ألتقينا في الصباح, كان الزحام شديد, والجو دافيء, والأقدام السائرة تهرول, كأنها على ميعاد, وقد تأخرت. مشينا بخطوات وئيدة, كانت خائفة تتمهل, تنطلق عينيها في كل مكان, وجهها له حمرة خوف وخجل, أخترنا مكانا متطرفا, بعيدا عن العيون, جلسنا, نظرت في الماء, الذي يجري من أمامنا, نظرة طويلة, كانت ساهمة, يبدو عليها الشرود, فيما تفكر؟ لا أدري, ولكني أظن, أنه ضميرها يوبخها, إنها حائرة بين قلبها وواجبها, بين أن تترك نفسها لمشاعرها المفقودة, والتي أذابتها الأيام, حتى نسيتها تماماً, وهي تبدو لها على بعد خطوات قصيرة, حتى تعيد الشعور به. دائما ما تنغص على نفسها لحظات السعادة, كأنها أدمنت لحظات الشقاء, لتمتد إلى أعوام, وإلى عمر كامل. تسير أمامه, بخطى فيها شيء من الدلال, تريد أن تكون مرغوبة, تتطلع لها العيون, تأكلها وتفترسها, إن هذا الشعور يمتعها, ويجعلها سعيدة, وتزهو بنفسها, جلسا على أريكة, في نهاية الممر, طلبا الشاي, ثم بدا عليها الشرود ثانية, ولكن فيما يتحدثان؟ إنه ليس من حقهما أن يعترفا بما في قلوبهم, فكل قلب هو ملك لغيره, هما في الحقيقة لم يمتلكا سوى الوهم, يعيشان عليه, ويرويان نفسهما من ماء مالح, لا يروي ظمأ, ولا يُشفي غُلة, تطلعت إليها, كانت عينيها الكحيلتين, على شفا جرف من الإعتراف والبكاء, كانت تريد أن تبكي, أن تصرخ في وجه الهواء, القائم بيننا, في وجه الحياة, وتتسآل لماذا؟ لكنها لم تجرأ على فعل ذلك, جاء الشاي, كم ملعقة سكر؟ سألتها. قالت: اثنتين, قلبت الشاي, وضعت عود من النعناع فيه؛ لتهدأ أعصابها المتوترة, يبدو عليها القلق, إنه ينهش فيها, ويربكها ويجعلها تشرد بعيدا, لماذا أنت خائفة؟ إن بيننا وبين من تخافينه مسافات, لماذا يساورك القلق بهذه الصورة المخيفة؟ ابتسمت لها, لعلها تطمئن قليلا, أبتسمت في وجل, أمسكت بيديها, ضغط عليها برفق, قالت: إنها ليست مراهقة, كي لا يظن بها الظنون, تباطئت في الحديث, كانت كلماتها متقطعة, نفسها قصير, كان الشقاء حليفها منذ نعومة أظفارها, لم تنعم بالراحة والأمان, كان الخوف هو القاعدة الأساسية في حياتها, وحيدة رغم ما يحيط بها من الأقارب, كانت عينيها مغرورقتان بالآسى والحزن, أقتربت مني, كانت تحتاج إلى أن تُلقي بنفسها بين ذراعي, أن تُلقي برأسها على كتفي, ولكنني لم أكن أريد أن أتلقها على صدري, في أول لقاء بيننا, قبلت رأسها ونحيتها قليلا, بحثت عن ذراعي, فلم تجدهما, تحدثت عن حياتها الأولى, وعن ظروف زواجها, عن الحب الذي كانت تبحث عنه, وانتظارها ما لم يجيء.