لبى السفير المصرى فى سوريا محمود رياض، «وزير الخارجية وأمين عام جامعة الدول العربية فيما بعد»، الدعوة لتناول العشاء بدار السياسى السورى البارز خالد العظم فى «دمر» خارج العاصمة دمشق، وكان هناك عدد من الوزراء السوريين فى نفس العشاء يوم 26 يوليو عام 1956، حسبما يذكر محمود رياض فى الجزء الثانى من مذكراته «الأمن القومى العربى بين الإنجاز والفشل».
يتذكر «رياض»: «جلسنا فى حديقة الدار، وكان نهر بردى على بعد خطوات منا يلطف حرارة الجو، ولاحظت أن خالد العظم وضع بجواره جهاز الراديو، وذكر أنه يحضره لأنه يعلم بأننا جميعا نرغب فى الاستماع إلى خطاب عبدالناصر، الذى اعتاد أن يلقيه كل عام فى الإسكندرية بمناسبة مغادرة الملك فاروق مصر».
يضيف «رياض»: «عندما بدأ عبدالناصر فى إلقاء خطابه، تبين أنه لم يوجهه إلى شعب مصر وحده، إنما كان يخاطب العالم العربى وهو يسرد دور الصهيونية ودور الدول الاستعمارية فى المنطقة، وبدأت ألاحظ مدى تأثير الخطاب على السامعين، فكانت الابتسامة تعلو الوجوه عندما يسخر من الدول الاستعمارية الكبرى، ثم يتحولون إلى الإنصات عندما يشير إلى محاولات الدول الاستعمارية لإذلال الدول العربية، وما قدموه من مساعدات لإسرائيل لتمكينها من اغتصاب الأراضى العربية فى فلسطين».
وفيما كانت النخب السياسية السورية على هذا النحو من الاهتمام الذى يذكره «رياض»، كان الشعب السورى على نفس الدرجة، حسبما يؤكد الدكتور عبدالله فوزى الجناينى، فى كتابه «ثورة يوليو والمشرق العربى»، قائلا: «احتشد الآلاف من أبناء الشعب السورى حول أجهزة الراديو فى المحال العامة والمقاهى والبيوت ينصتون باهتمام إلى الخطاب، ولما وصل عبدالناصر فى خطابه إلى تأميم قناة السويس، دوت هذه الأماكن بالهتاف والتصفيق الحاد، وخرجت مظاهرات عدة بشوارع دمشق هاتفة بحياة عبدالناصر».
يتذكر «رياض»: «فى اليوم التالى لم ينقطع الزوار سواء فى مكتبى صباحا أو فى منزلى مساء، والكل يتغنى بشجاعة عبدالناصر وجرأته، ويرون أن هذا القرار استعاد للعرب كرامتهم، وعندما تزايد الاستعداد البريطانى العسكرى فى المنطقة، عقدت اجتماعات مطولة مع بعض القادة السوريين بغرض تنظيم تحرك شعبى حتى تشعر بريطانيا بخطورة تحركها، وتشكلت لجنة تضم عددا كبيرا من النواب من كل الأحزاب، ودعت باسم الشعب السورى كل الشعوب العربية إلى مناصرة مصر، ونظمت اللجنة اجتماعا شعبيا فى يوم 14 أغسطس 1956 فى الملعب الرئيسى للبلدية فى دمشق، وتحول الاجتماع إلى مظاهرة شعبية ضخمة حضرها أكثر من مائة ألف شخص، وكانت الهتافات تدوى: «علم واحد، شعب واحد، وطن واحد».
ويذكر «الجناينى» شكل وخطوات التضامن السورى مع مصر حتى بلغ ذروته فى 16 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1956، قائلا: «أعرب الكثير من السوريين عن رغبتهم فى التطوع للدفاع عن القناة، إذا ما شن الغرب حربا على مصر، إذ بلغ عدد الطلبات التى قدمت فى هذا الشأن حتى يوم 15 أغسطس ما يربو على 20 ألف طلب، كما وقع أكثر من 50 نائبا سوريا يمثلون مختلف الأحزاب والكتل السياسية عريضة رفعوها إلى رئيس الأركان العامة للجيش السورى، مطالبين فيها بالانضمام إلى منظمات المقاومة الشعبية، وتدريبهم على حمل السلاح، وأبدوا جميعا رغبتهم فى السفر إلى مصر ليكونوا إلى جانب أشقائهم المصريين لذود عن القناة».
يؤكد «الجناينى» أن المرأة السورية لم تتخلف عن التضامن مع مصر، ويذكر: «وردت إلى السفارة المصرية برقيات عدد من أعضاء الاتحاد النسائى العربى السورى يؤيدن القرار، ويباركن خطى عبدالناصر، وسجلت نحو مائتى امرأة من أعضاء الاتحاد قيدن أسماءهن فى سجلات التطوع للدفاع عن قناة السويس».
يضيف «الجناينى»: «أيد خطباء المساجد ما جاء فى خطاب عبدالناصر بشأن تأميم القناة، وأصدر الشيخ أبواليسر عابدين المفتى العام للجمهورية السورية فتوى بإعلان «الجهاد المقدس» للدفاع عن القناة»، وبلغت حركة التأييد الشعبى أوج قوتها فى 16 أغسطس، وفقا لتأكيد «الجناينى» مضيفا: «لبى الجميع دعوة اللجنة السورية لنصرة مصر، فشهدت سوريا إضرابا عاما وشاملا، تضامنا مع الشعب المصرى، واستنكارا لعقد مؤتمر لندن، فأغلقت جميع المحال والمتاجر، وتوقفت المصانع وجميع الشركات والمؤسسات الحكومية والأهلية عن العمل، وعطلت حركة الملاحة فى المطارات والموانئ البحرية لإضراب العمال فيها، وفى الساعة الثانية عشرة ظهرا «لحظة افتتاح المؤتمر» وقف الآلاف من السوريين 5 دقائق حدادا على ما أطلقوا عليه «اغتيال الحرية»، واندلعت المظاهرات فى دمشق وحمص وحلب وغيرها من المدن السورية مؤيدة مصر وعبدالناصر، وأعرب المتظاهرون عن استعدادهم للتطوع للدفاع عن القناة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة