روايات أيرلندا تستحوذ على نصيب الأسد في قوائم جائزة البوكر العالمية 2023
أدباء أيرلندا يكشفون: نعيش فى العصر الذهبى للقراءة.. الدولة تمنحنا دعما ماديا للتفرغ للكتابة ولولاه لما حققنا شيئا.. نحن أمة من رواة القصص ولدينا تقاليد وتراث شفهى غنى.. وانتشار المكتبات جعل الشباب يحلمون بأن يصبحوا كتابا
مترجمون مصريون: الإغراق في المحلية الشديدة جعل دور النشر تتنافس على ترجمة أعمالهم.. رواياتهم تمتاز بحبكة قوية جذابة تبلى كافة الأذواق الأدبية
على مدار الأعوام الماضية، ودائما ما تتصدر الروايات الأيرلندية، القوائم الطويلة والقصيرة فى الجوائز العالمية، والتى من أبرزها وأشهرها جائزة البوكر العالمية، حتى جاء عام 2023، وبدا الأمر وكأن الأدب الأيرلندى يغزو العالم عبر بوابة هذه الجائزة التى دائما ما تكون محط أنظار المترجمين ودور النشر حول العالم، المتنافسين على حقوق الترجمة للتربح من ورائها بعد تقديمها لجمهور القراء.
الأدب الأيرلندى فى عدد اليوم السابع
هذا الأمر، لم يكن محض صدفة أو توقع، بل كان واقعا رصدته جائزة البوكر بنفسها، التى لفت أنظارها وصول أربعة روايات إلى القائمة الطويلة التى تضم 13 رواية فى دورتها لعام 2023، وهو ما دفعها لأن تسأل أصحاب هذه الروايات، عن أسباب انتشارهم، وغزوهم للأدب العالمى.
الكاتب الأيرلندى بول لينش
بين الكتاب الذين وصلتهم روايتهم إلى القائمة الطويلة فى هذه الدورة، الكاتب بول لينش، مؤلف رواية "أغنية النبى"، والذى رأى أن هذا الغزو لم يكن ممكنا لولا دعم الدولة الأيرلندية، التى تقدم لشباب الأدباء منحة من مجلس الفنون الأيرلندى.
يوضح "بول لينش" أنه على مدار أربع سنوات، استغرقها فى كتابة روايته "أغنية النبى" كان يحصل خلالها على دعم مادى من الدولة، بالإضافة إلى منحة أخرى حصل عليها للإقامة فى المدينة الجامعية ماينوث التى تقع في مقاطعة كيلدير الشمالية، فى أيرلندا.
رواية أغنية النبي للكاتب بول لينش
وبحسب "لينش" لا يتوقف دعم الدولة الأيرلندية عند هذا الحد، فالدعم الأهم أيضا، بحسب رأيه يتمثل فى إعفاء الأدباء والفنانين من ضريبة الدخل، وهو أمر يقلل من نفقاتهم، ويمنحهم القدرة على مواصلة التفرغ للعملية الأدبية، وهو أمر يجعله يعمل ككاتب بدوام كامل، يكتب يوما بعد يوم لينتج أفضل ما لديه.
إيلين فينى مؤلفة رواية كيف تصع قاربا
أما الكاتبة إيلين فينى، مؤلفة رواية "كيف تصنع قاربا"، التى وصلت إلى القائمة الطويلة، فكان لها رأي آخر، يتمثل فى التاريخ الأيرلندى، والتقاليد الشفهية لرواية القصص التى تعد جزءًا قويًا من ثقافة الشعب الأيرلندى، الذى تقول عنه: "نحن أمة من رواة القصص، ولدينا تاريخ من المقاومة".
تقول إيلين فينى: أنا من غرب أيرلندا حيث يوجد تقاليد غنية للقصة والعديد من الأشخاص يتحدثون لغة الغيليج، وهناك أيضًا تقليد عظيم للدراما أسسه أعظم كتاب المسرح، ففى معظم المدن الأيرلندية دائما ما يكون هناك كاتب يلهم الأجيال التالية.
رواية كيف تصنع قاربا
وتوضح "فينى" أن التاريخ الأيرلندى غنى بالتقاليد الوثنية فى مقابل التقاليد المسيحية؛ والثقافات الجديدة، ناهيك عن تأثير ما بعد الاستعمار على اللغة والهجرة.
الكاتب الأيرلندى سيباستيان بارى
أما الروائى الأيرلندى الكبير سيباستيان بارى، مؤلف رواية "زمن الإله القديم"، والحائز على جائزة الخيال الأيرلندي، فيرى أن الأدب الأيرلندى يعيش مرحلة العصر الذهبي للقراءة، فما يحدث الآن هو أن أيرلندا تتمتع بتاريخ متشابك وما يفعله الكتاب هو أنهم يحاولون حل هذه العقد، فى المقابل يجدون القراء.
