هناك كتاب أثروا الحضارة الإنسانية بمؤلفاتهم فلا يعرف أحد القراءة والكتابة حتى يعرف أن شاعرا اسمه هوميروس ألف الإلياذة والأوديسة وقد كانت الملحمتان مؤثرتان للغاية في الأدب الغربي باعتبارها المحاولات الأولى في الكتابة الغنائية قبل آلاف السنين وفى سلسلة 50 كاتبًا أثروا في البشرية نقدم لكم هوميروس.
يعد هوميروس أكبر شاعر عرَفته الحضارة الإغريقية ويعنى اسمه بالإغريقية الرهينة أو الأعمى، وهو صاحب "الإلياذة" و"الأوديسة" وكانت حياته مثار جدل كبير بين مؤرخى الحقبة الكلاسيكية، حيث قال هيرودوت: إن هوميروس سبقه بأربعمائة عام أي أنه عاش عام 850 قبل الميلاد وتُرجِّح مصادر قديمة أخرى أنه عاش في فترة قريبة من حرب طروادة التي وقعت بين عامي (1194–1184ميلادية) وبينما يعده القدماء شخصية تاريخية، يشكك الباحثون والعلماء المعاصرون في وجوده التاريخي أصلًا، حيث لا توجد ترجمات موثوقة من الحقبة الكلاسيكية تتحدث عن سيرته، وقد اصطلح المؤرِّخون فيما بينهم على تسمية هذا الجدل الكبير حول هوميروس (وجوده، وحياته، وأشعاره) بالمسألة الهوميرية The Homeric Question.
يقال إن هوميروس كان رئيسا للمنشدين في بلاط الأمراء، ويُروى أنه قام بالعديد من الجولات التي قادته إلى مصر وإيطاليا واليونان، إلى أن استقر به المقام في «خيوس»، وحين بلغ هوميروس المشيب، أصبح معوزا، وفقد بصره؛ فدفعه ذلك إلى التنقل من مدينة إلى أخرى بحثا عن الرزق، إلى أن وافته المنية في جزيرة "إيوس".
يعد النقاد هوميروس ينبوعَ الشعر الإغريقي وقمته، حيث كان شاعرا فذا، برع في نظم «الإلياذة» و«الأوديسة»، وكانت أشعاره وملاحمه النموذج المثالي الذي يحتذيه الشعراء في أعمالهم، ولا يقتصر تأثير هوميروس على شعراء الحِقبة الكلاسيكية فقط، ولكن يمتد أيضًا إلى شعراء أوروبيين وعالميين ينتمون لأحقاب زمنية لاحقة، كما يُلاحظ أن شعر هوميروس فطري، ويُمكن تمييز أسلوبه بسهولة بسبب سهولة حركته ووضوحه التام، والدافع العاطفي المميَّز الكامن في نصوصه الشعرية، كما تهتم أعماله بالتركيز على التأثير الدرامي والعواطف البشرية.
الإلياذة
أخذ «هوميروس» يتنقل بين المدن ليَشدوَ بمَلحمته على مسامع الإغريق، مردِّدًا أسطورته التي خُلِّد بها، فما عَرفت الإنسانية يومًا أسطورةً صنَعت تاريخًا مثل «الإلياذة» و«الأوديسة»؛ تلك الأسطورة التي تُوغِل في القِدم لِما يزيد عن ألف عام، والتي بقيَت أسطورةً حتى تحولت إلى حقيقةٍ تاريخية مُؤكَّدة في أواخر القرن التاسع عشر.
غير أن «هوميروس» هو اللغز الذي بَقي ولم تفك شفرته إلى اليوم؛ وما زالت شخصيته محيِّرةً للعلماء والأدباء، فما تيقَّنَّا من وجوده أو عدمه. مضت قرونٌ طويلة ولا أحدَ يَغفل عن أهمية المَلحمة أَباطِرة وباباوات، شُعراء وأدباء كلٌّ يقيس عليها ويقتبس منها وفقا لما ورد في ترجمة أمين سلامة للملحمة الشهيرة إلى العربية.
تتناول «الإلياذة» أحداثَ الحصارِ العنيف الذي ضُرب حول مدينة طروادة، والحرب التي أهلكت الرجال، وانقسم فيها الآلهة بين مؤيد للطرواديين ومؤيد لليونانيين، وتقاسموها جنبا إلى جنب مع البشر، وكان يمكن تجنب تلك الحرب لو أن «هيلين» أجمل نساء الأرض قاطبة لم تكن ارتضت أن تهرب مع «باريس» وتترك «مينيلاوس» ملِك أسبرطة؛ فكان جمالها نِقمةً عليها وعلى طروادة، فهلك أشجع المحاربين وأقوى الرجال في حرب اندلعت بسببها.
الأوديسة
تدور الأوديسة حول «أوديسيوس» الذى قضى في حروبه عشرين سنةً كاملة بعيدًا عن زوجته، قضى منها سبع سنوات في السجن، ومات خلالها مِن رجاله مَن مات، لكنه لم يفقد حماسَه للعودة إلى مدينته إيثاكا، فظلَّ يقاتل حتى عاد إليها بعد عشر سنوات وخلال غيابه انتشرَت شائعاتُ وفاته، لكنَّ زوجته «بينيلوبي» لم تنكُث عهدَها له، فظلَّت تنتظر إيابَ رجلٍ طال أمدُ غيابه حتى لم يَعُد من الانتظار رجاء، فطمع فيها النبلاء والأبطال، وتقدَّموا لخِطبتها حالمين بها وبمُلك زوجها، لكنها لقَّنت الجميع، رجالًا ونساءً، درسًا في الوفاء، فنالت بذلك شرفَ الخلود في أسطورة «هوميروس».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة