أجمع مفكرون ومثقفون عرب على أن حلم الوطن العربي في قيادة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) أصبح قريب المنال بعد التوافق على مرشح عربي واحد للتنافس على رئاسة المنظمة الأممية في دورتها الجديدة، خلفا للمديرة العامة الحالية لليونيسكو الفرنسية أودري أزولاي، التي تنتهي فترة ولايتها الثانية في عام 2025.
وفي السادس من سبتمبر الجاري، اعتمد مجلس وزراء الخارجية العرب الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري السابق، مرشحا عربيا لمنصب مدير عام منظمة اليونيسكو للفترة من 2025 - 2029 بعد إعلان رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي في أبريل الماضي ترشيح العناني للمنصب الدولي الثقافي الأرفع.
وبهذا الاجماع، تقترب فرصة العالم العربي في تبؤ المنصب الأممي الرفيع بما لهم من تاريخ وإرث ثقافي ممتد عبر أعماق التاريخ.
وتكتسب هذه الخطوة أهمية بالغة بالنظر إلى العلاقات الوثيقة التي تربط مصر و"يونيسكو" وتمتد إلى أكثر من 75 عاما، حيث كانت مصر ضمن أول 20 دولة صدقت على تشكيل المنظمة، واحتفظت بعضوية مجلسها التنفيذي منذ عام 1946، باستثناء مرات قليلة، كما تحتضن مكتب اليونيسكو في القاهرة منذ عام 1947، والذي يعمل ضمن منظومة تتكون من 52 مكتبا ميدانيا منتشرة للمنظمة في جميع أنحاء العالم.
ويتولى مكتب القاهرة الإسهام في دعم ثقافة السلام والأمن في العالم من خلال تعزيز التعاون الفكري بين الأمم بالاستعانة بآليات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال.
(إجماع عربي لافت)
وأكد المثقفون والمفكرون العرب - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط - دعمهم الكامل للدكتور خالد العناني المرشح العربي لمنصب مدير منظمة (يونيسكو) تقديرا لدور مصر القومي والثقافي العريق، الأمر الذي يؤهله لأن يضع خبراته في خدمة المنظمة وأهدافها وتحقيق طموحات الدول الأعضاء جميعها، وعلى رأسها الدول العربية.
وشددوا على أن الوقت قد حان لأن يقود العالم العربي منظمة اليونيسكو بعد عقود من الغياب بسبب التنافس العربي - العربي وعدم الاتفاق على مرشح واحد مثلما هو حادث الآن.
وأشار المثقفون العرب إلى أن فوز العناني سيكون قائما على تعاون الدول العربية مع مصر في بذل كل جهد ممكن واستخدام علاقاتها الطيبة مع الدول الأعضاء في اليونيسكو لضمان فوز المرشح المصري باعتباره مرشح العرب.
(العناني مرشح العرب وليس مصر فقط)
ففي البداية، قال وزير الثقافة الأردني الأسبق المفكر سمير حباشنة إن ترشيح الدكتور خالد العناني لموقع مدير اليونيسكو هو أمر في غاية الأهمية والأهم هو أن يجمع العرب على مرشح من أبناء الأمة لموقع متميز مثل هذا الموقع.
وأضاف حباشنة أن العناني خير من يمثل أمة العرب بأقطارها المختلفة في هذا الموقع الدولي المهم للغاية بسبب سيرته وسجله المهني المشرف، معربا عن أمله في أن يكون الجهد العربي متعاونا ومتماسكا من أجل أن يتربع عربي على عرش هذا الموقع الدولي الثقافي الحضاري، وأكد ضرورة إجراء الاتصالات اللازمة مع كل الدول الأعضاء في اليونسكو ضمانا لارتقاء العناني لهذا الموقع المتميز.
وأوضح "أننا كعرب لم نشغل هذا الموقع في السابق وربما الثقافة العربية والإرث العربي والتراث العربي والآثار العربية هي الأكثر أهمية على مستوى العالم، وجدير أن يكون مدير اليونيسكو شخصية عربية وبالأخص من مصر المحروسة".
وتأكيدا على أهمية فكرة اعتماد مرشح عربي واحد مديرا للمنظمة الأممية، يرى الكاتب والأكاديمي السعودي الدكتور محمد المسعودي أن اعتماد مجلس وزراء الخارجية العرب الدكتور خالد العناني، مرشحا عربيا لمنصب مدير عام منظمة اليونيسكو، ضمن اعتماد تأييد الترشيحات العربية لعدد من المناصب الدولية يعتبر إنجازا في حد ذاته لأنه أتى بالإجماع.
وأشار المفكر السعودي إلى إسهامات العناني القيمة وطنيا ودوليا في مجالات العلوم والتربية والثقافة، والتي تعد نتاجا لخبراته طيلة 30 عاماً في مجالات التدريس الجامعي، البحث العلمي، علوم المصريات، والآثار والتراث والمتاحف والسياحة.
وأضاف أن ترشيح العناني هو أيضا شرف كبير يحمله على عاتقه بأن يضع خبراته في خدمة المنظمة وأهدافها، تقديرا لدور مصر العريق، والدول العربية بتوافقها الأصيل.
وعبر المسعودي عن أمله في حسم المرشح المصري لمنصب مدير عام منظمة اليونيسكو..وقال "نأمل نحن كمثقفين أن يساعد التوافق العربي هذه المرة في توحيد الأصوات العربية وحصول "عناني" على أكبر عدد من الأصوات "باعتباره مرشحاً عربيا وليس مصريا فحسب".
(تكاتف عربي وتحديات متوقعة)
ويتفق الشاعر والناقد الفلسطيني عبد الرحمن بسيسو مع المسعودي في الرأي، مؤكدا أن اختيار العناني جاء موفقا فهو المؤهل بجدارة واقتدار لشغل هذا المنصب الأممي الثقافي بالغ الأهمية وذي الأدوار والوظائف عميقة التأثير على أحوال العالم ولا سيما لجهة تعزيز التعددية والتنوع البشري الخلاق والحفاظ على القيم الإنسانية والتراث الحضاري للإنسانية بأسرها.
وقال بسيسو، إنه لمن دواعي التفاؤل بفوز المرشح العربي لهذا المنصب، أن العرب قد أجمعوا بأسرهم عليه؛ ونحن في انتظار لحظة الفوز المنشود الناهض على تضافر الدول العربية مع مصر في بذل كل ما هو ممكن لضمان فوز الدكتور خالد العناني باعتباره مرشح العرب.
وأشار إلى أن هناك بعض التحديات التي ربما تواجه فوز العناني، وإن كان يستحقه، لذا فإنه يتوجب على الدول العربية أن تتكاتف وأن تُكثف الجهود، لضمان فوز مرشح العرب بهذا الموقع الأممي ذي الأهمية والشأن.
وشغل الدكتور خالد العناني المرشح المصري لرئاسة "اليونيسكو" منصب وزير السياحة والآثار، في الفترة من 22 ديسمبر 2019 حتى 13 أغسطس 2022، وكان يشغل منصب وزير الآثار في الفترة من 23 مارس 2016 حتى 21 ديسمبر 2019، قبل دمج وزارة السياحة مع الآثار.
وقبل شغله منصب وزير السياحة والآثار، عمل العناني أستاذا لعلوم المصريات بقسم الإرشاد السياحي بكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان، وكان عضوا فخريا بـ «الجمعية الفرنسية للمصريات» في فرنسا عام 2016؛ وعضوا مراسلا لـ «معهد الآثار الألماني» ببرلين في ألمانيا عام 2015، وشغل عدة مناصب قيادية بالوزارة والجامعة.
من جهته، أكد الكاتب إيلي فلوطي مستشار التطوير في تليفزيون البحرين، أن الدكتور خالد العناني يشرف كل عربي مثقف لما له من عمق ثقافي يضع الهوية العربية والإرث الثقافي الإنساني العربي في أولويات اهتماماته.
وتمنى فلوطي، أن يحظى شخص عربي مثل العناني بهذا المنصب العالمي الذي يسهر على الثقافة والتربية والعلم في مجتمعاتنا التي هي بأمس الحاجة للعودة إلى التراث والهوية الحقيقية لهذه المجتمعات، مشددا على ضرورة وحدة العرب خلف مرشحهم العناني لكي يفوزوا بهذا المنصب.
(كيف يتم انتخاب مدير عام اليونيسكو)
وينتخب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" لفترة ولاية تستغرق 4 سنوات تقبل التجديد لفترة مماثلة واحدة .
ويستلزم الفوز بمنصب مدير عام "اليونيسكو" الحصول على 30 صوتا، خلال جولة الانتخابات، فيما يتكون المجلس التنفيذي للمنظمة من 58 عضوا ينقسمون إلى 6 مجموعات إقليمية هي المجموعة الأسيوية 12 صوتا والمجموعة الإفريقية ولها 13 صوتا والمجموعة الأوروبية ولها 12 صوتا ومجموعة أمريكا الشمالية ولها 4 أصوات ومجموعة أمريكا اللاتينية ولها 10 أصوات والمجموعة العربية ولها 7 أصوات.
ويتم الانتخاب حسب أنظمة اليونيسكو في 5 دورات على أن تحسم الدورة الأخيرة الأمر فإذا حظي أحد المرشحين على 30 صوتا حاز على تزكية المجلس والفوز بالمنصب الدولي الرفيع.
(ترشيح العناني يعيد لإفريقيا كرامتها)
بدوره، ثمن المفكر والكاتب الموريتاني محمد ولد أمين، اختيار العناني، قائلا "إن موريتانيا وكل إفريقيا يجب أن تدعم ترشيح عالم المصريات خالد العناني لمنصب مدير اليونيسكو...فهو أقدر من يتصدر لتمثيل القارة السمراء في هذا المحفل الثقافي الكبير".
وأكد ولد أمين الذي شغل منصب وزير الإعلام الموريتاني سابقا وعددا من المناصب القيادية الأخرى، أن إفريقيا مدينة لمصر بالكثير فهي الحاضنة الأولى لكفاح شعوب إفريقيا ضد الاستعمار، وهي المهد الحضاري للإنسانية .
وقال إن موريتانيا لن تتردد في مد يد العون لهذه الشخصية العلمية الكبيرة لأن هذا الترشيح سيعيد لإفريقيا كرامتها بعد المواقف التي تجرعها رجال عظام مثل البروفيسور السنغالي أحمد مختار إمبو (الذي شغل منصب المدير العام لليونسكو عام 1974، وأعيد انتخابه لولاية ثانية عام 1980)، بسبب دفاعه عن حقوق شعوب الجنوب في الثقافة والتعليم .
من جانبه، أكد الروائي والشاعر الجزائري إبراهيم صديقي أن شغل الدكتور العناني لمنصب مدير عام منظمة اليونيسكو سيكون انتصارا كبيرا للثقافة والفنون في الوطن العربي والعالم، معربا عن أمله في أن يحصل العرب على فرصتهم في إدارة هذه الهيئة الكبرى، عبر مصر، لا سيما وأننا نساهم عبر التاريخ بأقساط وافرة في الثقافة الإنسانية.
وقال صديقي، إن منصب مدير اليونيسكو هو موقع أممي شديد التأثير علينا جميعا أن نصطف مدافعين عن حيازته، فقد حرمنا منه من قبل في محاولات عديدة لأننا لم نبدِ تكاتفا عربيا.
وأضاف أنه بإمكاننا تحقيق هذا المنجز المرموق، وسيكون انتصارا كبيرا للثقافة والفنون في الوطن العربي والعالم لو تم تمكين الدكتور خالد العناني من إدارة اليونسكو، وننتظر باهتمام كبير أن يحصل العرب على فرصتهم في إدارة هذه الهيئة الكبرى، عبر مصر، مشيرا إلى ما يتمتع به الدكتور العناني من مؤهلات متميزة.
بدوره، وصف الكاتب والباحث السوداني محمد عيد عبد الرحيم إدريس، الدكتور العناني بأنه شخصية أكاديمية وعلمية وثقافية هامة كأحد رموز المجتمع المصري والقارة الإفريقية ووادي النيل والعالم العربي حمل رسالة العلم والثقافة والفكر والمعرفة والخبرات الطويلة وصاحب مؤهلات علمية جمة، مشددا على أن العناني مرشح قارة إفريقيا السمراء والعالم الثالث ووادي النيل دولتي مصر والسودان صاحبة الحضارات الإنسانية القديمة.
وقال إدريس إن العناني عرفه المواطن البسيط خلال فترة توليه منصب وزارتي السياحة والآثار في الحكومة المصرية، إلا أنه قبل ذلك المنصب الوزاري هو شخصية أكاديمية وعلمية وصاحب مؤهلات مميزة وله خبرات طويلة طوت بها سنوات عدة وأضف إلى ذلك أنه عمل في مجال التدريس الجامعي والبحث العلمي، كما له إسهامات أكاديمية وعلمية وثقافية واضحة في مجال البحوث.
وثمن جهود العناني العلمية العظيمة في مجال البحث والعلم والمعرفة، لافتا إلى أبحاث العناني الثرية في الحضارة السودانية القديمة كأحد أقدم الحضارات الانسانية في العالم، داعيا إلى دعم ترشيح مديرا لليونسكو عام 2025 كأحد أبناء وادي النيل ونسبة لما يحمل من مؤهلات أكاديمية وعلمية ومعرفة وثقافة وخبرات طويلة في مجال العلوم والثقافة والأبحاث والمعرفة.
وختاما، قال رئيس المؤسسة العامة للمسرح والسينما في اليمن د. علي الجنفدي إن العناني يعد من الشخصيات المشرفة والتي نعتز بها لعوامل كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر الجانب الأكاديمي والبحثي الذي يمتلكه في مسيرته العلمية بين مكتبات وقاعات المحاضرات الجامعية وغيرها من مواقع العلم .
وأشار إلى أنه على الجانب الحكومي والدبلوماسي فإن للعناني حضورا بارزا في أكثر من موقع حكومي كلف به من قبل الدولة المصرية ابتداء بالوزارة وغيرها من المواقع الدبلوماسية مما راكم الخبرات لديه بما يسهم في التواصل مع الآخر وتعزيز الحضور العربي في المجتمع الدولي.
وأكد ضرورة دعم العرب، كدول ومثقفين، للدكتور خالد العناني مديرا للمنظمة الأممية لأنه أهل لذلك وإضافة نوعية للموقع الذي سيشغله، داعيا الجميع من الدول والمنظمات والشخصيات البارزة إلى تبني دعم المرشح المصري.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة