أشاد الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمنى خلال كلمته أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة بدور الامين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش، في تعزيز حضور المنظمة الاممية وسط كل هذه التحديات والأزمات العالمية المتشابكة، ورؤيته بشأن مستقبل التعاون الدولي المبني على تعددية الأطراف وتكاملها لحفظ الامن والسلم الدوليين، وانماء العلاقات الودية بين الامم.
كما تقدم العليمى بخالص التهاني الى ابناء شعبنا اليمني العظيم الذين يحتفلون بالتزامن مع انعقاد هذا الاجتماع الرفيع بأعيادهم الوطنية التي أخرجت اليمن من نير الاستبداد والجهل والتخلف الى رحاب الحرية والعدالة وازالة الفوارق والتمييز بين الطبقات.
أشار العليمى إلى أن هذه الدورة الجديدة للجمعية العامة للامم المتحدة تنعقد في ظل ظروف وتحديات جيوسياسية واقتصادية ومناخية بالغة التعقيد، الأمر الذي يتطلب منا جميعا حلولا مبتكرة، وتغيير آلياتنا التقليدية في مقاربة هذه التحديات، وفي المقدمة انهاء معاناة شعبنا اليمني التي طال امدها.
وأكد أن شعار هذه الدورة صمم بعناية ليتبنى مطالب شعوبنا، وحكوماتنا، في اعادة بناء الثقة بمؤسساتنا الوطنية والدولية، واشعال التضامن العالمي دعما لأهداف التنمية المستدامة نحو السلام والازدهار والتقدم للجميع.
وثمن العليمى الموقف السياسي الموحد للمجتمع الدولي تجاه القضية اليمنية، فإننا نستحضر ما يمكن ان يجسد شعار هذه الدورة من تضامن الاشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، التي مثلت مواقفهم سياجا قويا لمنع انهيار مؤسسات الدولة اليمنية، وتعزيز صمودها.
وأكد أنه على مدى الاشهر الماضية استمرت الحكومة اليمنية بدعم من الاشقاء والاصدقاء في الوفاء بالتزاماتها الحتمية، بما في ذلك الانتظام بدفع رواتب الموظفين، وانقاذ ملايين الارواح، ومساعدة العالقين في بعض مناطق النزاعات المسلحة، والكوارث الداخلية والخارجية في مهمة وطنية واخلاقية خالصة ليست من اهتمام المليشيات.
وأشار العليمى أنه من وسط اسوأ أزمة انسانية في العالم، قمنا بتنسيق استجابتنا الكاملة من طرف واحد لتخفيف المعاناة، والتزام بنود الهدنة التي رعتها الامم المتحدة، بدءا بتسهيل وصول سفن الوقود الى الموانىء الخاضعة بالقوة لسيطرة المليشيات، و استئناف الرحلات الجوية عبر مطار صنعاء الدولي وتوسيعها الى وجهات جديدة.
كما أكد العليمى أن الحكومة حافظت على استقرار نسبي للعملة الوطنية، واسعار السلع الاساسية، رغم التداعيات الكارثية لهجمات جماعة الحوثى على المنشآت النفطية واخراجها عن التصدير منذ عام كامل.
وأشار أنه على الرغم من تذبذب اسعار الصرف في المحافظات المحررة، تظل الحقيقة أن تقييم اسعار السلع الاساسية بالعملات الاجنبية افضل بكثير من مناطق سيطرة المليشيات التي تتحصل على ثلاثة اضعاف موارد الحكومة الشرعية.
وأكد العلميى أن الجمهورية اليمنية تؤكد على موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية، والدفع بمسار السلام قدما نحو حل عادل وشامل للقضية على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
كما نؤكد دعمنا لكافة المساعي الرامية لاحلال السلام في السودان وفي المقدمة جهود المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والولايات المتحدة بما يعيد لهذا البلد العزيز، الامن والاستقرار، والتنمية.
كما عبر العليمى عن كامل التضامن وخالص العزاء للاشقاء في ليبيا، والمملكة المغربية بضحايا الأعاصير، والزلازل المدمرة التي ضربت البلدين الشقيقين، حيث تزداد مخاطر المتغيرات المناخية في تهديد نظامنا الكوني.
وأشار العليمى خلال كلمته " قد منحنا الفئات الاجتماعية الرئيسة كالنساء تمثيلا أكبر، عندما قمنا بتعيين اول امرأة في مجلس القضاء الاعلى، ثم ثمان اخريات في المحكمة العليا للمرة الاولى بتاريخ البلاد.
كما ساعدنا بفعالية مقدرة من المجتمع الدولي في تفادي اخطر كارثة بيئية في العالم من خلال التسهيل دون قيد او شرط لنقل مخزون النفط من الناقلة صافر، الى اخرى بديلة، و مساهمة الحكومة بخمسة ملايين دولار في تكلفة السفينة الجديدة رغم مواردها المحدودة، وسنستمر في دعم هذه الجهود الى حين بيع شحنة الوقود وانهاء الخطر كليا.
إن الالتزام بمسؤولياتنا الدستورية والاخلاقية، ومبادراتنا وتدخلاتنا الخدمية، ساعدت في اطعام الملايين، وتسهيل وصول اللقاحات والادوية المنقذة للحياة، وفي تزويد المجتمعات المحلية بالامن، و الترويج لخطاب التنمية بدلا عن شعارات الكراهية، و الحرب والخراب.
لكن في المقابل لا تزال هناك الكثير من الاستحقاقات الثقيلة التي تفوق قدرات الحكومة اليمنية، مع هيمنة اقتصاد الحرب الذي تغذيه المليشيات، وتدفق عشرات الالاف من المهاجرين غير الشرعيين، واثار المتغيرات المناخية التي تترك وراءها سنويا مئات الضحايا، واراض زراعية مدمرة، ما يتطلب من المجتمع الدولي المساعدة، ومشاركتنا في تحمل أعباء هذه التحديات.
في العام الماضي شهد بلدي تحولا تاريخيا تم بموجبه اعادة ترتيب مؤسسات الشرعية اليمنية، وتشكيل مجلس رئاسي، وذلك على قاعدة تعزيز الشراكة و بناء السلام، وانهاء الحرب.
و لكن رغم هذا التحول الوطني الهام، والزخم الاقليمي والدولي لاحياء العملية السياسية، فان ملف السلام ظل يراوح مكانه، رغم ما قدمته الحكومة اليمنية من تنازلات ومبادرات دعما لهذا المسار.
ومع استئناف الجهود الحميدة للاشقاء في المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، تتجدد الآمال في رضوخ جماعة الحوثى للارادة الشعبية والاقليمية والدولية، والاعتراف بحقيقة ان الدولة الضامنة للحقوق والحريات، وسيادة انفاذ القانون على اساس العدالة والمواطنة المتساوية هي وحدها من ستجعل بلدنا اكثر امنا واستقرارا، واحتراما في محيطه الاقليمي والدولي.
وهذا هو منطق الحكومة الشرعية، ومنتهى الهدف من اي جهود للسلام المستدام الذي يجب ان يعني الشراكة الواسعة دون تمييز او اقصاء، والتأسيس لمستقبل اكثر اشراقا.
واليوم لا اعتقد انه لا يزال لدينا في الحكومة المزيد من التنازلات التي نقدمها، او ان نغير من فهمنا لجماعات نعرفها جيدا ويمكننا التنبؤ بنواياها لعقود مقبلة.
واذا فعلنا ذلك فإن هذا النهج سوف يعيد شعبنا الى عصور العبودية، و الاحباط والنسيان، بل من المرجح ان يتحول بلدنا الى بؤرة لتصدير الارهاب، وفتيل لنزاع اقليمي ودولي لا سبيل لاحتوائه بالسبل الدبلوماسية.
وبالتالي فإن أي تراخ من جانب المجتمع الدولي او التفريط بالمركز القانوني للدولة، او حتى التعامل مع المليشيات كسلطة امر واقع، من شأنه ان يجعل من ممارسة القمع، وانتهاك الحريات العامة، سلوك يتعذر التخلص منه بأي حال من الأحوال.
ومن واقع فهمنا لنهج جماعة الحوثى، فإن عروض السلام بالنسبة لها ليست سوى بالونات اختبار، ينبغي التعامل معها من منظور تكتيكي للسيطرة على المزيد من الموارد، وتأجيل قرار المواجهة العسكرية الى ان تتحقق ظروف افضل، وهو ما حدث في تنصلها عن كافة الاتفاقات السابقة، واخرها اتفاق ستوكهولم.
لذلك فنحن نؤكد ضرورة توفر الضمانات الكافية للسلام المستدام الذي يجب ان يتأسس على المرجعيات الثلاث المتفق عليها وطنيا واقليميا ودوليا، والاحتكام للشرعية الدولية، كما جاء في المبادرة السعودية.
واضافة الى ذلك فإن السلام المستدام يجب ان يقوم على العدالة، والانصاف، ومعالجة آثار الماضي، و القضايا الرئيسية العالقة ذات البعد الوطني.
كما ان اي مبادرة سلام، او اجراءات لبناء الثقة ينبغي ان تكون قادرة على تحقيق نتائج ملموسة وفورية لتخفيف معاناة الشعب اليمني، وان يستفيد منها ضحايا الصراع، وفي المقدمة النساء والأطفال.
وفوق ذلك فإن استدامة السلام، وعدم تكرار جولات الحرب، هو جوهر السلام المنشود الذي يضمن لليمنيين قدرتهم على بناء دولة المؤسسات التي تحمي الحقوق والحريات، والمساواة بين مواطنيها، وتؤسس لعلاقات حسن الجوار والمصالح المشتركة مع اشقائنا في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ولكنني اليوم ارى ان هناك طريقا متاحا واكثر ضمانا لتحقيق السلام، وتجسيد شعار هذه الدورة من خلال استعادة ثقة اليمنيين بالشرعية الدولية، وحكومتهم المحلية.
وهذا الامر يتطلب دعم الحكومة الشرعية، وتعزيز قدرتها في بناء الاقتصاد، وتقديم الخدمات، وهو الطريق الذي يعفينا جميعا عن التعاطي مع ابتزاز المليشيات، وتعطيل انفاذ القرارات الدولية، واحياء الامل بالغد الافضل والمشرق الذي يتحدث عنه مبعوثوا ووسطاء الامم المتحدة في كل مكان.
وفي اعتقادي ايضا ان مهمة نظامنا الدولي لحماية الاستقرار والسلام العالمي، ودعم ارادة الشعوب وحكوماتها الوطنية المعترف بها، هو اليوم اسهل من اي وقت مضى مع سهولة الحصول على المعلومات، ومعرفة الحقائق، غير ان اعطاء المصالح وزنا اعظم من ارادة الشعوب قد يفرط بمزيد من الثقة في هذه المؤسسة والمجتمع الدولي برمته.
واقول هذا ليس للتنصل من مسؤولياتنا الوطنية، وجعل المجتمع الدولي شماعة لاخفاقاتنا، بل لاننا نعتقد ان موقف القوى الكبرى تحديدا ورسالتها الصارمة للمليشيات، ومهندسي الانقلابات على الشرعيات الدستورية ليس في اليمن فقط وانما في كافة انحاء العالم، سيجعل طريق السلام اكثر وضوحا بتبديد احلام الجماعات المسلحة، والطامحين للسلطة، واوهامهم بانشاء كيانات تنازع الحكومات الشرعية سلطاتها الحصرية.
من اجل اعادة الثقة وتحسين فرص التقدم في الملف اليمني، يجب علينا الاعتراف بأن المسار القائم للتدخلات الانسانية الدولية بحاجة الى اعادة نظر، ومعالجات جذرية ليتسق ومبادىء القانون الدولي.
واذ نرحب بتوجه الامم المتحدة نحو الانتقال بمسار التدخلات الاغاثية الى نطاق التنمية المستدامة، فإن هذا التحول يجب ان يشمل ضخ التعهدات والتمويلات الدولية عبر البنك المركزي اليمني المعترف به، لتعزيز موقف العملة الوطنية، وكبح جماح التضخم، وضمان عدم وقوع تلك التمويلات في شبهة الدعم غير المباشر للمليشيات المسلحة.
وعلينا ان نعترف بتناقض هذا المسار من الدعم، مع الخطاب الدولي الذي ينشد تحسنا في مؤشرات الاقتصاد اليمني، بينما تذهب عملياته الدولية عبر مؤسسات خاضعة بالقوة لهيمنة جماعة الحوثى.
ان الاستمرار في هذا النهج يترك مؤسسات الدولة العضو في الامم المتحدة بجاهزية ضعيفة ونقص في التمويل، وموارد غير كافية للتعامل مع التحديات العابرة للحدود، والاحتياجات الانسانية المتزايدة في البلاد.
واضافة الى ذلك تهدد هذه السياسات بتغذية اقتصاد الحرب، والسماح بتدفق الاموال والتعهدات عبر منافذ مصرفية غير خاضعة للمساءلة، و الرقابة الفعالة.
كما ان ماتوفره تدخلات الحكومة اليمنية من عون انساني، يثبت ان دعمها في تحسين الخدمات الاساسية من شأنه ان يجعل حياة ملايين الرجال والنساء والاطفال افضل، اضافة الى تعزيز فرص السلام بحشد الناس حول مصالحهم في التنمية والازدهار، وليس شعارات العنف، والموت والكراهية.
قلت من على هذا المنبر في العام الماضي أنه كلما تباطأ المجتمع الدولي عاما اخر عن تقديم موقف حازم ازاء الملف اليمني، كلما كانت الخسائر اكثر فداحة، و والجماعات الارهابية اكثر خطرا في تهديداتها العابرة للحدود، فضلا عن انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الانسان التي توحدت حولها اممنا تحت مظلة هذه المؤسسة على مدى اكثر من سبعين عاما.
وبالفعل فاننا نشهد هذا العام تناميا متسارعا لخطر تهديدات تنظيمي القاعدة، وداعش .
وعندما تحدثت اليكم قبل عام من على هذا المنبر كانت الموازنة العامة للدولة تحقق افضل المؤشرات منذ اندلاع الحرب، مطلقة برامج واعدة لتحسين الخدمات، وخلق فرص العمل، ولكن ذلك الزخم توقف وما يزال بفعل الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية التي وضعت البلاد على شفا ازمة انسانية شاملة.
واجدها مناسبة للقول انه لولا الدعم السخي الذي تلقته الحكومة من الاشقاء في المملكة العربية السعودية الشهر الماضي، من خلال منحة مالية قيمتها مليار ومائتا مليون دولار دعما للموازنة العامة للدولة، لكانت الحكومة قد عجزت عن الوفاء بالتزاماتها الأساسية بما في ذلك عدم القدرة على دفع رواتب الموظفين.
و ننوه ايضا في هذا السياق بالتمويلات والتعهدات الانسانية والانمائية، من الاشقاء في دولة الامارات العربية المتحدة، و الاصدقاء في الولايات المتحدة الاميركية، ودول الاتحاد الاوروبي، والمملكة المتحدة، وباقي الشركاء الاقليميين والدوليين.
ورغم كل هذه التدخلات الإنسانية، اعود للاحاطة بأن الجماعة الحوثية صعدت موخرا تهديداتها ، ما يؤكد استمرار هذه الجماعة في زعزعة امن واستقرار المنطقة، وتقويض جهود التهدئة وإفشال المساعي المبذولة لتجديد الهدنة واستئناف العملية السياسية.
واننا هنا نجدد التأكيد على أهمية ضمان حرية الملاحة الدولية، ومكافحة التطرف والارهاب، والقرصنة، ودعم الاجراءات الرامية لمنع انتشار الأسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل الأخرى.
وفي هذا السياق ندعو الدول الأعضاء الى الالتزام بنظام حظر الأسلحة.
يؤكد مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة التزامهما الصارم بكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بما في ذلك حماية الاطفال ومنع اشراكهم في النزاع المسلح.
كما يلتزم بتوفير الضمانات اللازمة لعمل المنظمات الدولية، وتسهيل وصول تدخلاتها الى مستحقيها في مختلف انحاء اليمن.
ولتعزيز هذه الجهود تعمل الحكومة، على تمكين اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الانسان، والآليات الدولية والاممية ذات الصلة من الوفاء بمهامها دون قيد او شرط.
وهو ما يدفعنا الى الاشارة بأن كافة التفاهمات التي وقعتها وكالات الامم المتحدة مع جماعة الحوثى لم تجد حتى الان طريقها للتنفيذ.
كما نرى يوميا انتهاكات الجماعة الحوثية الجسيمة لحقوق الانسان، بما في ذلك القيود على سفر وعمل، وتعليم المرأة.
كما شردت ملايين النازحين واللاجئين داخليا وعبر الحدود والقارات الذين استقبلهم اشقاء أوفياء في المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، وتركيا وباقي الأقطار والدول حول العالم.
وفي كل مرة ليس هناك من فهم لاسباب تجاهل المجتمع الدولي لهذه الانتهاكات الفظيعة للكرامة الانسانية التي تتطلب موقفا حازما لمحاسبة مرتكبيها واخضاعهم للعقوبات".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة