يكون رئيس تحرير فقط، ونقل السادات الاقتراح إلى جمال عبد الناصر الذى كان يرفض ذلك نهائيا، كان يقول للسادات: قل لبهاء ينسى هذا الموضوع تماما، كان عبد الناصر يرى رئيس مجلس إدارة مؤسسة صحفية ليس كرئيس مجلس إدارة الحديد والصلب، ومنصب رئيس مجلس إدارة صحفية منصب سياسى فى الدرجة الأولى وإن كان اسمه رئيس مجلس إدارة، ولم يجد بهاء الدين وسيلة للتخلص من أعباء الإدارة عندما كان رئيسا لمجلس إدارة دار الهلال سوى الاستقالة، بل أكثر من ذلك بحث عن وظيفة فى اليونسكو ولو لمدة سنيتن يقضيهما فى باريس.