وقعت في سنة 276 هجرية العديد من الأحداث، لكنها لم تكن بالأحداث الخطيرة، ويمكن القول أنها في المجمل كانت من السنوات الهادئة، فما الذي يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير "ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائتين":
فى المحرم منها أعيد عمرو بن الليث إلى شرطة بغداد وكتب اسمه على الفرش والمقاعد والستور، ثم أسقط اسمه عن ذلك وعزل وولى عبيد الله بن طاهر.
وفيها: ولى الموفق لابن أبى الساج نيابة أذربيجان.
وفيها: قصد هارون الشارى الخارجى مدينة الموصل فنزل شرقيها فحاصرها، فخرج إليه أهلها فاستأمنوه فأمنهم ورجع عنهم.
وفيها: حج بالناس هارون بن محمد العباسى أمير الحرمين والطائف، ولما رجع حجاج اليمن نزلوا فى بعض الأماكن، فجاءهم سيل لم يشعروا به ففرقهم كلهم لم يفلت منهم أحد فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وذكر ابن الجوزى فى منتظمه وابن الأثير فى كامله: أن فى هذه السنة انفرج تل بنهر الصلة فى أرض البصرة يعرف بتل بنى شقيق عن سبعة أقبر فى مثل الحوض، وفيها سبعة أبدان صحيحة أجسادهم وأكفانهم يفوح منهم ريح المسك، أحدهم شاب وله جمة وعلى شفته بلل كأنه قد شرب ماء الآن، وكأن عينيه مكحلتان، وبه ضربة فى خاصرته، وأراد أحدهم أن يأخذ من شعره شيئا فإذا هو قوى الشعر كأنه حى فتركوا على حالهم.
وممن توفى فيها من الأعيان: أحمد بن حازم بن أبى عزرة الحافظ، صاحب المسند المشهور له حديث كثير وروايته عالية.
وفيها توفي:
بقى بن مخلد
أبو عبدالرحمن الأندلسى الحافظ الكبير، له المسند المبوب على الفقه، روى فيه عن ألف وستمائة صحابي، وقد فضله ابن حزم على مسند الإمام أحمد بن حنبل، وعندى فى ذلك نظر، والظاهر أن مسند أحمد أجود منه وأجمع.
وقد رحل بقى إلى العراق فسمع من الإمام أحمد وغيره من أئمة الحديث بالعراق وغيرها يزيدون على المائتين بأربعة وثلاثين شيخا، وله تصانيف أخر، وكان مع ذلك رجلا صالحا عابدا زاهدا مجاب الدعوة، جاءته امرأة فقالت: إن ابنى قد أسرته الإفرنج، وإنى لا أنام الليل من شوقى إليه، ولى دويرة أريد أن أبيعها لأستفكه، فإن رأيت أن تشير على أحد يأخذها لأسعى فى فكاكه بثمنها، فليس يقر لى ليل ولا نهار، ولا أجد نوما ولا صبرا ولا قرارا ولا راحة.
فقال: نعم انصرفى حتى أنظر فى ذلك إن شاء الله.
وأطرق الشيخ وحرك شفتيه يدعو الله عز وجل لولدها بالخلاص من أيدى الفرنج، فذهبت المرأة فما كان إلا قليلا حتى جاءت الشيخ وابنها معها فقالت: اسمع خبره يرحمك الله.
فقال: كيف كان أمرك؟
فقال: إنى كنت فيمن نخدم الملك ونحن فى القيود، فبينما أنا ذات يوم أمشى إذ سقط القيد من رجلي، فأقبل على الموكل بى فشتمنى وقال: لم أزلت القيد من رجليك؟
فقلت: لا والله ما شعرت به ولكنه سقط ولم أشعر به، فجاؤوا بالحداد فأعادوه وأجادوه وشدوا مسماره وأبدوه، ثم قمت فسقط أيضا فأعادوه وأكدوه فسقط أيضا، فسألوا رهبانهم عن سبب ذلك فقالوا: له والدة؟
فقلت: نعم، فقالوا: إنها قد دعت لك وقد استجيب دعاؤها أطلقوه، فأطلقونى وخفرونى حتى وصلت إلى بلاد الإسلام.
فسأله بقى بن مخلد عن الساعة التى سقط فيها القيد من رجله فإذا هى الساعة التى دعا فيها الله له ففرج عنه.
صاعد بن مخلد الكاتب كان كثير الصدقة والصلاة، وقد أثنى عليه أبو الفرج بن الجوزي، وتكلم فيه ابن الأثير فى كامله، وذكر أنه كان فيه تيه وحمق، وقد يمكن الجمع بين القولين والصفتين.
ابن قتيبة
وهو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى ثم البغدادي
أحد العلماء والأدباء والحفاظ الأذكياء، وقد تقدمت ترجمته، وكان ثقة نبيلا، وكان أهل العلم يتهمون من لم يكن فى منزله شيء من تصانيفه، وكان سبب وفاته: أنه أكل لقمة من هريسة فإذا هى حارة فصاح صيحة شديدة ثم أغمى عليه إلى وقت الظهر، ثم أفاق ثم لم يزل يشهد أن لا إله إلا الله إلى أن مات وقت السحر أول ليلة من رجب من هذه السنة، وقيل: إنه توفى فى سنة سبعين ومائتين، والصحيح فى هذه السنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة