الطائفة الإنجيلية: نشجب وندين كل محاولات ازدراء مقدسات الآخرين بأي شكل

الإثنين، 14 أغسطس 2023 08:31 م
الطائفة الإنجيلية: نشجب وندين كل محاولات ازدراء مقدسات الآخرين بأي شكل الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر
كتب: محمد الأحمدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قال الدكتور القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر إن معالجة أى قضية يجب أن تبدأ أولًا بتعريف مصطلحاتها؛ فى تعريف المصطلح تتكشف أمامنا كافة الأبعاد، ويتكون لدينا إدراكٌ لمحتوى القضية التى نناقشها، وإدراك الفرق بين المصطلحات التى قد تبدو مترادفةً أو يتم استخدامها فى غير سياقها.

وتابع أن تعريف السلام ينطوى على العديد من الأبعاد والمستويات؛ فإن كان التعريف اللغوى يشير إلى غياب العنف، فأعتقد أن احتياجات مجتمعنا فى هذه الآونة تتجاوز هذا التعريف، من حيث فهمنا لمعنى العنف، ويجب أن نضع فى اعتبارنا أن معنى العنف يشمل العنف اللفظى والمعنوى إلى جانب العنف البدنى، وعلى المستوى المجتمعى يمكن تعريف خطاب الكراهية باعتباره شكلًا من أشكال العنف اللفظى. لهذا فإن فهمنا لمعنى السلام يجب أن يشتمل على أبعاد أخرى؛ مثل الاستقرار،  والاتفاق المجتمعى واحترام القانون وتحقيق الرفاهة الاجتماعية. كل هذه الأبعاد لا غنى عنها فى تعريفنا لمفهوم السلام.

وتابع لقد ترك لنا تراكم خبرات العقود الماضية وعيًا شاملًا وإدراكًا جامعًا لدور الدين فى المجتمع فالدين مكوِّن رئيس من مكوِّنات المجتمع، ويشكِّل عنصرًا مهمًّامن عناصر هوية أى مجتمع، لكن هذا لا يعنى الدعوة إلى تديين المجال العام أو تحويل الدين إلى أيديولوجية أو استخدامه سياسيًّا، أو توظيفه بأى شكل من الأشكال؛ فهذا من شأنه أن يُبعِد الدين عن أهدافه الأساسيَّة السَّامية.

 ودعونا هنا نفرق أيضًا بين "الدين" و"الفكر الديني"؛ فالدين منظومة إيمانية جاءت فى نصوص مقدَّسة يؤمن بها الإنسان ويكوِّن من خلالها علاقةً مع الخالق، أما الفكر الدينى فهو اجتهادات وتأويلات تحاول تفسير النصوص الدينية؛ وهذه نشاطات فكرية بشرية، خاضعة للمراجعة واختلاف الآراء والرؤى والتوجهات الفكرية، ولا ينبغى -بأى حال من الأحوال- أن تكون هذه الاختلافات مدعاةً للصراع أو النزاع أو التقليل من شأن الآخر.

 

وذكر أنه من حيث المبدأ، فإن جميع الأديان تدعو إلى السلام، والمحبة، وتماسك المجتمع، واحترام الآخر، وجميع هذه القيم المجتمعية، وبناءً على هذا فالنصوص الدينية المقدسة نقطة انطلاق عظيمة لبناء السلام المحلى والدولى. لكن تكمن المشكلة الحقيقيَّة فى هذا الشأن فى صناعة الفكر الدينى المتطرف بما يتضمنه من تفسيرات للنصوص المقدسة تكون إما مُوجَّهة أو مبتورة من سياقها أو تحمل أيديولوجيَّةً.

وأوضح أن الفكر الدينى المتسامح هو ما يعكس القِيَمَ الحقيقيَّةَ الأصيلة للأديان. وهذا دور المؤسسات الدينية فى الاهتمام بالتعليم الدينى الذى ينشئ عقليةً تستوعب الاختلاف وتحترمه، وتسعى دائمًا لبناء الجسور مع الآخر.

ومن إحدى إشكاليات صناعة الفكر الدينى وتقديمه فى وقتنا هذا أنه لم يعد مقتصرًا على المتخصصين من دارسى الفقه واللاهوت، لكنه امتد أيضًا لصنَّاع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعى، وربما يحظى صناع المحتوى بتأثير كبير بين النشء والشباب من مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى،والإشكالية الحقيقية فى هذا الأمر هو احتمالية انحراف بعضهم فى الفكر إلى مهاجمة العقائد والأديان، وخلق حالة من الاحتقان والعنف اللفظى وشيوعخطاب الكراهية، والتى قد تشكِّل خطورةً على التسامح والتماسك المجتمعى.

وذكر: ويخلط مثيرو دعاوى الكراهية بين ترويج خطاب الكراهية والاستهزاء بمعتقدات الآخرين وبين حرية الرأى والتعبير؛ لهذا يقتضى الأمر خلق حالة من التوازن وإدراك التعريف الدقيق والفرق الواضح بين حرية التعبير واحترام العقائد ومواجهة خطاب الكراهية حتى لا يُستَخدم أى من هذه المصطلحات خارج سياقه.

وأكد أنه فى هذا السياق، أودُّ أن أشجب وأدين كل محاولات الازدراء بمقدسات الآخرين؛ بأى شكل أو أى طريقة. ومع احترامى لحرية التعبير؛ فالحرية تقف حدودها عند حرية الآخرين واحترام مقدساتهم ومعتقداتهم، لهذا أعلن رفضى القاطع لكل دعاوى حرق الكتب المقدسة لما فيها من إساءة للمقدسات وتعدٍّ وعنف ضد معتقدات الآخرين، لذا دعونا نؤكد مرارًا وتكرارًا: أن خطاب الكراهية هو نوعٌ من العنف اللفظى ولا يمكن أن يكون حرية تعبير، ويمكن للدين إذن -بل ويجب- أن يشكِّل جسرًا بين أفراد المجتمع من خلال التمسك بالقِيَمِ الإنسانية الراقية التى نادت بها الأديان وتعزيز الحوار البنَّاء بين أتباع الأديان والذى من شأنه أن يخلق حالة من السلام والتماسك المجتمعى، والحوار هنا ليس حوارًا فقهيًّا- لاهوتيًّا.

 

ويمتد إلى حوار الحياة المشتركة والاتحاد سويًّا فى مواجهة التحديات التى يواجهها المجتمع، فالمؤسسات الدينية (الجامع والكنيسة) ليست جزيرة منعزلة عن المجتمع إنما هى جزء منه لا تقدر أن تنفصل عنه. والحوار والتعاون بين المؤسسات الدينية سيكون له دور كبير فى تحقيق السلام المجتمعى، على أن تكون ثمار هذا الحوار واضحة لرجل الشارع.

وأردف: ثمة عوامل عديدة تسهم فى إنجاح الحوار وتعزِّز تأثيره خاصةً لدى رجل الشارع؛ أهم هذه العوامل:

- قراءة النص الدينى قراءة معاصرة؛ بمعنى الاهتمام بقراءة النصوص الدينية فى إطار خلفياتها التاريخية والتعرف على المتلقى الأول للنصوص،

- ثم محاولة استكشاف ما يقوله النص الدينى فى الوقت الحالى. مما يشكل بدوره توجهات فقهية ولاهوتية داعمة للحوار.

- وهذا أحد الأدوار الأهم المنوطة بها المؤسسات الدينية. يسهم هذا فى تمهيد أرضية مشتركة للحوار والتعاون فى التعامل مع قضايا مشتركة، كالمواطن التعددية والعيش المشترك، كما يسهم فى مواجهة فاعلة لخطاب الكراهية، سعيًا إلى تحقيق السلام المجتمعى والإنسانى.

وهنا يأتى دور الإعلام فى توسيع المجال أمام الأفكار المعتدلة، خاصةً أن منابر الإعلام أصبحت عديدةً وذات فاعلية وتأثير كبيرين على الأغلبية العظمى من المواطنين، مع انتشار منصات التواصل الاجتماعى بمختلف تطبيقاتها ومواقعها، وما لمسناه خلال العقد الماضى من قدرة فائقة على نقل توجهات الشارع والآراء السياسية والتطورات الاجتماعية داخل المجتمع، بل والأبعد من ذلك لعب دور المحرك للمجتمع.

وأوضح أن بناء السلام -محليًّا ودوليًّا- عملية تحتاج إلى وقت فعلى المستوى الدولى تتسم الظروفُ العالميَّةُ الراهنةُ بعدم الاستقرار السياسى والاقتصادى، وعلى المستوى المحلى، أرى أن خلال العقد الماضى ساهمت الدولة المصرية بخطوات كبيرة فى دعم السلام المجتمعى، لكن لا يزال أمامنا الكثير لإنجازه فى هذا المجال، والدين -باعتباره مكونًا رئيسًا له مكانة راقية فى وجدان المصريين- هو أحد الفرص العظيمة لدفع بلادنا إلى الأمام والتعامل مع مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية التى تواجهها بلادُنا، وتعظيم الفرص والإمكانات المتاحة للتنمية المستدامة.

وهذا هو دور مثل هذه اللقاءات التى يجتمع فيها قادة الفكر والمسؤولون لتبادل الأفكار والرؤى والوصول إلى توصياتٍ تساهم فى دعم السلام المجتمعى.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة