وقعت في سنة 277 هجرية العديد من الأحداث، لكنها بالمجمل لم تكن سنة مقلقة ولا خطيرة، فما الذي جرى وما الذي يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير تحت عنوان " دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين":
فيها خطب يازمان نائب طرسوس لخمارويه، وذلك أنه هاداه بذهب كثير وتحف هائلة.
وفيها: قدم جماعة من أصحاب خمارويه إلى بغداد.
وفيها: ولي المطالم ببغداد يوسف بن يعقوب، ونودي في الناس: من كانت له مظلمة ولو عند الأمير الناصر لدين الله الموفق، أو عند أحد من الناس فليحضر.
وسار في الناس سيرة حسنة، وأظهر صرامة لم ير مثلها.
وحج بالناس الأمير المتقدم ذكره قبل ذلك.
وفيها توفي:
أحمد بن عيسى
أبو سعيد الخراز أحد مشاهير الصوفية بالعبادة والمجاهدة والورع والمراقبة، وله تصانيف في ذلك وله كرامات وأحوال وصبر على الشدائد، وروى عن إبراهيم بن بشار صاحب إبراهيم بن أدهم وغيره، وعنه على بن محمد المصري وجماعة.
ومن جيد كلامه: إذا بكت أعين الخائفين فقد كاتبوا الله بدموعهم.
وقال: العافية تستر البر والفاجر، فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال.
وقال: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل.
وقال: الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت حاضر.
وقال: ذنوب المقربين حسنات الأبرار.
وقال: الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا مع القضاء تسليم.
وقد روى البيهقي بسنده إليه: أنه سئل عن قول النبي ﷺ: «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها».
فقال: يا عجبا لمن لم ير محسنا غير الله كيف لا يميل إليه بكليته؟
قلت: وهذا الحديث ليس بصحيح، ولكن كلامه عليه من أحسن ما يكون.
وقال ابنه سعيد: طلبت من أبي دانق فضة فقال: يا بني اصبر فلو أحب أبوك أن يركب الملوك إلى بابه ما تأبوا عليه.
وروى ابن عساكر عنه قال: أصابني مرة جوع شديد فهممت أن أسأل الله طعاما فقلت: هذا ينافي التوكل فهممت أن أسأله صبرا فهتف بي هاتف يقول:
ويزعم أنه منا قريب ** وأنا لا نضيع من أتانا
ويسألنا القرى جهدا وصبرا ** كأنا لا نراه ولا يرانا
قال: فقمت ومشيت فراسخ بلا زاد.
وقال: المحب يتعلل إلى محبوبه بكل شيء، ولا يتسلى عنه بشيء يتبع آثاره ولا يدع استخباره، ثم أنشد:
أسائلكم عنها فهل من مخبر ** فمالي بنعمى بعد مكة لي علم
فلو كنت أدري أين خيم أهلها ** وأي بلاد الله إذ ظعنوا أموا
إذا لسلكنا مسلك الريح خلفها ** ولو أصبحت نعمى ومن دونها النجم
وكانت وفاته في هذه السنة، وقيل: في سنة سبع وأربعين، وقيل: في سنة ست وثمانين والأول أصح.
أبو حاتم الرازي
محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الحنظلي الرازي، أحد أئمة الحفاظ الأثبات العارفين بعلل الحديث والجرح والتعديل، وهو قرين أبي زرعة رحمهما الله، سمع الكثير وطاف الأقطار والأمصار، وروى عن خلق من الكبار، وعنه خلق منهم الربيع بن سليمان، ويونس بن عبد الأعلى وهما أكبر منه.
وقدم بغداد وحدث بها، وروى عنه من أهلها إبراهيم الحربي وابن أبي الدنيا والمحاملي وغيرهم.
قال لابنه عبد الرحمن: يا بني مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ، وذكر أنه لم يكن له شيء ينفق عليه في بعض الأحيان، وأنه مكث ثلاثا لا يأكل شيئا حتى استقرض من بعض أصحابه نصف دينار، وقد أثنى عليه غير واحد من العلماء والفقهاء، وكان يتحدى من حضر عنده من الحفاظ وغيرهم، ويقول: من أغرب علي بحديث واحد صحيح فله علي درهم أتصدق به.
قال: ومرادي أسمع ما ليس عندي، فلم يأت أحد بشيء من ذلك، وكان في جملة من حضر ذلك أبو زرعة الرازي.
كانت وفاة ابن أبي حاتم في شعبان من هذه السنة.