يظل محمود سعيد واحدًا من أكثر الفنانين العرب المعاصرين رواجًا في العالم؛ وتعتبر أعماله من الركائز الأساسية للفن المصري في القرن العشرين وقد طرحت دار سوثبي للمزادات عام 2021 اللوحة الأيقونية والفريدة من نوعها التي تعود لعام 1949 بعنوان ب"Le Pirée a l'aube" بسعر يتراوح بين 300 إلى 400 ألف جنيه استرلينى وبيعت في النهاية بشعر 400 ألف جنيه استرلينى واعتبرتها تحفة فنية نادرة، تصور مشهدًا صناعيًا استثنائيًا في اليونان لميناء بيريوس، يمثل بقوة انطباعات التأثير الأوروبي لسعيد، بعد أسفاره في عشرينيات القرن الماضي.
ولد محمود سعيد لعائلة أرستقراطية في الإسكندرية، عام 1897 إذ كان والده محمد سعيد باشا رئيس وزراء مصر تحت الحماية البريطانية، وابنة أخته صافيناز ذو الفقار، المعروفة بالملكة فريدة، الى تزوجت من الملك فاروق الأول ملك مصر عام 1938 ويعتبر محمود سعيد مؤسس الفن المصري الحديث في زمن النهضة الفكرية، ويحتفل به حتى يومنا هذا باعتباره سيدًا ورائدًا مصريًا.
وعلى الرغم من أن خلفية سعيد الأرستقراطية لم تكن السبب وراء الاعتراف العالمي والأهمية التاريخية التي يحملها عبر تاريخ الفن اليوم، إلا أن مكانته الاجتماعية مهدت الطريق لرحلاته إلى أوروبا، مما أثر على نظرته بشكل كبير وبالتالي على أعماله حيث كان يسافر كثيرًا إلى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وهولندا، حيث تعرف على أعمال الأساتذة القدامى وذخيرة واسعة من الجماليات الغربية.
وكانت أعمال البدائيين الفلمنكيين مثل جان فان إيك، وروجير فان دير فايدن وهانز ميملينج، إلى جانب الألوان النابضة بالحياة لرسامين عصر النهضة الإيطاليين الأوائل، مؤثرة بشكل خاص وإلى جانب أسفاره، حضر دورات في أكاديمية جوليان وجراند شومير المرموقة في باريس، وكان يتردد على استوديوهات الفنانين الأجانب الذين يعيشون في الإسكندرية.
بعد هذه الرحلات المكثفة والتكوينية، بالتزامن مع إحساسه بالقومية ومواهبه الفنية التي لا تقبل الجدل، سرعان ما أثبت سعيد نفسه كرائد للفن المصري ونظم معارض في القاهرة والإسكندرية ونيويورك وباريس وروما وشارك في معارض دولية في الإسكندرية والبندقية ومدريد
إن تأثير الروائع الغربية خلال رحلات سعيد الأوروبية مهم بشكل استثنائي وذو صلة بهذا العمل، ويشبه هذا العمل النادر عمل جورج سورات (1859-1891) الذي أصدره عام 1888، مؤسس المدرسة الانطباعية الجديدة الفرنسية في القرن التاسع عشر عندما قضى سورات صيف عام 1888 في قرية الصيد الصغيرة بورت أون بيسين، حيث رسم ستة مناظر للميناء البحري، بهدف ترجمة تألق وإضاءة الهواء الطلق، بجميع ظلاله، قدر الإمكان ويعكس سعيد شعورًا مشابهًا، حيث يشاركه هدفه المتمثل في ترجمة ظلال الطبيعة الحية من الضوء والألوان من خلال القماش، كما لو كان يحاول إيقاف الزمن تمامًا.
على غرار سورات، يوفر سعيد إحساسًا أكثر دقة بالعمق والمنظور لعمله من خلال دمج لعبة معقدة من الخطوط القطرية والأفقية والعمودية - كل ذلك مع الحفاظ على توازن متناغم بين العناصر المختلفة للتكوين. في Le Pirée a l'aube، نشهد الثبات الهندسي وغير المتماثل، الذي تم تصويره من خلال الخطوط المائلة للجبال، مقابل الخطوط المسطحة للأرصفة وانعكاسات البحر، والتي تتخللها بدورها مسارات السفن المستقيمة التي تقف عموديًا بثقة ، فقط لإطلاق عوادم الدخان المائل ويخفف الانبعاث من البناء الصارم، وتندمج نفحات الدخان السخية بهدوء، ولكن بشكل واضح في السماء الغائمة التي يمزقها الفجر والتي أخرجها سعيد إلى الوجود ببراعة.
في دراسات سعيد لتاريخ الفن الغربي، من المحتمل جدًا أنه صادف اللوحات الصناعية الشهيرة للورانس ستيفان لوري (1887-1976) حيث يمكن مقارنة Le Pirée a l'aube بالمناظر الطبيعية الصناعية ومناظر المدينة البانورامية التي رسمها لورانس ستيفان لوري طوال حياته المهنية.
قدمت أعمال لوري انطباعًا عامًا عن البيئة الحضرية، التي تهيمن عليها الصروح الشبيهة بالمدينة مثل المداخن المدخنة، مقارنة بالسفن المشتعلة السائدة في تحفة سعيد عام 1949 ويشارك سعيد قدرة لوري على تنظيم المواد الحضرية في تكوين متناغم من خلال إتقانه لموازنة الألوان والإضاءة والأشكال، مما يؤدي إلى موجة غير متوقعة من التفاؤل والهدوء من الناحية الأسلوبية.
لوحة محمود سعيد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة