بدأ الفرنسيون يسلمون قلاع الإسكندرية واستحكماتها ومدافعها والسفن الحربية التى كانت لهم فى المدينة إلى القوات الإنجليزية بقيادة الجنرال الإنجليزى «هتشنسون» يوم 2 سبتمبر، مثل هذا اليوم، عام 1801، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى، فى الجزء الثانى من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
كان الاحتلال الفرنسى الذى جاء بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، يعيش أيامه الأخيرة فى مصر بعد أن خرجت قواته من القاهرة بمقتضى اتفاقية الجلاء الموقعة يوم 27 يونيو 1801 بين الفرنسيين وقيادات الجيش الإنجليزى والتركى المتحالفين، غير أن قائد الجيش الفرنسى فى مصر الجنرال مينو كان يقود حربا أخرى فى الإسكندرية ضد الحليفين أيضا، واستمر فى حربه حتى يوم 31 أغسطس 1801، وفى هذا اليوم ووفقا لما يذكره» عبدالرحمن الجبرتى» فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»: «ورد خبر من إسكندرية بانقضاء الحرب، وطلب الفرنسيس الصلح بعد وقوع الغلبة عليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة أسرى، وانحصروا فى الأبراج فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس عشرينه من ربيع الثانى 1216 هجرية».
يذكر الدكتور محمد فؤاد شكرى، فى كتابه «الحملة الفرنسية وخروج الفرنسيين من مصر»، أن الجنرال «هتشنسون» فرض على الفرنسيين يوم 31 أغسطس 1801 التوقيع على تسليم الإسكندرية، وفق شروط لخضها فى أربع مواد هى، نقل جيش مينو بأسلحته وعتاده وأحد عشر مدفعا فحسب من مدافع الميدان إلى فرنسا، والفراغ من تسليم الإسكندرية خلال عشرة أيام، على أن يجرى نزول الجند إلى البحر خلال العشرة أيام التالية، حتى يتسنى ترحيلهم بمجرد استعداد السفن للإبحار، أما فيما يتعلق بلجنة العلوم والفنون فإنه يمتنع على أعضائها أن ينقلوا معهم شيئا من القطع الأثرية القديمة أوالمخطوطات العربية أوالرسوم والمصورات أو المذكرات أوالمجموعات الفنية والعلمية بل يتركون ذلك كله تحت تصرف القواد والرؤساء الإنجليز.
يضيف «شكرى» أن «هتشنسون» حدد الساعة العاشرة من مساء 31 أغسطس موعدا لقبول هذه الشروط أورفضها، وعلى ذلك فإنه ما إن وصلت هذه الشروط إلى الفرنسيين، وكانت بمثابة إنذار باستئناف القتال، حتى عقد المجلس الحربى الفرنسى جلسة ناقش فيها عروض القائد الإنجليزي، وتم الاتفاق على شروط التسليم.
فى كتاب « بونابرت فى مصر»، ترجمة «فؤاد أندراوس»، ومراجعة، الدكتور محمد أحمد أنيس، يذكر مؤلفه «ج. كرستوفر هيرولد»، أن إبرام أى اتفاق دون احتداد وجدل شيئا لا يستطيعه الجنرال مينو، فما إن وقعت شروط التسليم حتى تبعها تراشق بالعبارات الجارحة بينه وبين الجنرال «هتشنسون» عن التصرف فى المجموعات التى يقتنيها العلماء، وفى عدة آثار من بينها حجر رشيد الذى زعم مينو أنه ملك خاص له، فأما «هتشنسون» فطالب بهذه الأشياء كلها بمقتضى المادة السادسة عشرة من معاهدة التسليم، وأما مينو فكان على استعداد للتنازل عن مجموعات العلماء، لكن العلماء أعلنوا أنهم يؤثرون أن يتبعوا مجموعاتهم إلى إنجلترا على أن يسلموا فيها.
أمام هذا الإصرار من العلماء كتب مينو رسالة إلى الجنرال «هتشنسون» يقول فيه: «لقد أحطت علما أن نفرا من أصحاب المجموعات يريدون أن يتبعوا ما جمعوا من حبوب، ومعادن، وطيور، وفراشات، وزواحف، إلى حيث تريدون شحن أقفاصها، ولست أدرى هل يرغبون فى أن يحنطوا عن أنفسهم لهذا الغرض، ولكنى أؤكد أننى لن أمنعهم إن راقتهم الفكرة، وقد أذنت لهم بأن يخاطبوك فى الأمر».
يؤكد «كرستوفر» أن «هتشنسون» سمح للعلماء بالاحتفاظ بمجموعاتهم، ولكنه أصر على أخذ حجر رشيد، فتخلى عنه مينو على كره، وكتب له يقول: «إنك تريده يا سيدى الجنرال، ففى وسعك أن تأخذه ما دمت أقوانا، ولك أن تنقله متى شئت».
يذكر «الرافعى» أنه لما جاء الدور على تسليم الفرنسيين مقتنيات أعضاء المجمع العلمى ولجنة العلوم والفنون يوم 2 سبتمبر 1801، احتج أولئك الأعضاء على حرمانهم من ثمرة أبحاثهم وجهودهم واكتشافاتهم، وأوفدوا ثلاثة منهم لمقابلة الجنرال «هيتشنسون» لإقناعه بالعدول عن هذا الشرط، فرفض طلبهم فأجمعوا رأيا على الامتناع عن تسليم تلك الكنوز العلمية، وأنذروا القائد الإنجليزى بإحراقها بدلا من التفريط فيها وتسليمها، وأبلغوه أنهم يلقون على عاتقه تبعة حرمان العلم من هذه النفائس فى حالة إصراره على طلبه، فبهت القائد الإنجليزى أمام هذا التهديد، وقبل مُكرها أن يتنازل عن هذا الشرط، وترك لهم مقتنياتهم، بيد أنه منعهم من أخذ العاديات التى أرادوا تهريبها معهم، وحجزها بحجة أنها ملك مصر، لكن مصر حرمت منها ونقلها الإنجليز إلى بلادهم وزانوا بها متاحفهم، ومن هذه الآثار حجر رشيد المشهور الموجود إلى اليوم فى المتحف البريطانى بلندن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة