تمر اليوم ذكرى إلقاء قنبلة "الولد الصغير" الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، في واحدة من أسوء فصول الحرب العالمية الثانية، فما الذي تم، وكيف اتخذ الأمريكان القرار المدمر؟
يقول كتاب "الأسلحة النووية.. مقدمة قصيرة جدا" لـ جوزيف إم سيراكوسا ترجمة محمد فتحى خضر، والصادر عن "هنداوى":
صارت الولايات المتحدة تملك في ترسانتها سلاحًا ليس له مثيل من حيث التدمير، بل إن ستيمسون اقترح أن هذا السلاح من شأنه أن يخلق "علاقة جديدة بين الإنسان والكون"، واتفق مستشارو ترومان على أن القنبلة الذرية قادرة على إنهاء الحرب في المحيط الهادي، لكنهم اختلفوا حول أفضل السبل لاستخدامها، وهنا تكمن المفارقة، فالعلماء الذين طوروا القنبلة كانوا يريدون استخدامها ضد النازيين، وشعروا بالجزع الشديد حين علموا أنها ستُستخدَم ضد اليابان.
وقد اقترح البعض إظهار قدرات القنبلة من خلال تفجيرها في منطقة غير مأهولة، فيما نادى آخرون بأنها يجب أن تُستخدَم ضد القوات البحرية اليابانية ولا ينبغي استخدامها مطلقًا ضد المدن اليابانية، بل وذهب البعض إلى أن المقصد ليس هزيمة اليابان بقدر ما هو توظيف "الدبلوماسية الذرية" ضد الاتحاد السوفييتي، وضرب المثل من أجل تيسير التعامل معه في شرقي ووسط أوروبا بعد انتهاء الحرب.
وبعد تدارس المقترحات المتعددة، خلص ترومان إلى أن السبيل الوحيد لتقصير زمن الحرب — وفي الوقت ذاته تجنُّب غزو اليابان — هو استخدام القنبلة ضد المدن اليابانية، وبعد الساعة الثامنة والربع بقليل صبيحة يوم السادس من أغسطس ١٩٤٥، ألقَتْ قاذفة وحيدة من طراز "بي-٢٩" تُدعَى "إينولا جاي" قنبلةَ الولد الصغير فوق مدينة هيروشيما (عدد سكانها ٣٥٠ ألف نسمة)، ثاني أهم المراكز الصناعية والعسكرية في اليابان؛ مما تسبب على الفور في مقتل ما بين ٨٠ و١٤٠ ألف شخص، وإلحاق إصابات خطيرة بمائة ألف آخرين أو أكثر، كانت تلك أول قنبلة يورانيوم ٢٣٥ (تلك القنبلة التي لم تُختبَر من قبل قط)، وكانت ذات قوة تفجيرية مقدارها ٢٠ ألف طن من مادة تي إن تي، وهي قدرة تافهة بدائية مقارنة بمعايير القنابل النووية الحرارية اللاحقة.
سحابة عيش الغراب ترتفع فوق هيروشيما
ومع ذلك، في تلك اللحظة الرهيبة، دُمِّر ٦٠ بالمائة من مدينة هيروشيما، أي ٤ أميال مربعة، وهي مساحة تُعَادل ثُمن مساحة مدينة نيويورك، وقُدِّرت حرارة الانفجار بأكثر من مليون درجة مئوية، وهو ما أضاء الهواء المحيط وشكَّل كرة نارية قطرها نحو ٨٤٠ قدمًا، وقد أفاد شهود عيان يبعدون أكثر من خمسة أميال بأن سطوع الانفجار فاق سطوع الشمس بعشر مرات، وشعر الناس بالانفجار على بعد ٣٧ ميلًا، وتهدَّم أكثر من ثلثيْ مباني مدينة هيروشيما، وتسببت مئات الحرائق المشتعلة والموجة الحرارية للانفجار مجتمعة في إنتاج عاصفة نارية أحرقت كل ما كان موجودًا في مساحة محيطها ٤٫٤ أميال من مركز الانفجار مُحِيلةً إياه إلى رماد، واختفت هيروشيما تحت زبد فائر من اللهيب والدخان.