رواية زمن الإله القديم للكاتب سيباستيان بارى
بينما يرى الكاتب الأيرلندى بول موراي مؤلف رواية "لدغة النحل" أن هناك مزيج من الأشياء أدت إلى هذا الغزو، تضافرت فيها العديد من العناصر، أهمها مجلس الفنون النشيط للغاية، والذى يمنح تمويلا للكتاب - سواء كانوا مؤسسين أو ناشئين - بهدف واضح وهو توفير الوقت للتفرغ من أجل الإبداع.
الكاتب الأيرلندى بول موراى
يقول بول موراى المعروف أن الكتابة ليست مهنة مجزية بشكل خاص، لذا فإن الدعم يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا، وأيضًا، وربما الأهم من ذلك، هو أن المنح تدفع الكتاب للإيمان بمشاريعهم الأدبية التى يتفرغون من أجلها فيواصلون العمل عليها.
رواية لدغة النحل للكاتب بول موراى
والأهم من ذلك، بحسب وصف "موراى" يتمثل فى أن ثقافة القراءة، تعد لدى الشعب الأيرلندى بمثابة الماء والهواء، وذلك بفضل انتشار المكتبات العامة، التى تخلق أجيالا من الشباب يحلمون بأن يصبحوا كتابا فى المستقبل، فيكتشفون أن الحلم ليس صعبا.
المترجمة هند عادل
على الجانب الآخر، كشفت المترجمة المصرية هند عادل، خلال حديثها مع "اليوم السابع" أن أسباب انتشار الأدب الأيرلندى مؤخرا حول العالم، تعود لعدة أسباب، أهمها يتمثل فى السمة الأساسية لأى أدب حول العالم، وهي قدرته على جذب شريحة كبيرة من القراء باختلاف أذواقهم، وهو ما يتميز به الأدب الأيرلندى، بالإضافة إلى سمات أخرى.
بقايا يوم صيفى
وترى هند عادل التى ترجمت عددا من الروايات الأيرلندية، وهى: "بقايا يوم صيفى" للكاتبة كريستين دوير هيكى، و"عميلة البنك الأيرلندى" للكاتب ريتشارد أوراو، و"مشعلو الحرائق" للكاتب جان كارسون، أن الأدب الأيرلندي المعاصر يتناول موضوعاتٍ متنوعة، منها اجتماعية أو بوليسية أو جريمة. وأن هذا التنوع قادر على جذب مختلف الأذواق. كما أنه متميز في تقديم الروايات المستمدة من أحداث واقعية أو خيالية على حد سواء، فيتميز بحبكة قوية مشوقة لجذب القارئ ودمجه مع القصة، مهما كانت دسامة الموضوع، بالإضافة إلى إجادته فى تقديم الشخصيات وبنائها نفسيًا حتى يفهم القارئ دوافعها وسلوكها.
عملية البنك الأيرلندى
كما ترى "هند" أن الأدب الأيرلندى يتميز بلغة ثرية وتعبيرية وأسلوب كتابة غني، وقد يرجع هذا إلى تأثره بأدب الملاحم والأساطير في مراحله الأولى، ناهيك عن الطبيعة التى عنصرا فعالا في الأدب الأيرلندي، فهي تحتل مساحة كبيرة من البلاد، ومن المنطقي أن تؤثر على تفكير الأدباء. وهذا يعطي طابعًا مميزًا لكتاباتهم، وبخاصة أؤلئك الذين يجيدون تصوير الأحداث ونقل مشاعر الشخصيات.
مشعلو الحرائق
الأمر الأهم أيضا من وجهة نظر "هند" أن العامل الأساسى الذى يساعد على انتشار الأدب الأيرلندي هو الاستعانة باللغة الإنجليزية كلغة وسيطة للترجمة، وذلك لعدم رواج اللغة الأيرلندية، وهو ما أدى لتأخر انتشار الأدب الأيرلندي في الوطن العربي بوجه خاص.
المترجم محمد عثمان
وجهة نظر أخرى، قدمها المترجم المصرى محمد عثمان خليفة، خلال حديثه مع "اليوم السابع"، والذى سبق وأن ترجم رواية "البحث عن ريبيكا"، و"الوردة البيضاء والغابة السوداء" وكلاهما للكاتب إوين دمبسى، حيث يرى أن الإغراق فى المحلية الشديدة، يعد عاملا أساسيا من عوامل الانتشار، فالعديد من الأدباء الأيرلندين يعودون إلى فترات متنوعة فى التاريخ الأيرلندى، وخاصة تلك الفترة المأساوية التى تشغل القراء حول العالم، مثل الحرب العالمية الثانية.
البحث عن ريبيكا
الوردة البيضاء والغابة السوداء
عامل آخر، يرى المترجم محمد عثمان أنه يساعد الأدب الأيرلندى، وبخاصة الأدباء على الانتشار، هو الاشتغال على الثيمات التجارية، وتحديدا تلك الثيمات التى تتصدر قوائم الروايات الأكثر مبيعا، والتى تجعل رواياتهم محط أنظار واهتمام منصات العرض الإليكترونية بعد تحويلها إلى مسلسلات أو أفلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة