<< عبد الحكيم عبد الناصر لـ"اليوم السابع": إنسانيته الدافع الأساسي لقيادته لثورة 23 يوليو
<< نجل الرئيس الراحل: والدى طبق المساواة على أسرته وشقيقتى لم تلتحق بالجامعة لعدم حصولها على مجموع يؤهلها لذلك
هو أحد أهم الزعماء ليس في تاريخ مصر، ولكن في تاريخ الوطن العربى، تمتع بشخصية قيادية وقوية للغاية، بعض مما عاصروه قالوا إنهم لم يكونوا يستطيعون النظر في عينيه، على رأسهم شهادة الفنانة فردوس عبدالحميد، خلال حوارى معها عندما قالت "أذكر وأنا فى الخامسة من عمرى، وكان الرئيس الراحل يمر من شبرا بصحبة أحد الضيوف الدوليين فى سيارة مكشوفة، وكنت مع والدتى وسط المحتشدين لتحية الرئيس، عينى جت فى عينه فوجهت وجهى للأرض من شدة هيبة الرئيس الراحل"، شهادة تكشف قوة شخصية هذا الزعيم الذي كسب احترام العالم لما قدمه من تضحيات من أجل وطنه ولمواقفه الحاسمة، إنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
جمال عبد الناصر الزعيم والزوج والأب
هذا الزعيم يخفى داخله رقة وطيبة وحنية شديدة مع أسرته، فإن كانت قيادة البلاد تتطلب القوة والحسم والزعامة، فإن للأسرة احتياجات أخرى تظهر فيها شخصية جمال عبد الناصر الأب والإنسان والزوج، الشهامة والرومانسية مع زوجته، والأب الحنون لأبنائه المرتبط بأسرته، رغم تحمله مسئولية حكم البلاد في لحظة تاريخية، ولكن هذا لم يمنعه من القيام بواجباته الأسرية مع الزوجة والأبناء، خطاباته لزوجته خلال حرب تحرير فلسطين في عام 1948 تكشف حجم الحب الذي كان يكنه لتحية كاظم، في أصعب الظروف لم يكن ينسى أسرته وعائلته، كل هذا ينم عن شخصية مسئولة ومحبة لأسرتها وعائلتها، بجانب الزعامة والقيادة.
جمال عبد الناصر وزوجته
في الذكرى الـ53 لوفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، نسلط الضوء ليس على القائد والزعيم ولكن على "عبد الناصر" الإنسان، الذي قال عنه أليكسى كوسيجين الرئيس السوفيتى الأسبق عند وفاته :"عبد الناصر كان وسيبقى إلى الأبد فى ذاكرة الناس مناضلاً لا يلين فى الكفاح من أجل الكرامة الوطنية والعزة لشعبه"، ورثته أم كلثوم قائلة " أعطى ناصر مصر والعرب أسمى مبادئ.. سوف يذكرها له تاريخ الخلود.. من أجل الشعب وعزته وكرامته".
مذكرات تحية كاظم تكشف الكثير من جوانب شخصية الرئيس الراحل
من خلال الاطلاع على مذكرات تحية كاظم عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، سنجدها تكشف الكثير من الجوانب الشخصية للزعيم، خاصة خلال حديثها عن تقدمه لها للزواج، وحينها كان يشق حياته السياسية والوطنية، بعد التحاقه بالكلية الحربية وتخرجه منها، وأصبح يرسم لنفسه نمط حياة كان سببا كبيرا لأن يصبح الزعيم الوطنى الخالد كما يلقبه الكثيرون، حيث تحكى عن كيف تقدم لها جمال عبد الناصر قائلة: "كانت عائلتى على صداقة قديمة مع عائلته ، وكان يحضر مع عمه وزوجته التى كانت صديقة لوالدتى ، ويقابل شقيقى الثانى ، وأحيانا كان يرانى ويسلم على، فعندما أراد أن يتزوج أرسل عمه وزوجته ليخطبانى، وكان وقتها برتبة يوزباشى، فقال أخى - وكان بعد وفاة أبى يعد نفسه ولى أمرى - إن شقيقتى التى تكبرنى لم تتزوج بعد .. وكان هذا رأى جمال أيضا ، وقال : إنه لا يريد أن يتزوج الآن الا بعد زواج شقيقتى/ إنشاء الله يتم الزواج ، وبعد حوالى سنة تزوجت شقيقتى ..بعدها لم يوافق أخى على زواجى، لقد كانت تقاليد العائلة فى نظرى أن لى الحق فى رفض من لا أريده ولكن ليس لى الحق فى أن أتزوج من أريده ، وكنت فى قرارة نفسى أريد أن أتزوج اليوزباشى جمال عبد الناصر".
جمال عبد الناصر وتحية كاظم
خلال مذكراتها أيضا، تتحدث عن أولى أيام حياتها الزوجية قائلة: لم أكن رأيت المسكن من قبل ولا الفرش أو الجهاز كما يسمونه ، وكان فى الدور الثالث، صعدنا السلالم حتى الدور الثانى ثم حملنى حتى الدور الثالث، مسكننا، وكان طابقا بأكمله ، وله ثلاث أبواب باب على اليمين وباب على اليسار وباب على الصالة، الأول يوصل لحجرة السفرة، والثانى لحجرة الجلوس، والثالث وهو باب الصالة فى الوسط . وجدنا البيت كله مضاءا مكون من خمس غرف ، أمسك جمال بيدى وأدخلنى كل حجرات المنزل لأتفرج عليه ، وقد عجبنى كل شىء وأنا فى غاية السعادة، وصرفت فى تأسيس المنزل ممن ورثته من أبى، وكان لا يقارن بثراء أخى، وبدأت حياتى بسعادة مع زوجى الحبيب وكنا نعيش ببساطة بمرتب جمال، وتركت أخى وثرائه ولم أفتقد أى شئ حتى التلفون، لم أشعر أن شئ ناقص ونسيته، وأول مرة خرجت كان بعد ثلاثة أيام من زواجنا وذهبنا للمصور أرمان لنرى بروفة الصور، وكانوا اثنين قال لى جمال : اختارى التى تعجبك واخترت الصورة التى هى معلقة فى صالون فى منشية البكرى مع صور أولادنا الآن" .
خطابات بخط يد جمال عبد الناصر
كما تشير إلى شهورها الأولى في منزل الرئيس الراحل وبداية الحمل قائلة: "ابتدأت أشعر بحمل فاصطحبنى لدكتور مشهور فقال لى: إنه يجب أن يتابعنى مدة الحمل، فكان جمال يذهب معى كل شهر حسب تعليماته، لم يكن عندنا مراسلة أى العسكرى، الذى يكون مع الضابط فى منزله، إذ كان جمال يكره نظام المراسلة ويقول إنه نظام خاص بالضابط فقط، لكن البعض وهم الأغلبية يعاملونهم كخدم للأسرة وأكثر، لأنه لا يملك أن يشتكى أو يتظلم إذا ثقل عليه الشغل أو عومل بقسوة أو أن يترك المنزل ويبحث عن شغلة أخرى، وكنت على رأيه، كما كان يعتبر أن فى الطريقة هذه امتهانا لكرامة وعزة الجندى، كنت أقوم بتجهيز البدلة الرسمية بنفسى النجوم والأزرار أعطيها للشغالة تلمعها، وأنا أركبها فى البدلة إذ كانت فى ذلك الوقت تركب بدبل نحاسية، وأذكر أنه مرة كان يزورنى قبل الزفاف وكان يرتدى البدلة العسكرية فسألته عن النجوم التى على الأكتاف وكيف هى معلقة فأدار الجزء الملحق بكتف البدلة وأرانى فوجدتها دبلا نحاسية تعلق من ثقوب صغيرة بالنجمة التى بها زردية صغيرة وقال: ها هى وطبعا ضحكنا".
جمال عبد الناصر وزوجته تحية كاظم
وتقول خلال مذكراتها: "سافرت الشغالة لبلدها فى الريف، وكان لا بد أن يكون أحد فى المنزل، فأحضر جمال مراسلة وقال لى: إنه خاص به يقوم بلوازمه ويشترى لنا ما يلزمنا فقط، فكنت أنفذ رغبات جمال بدقة وأنا سعيدة ومقتنعة بكل شىء يقوله، وكان المجندون فى ذلك الوقت من أسر فقيرة أو أولاد الفلاحين المعدمين الذين يشتغلون فى أراضى الملاك الأغنياء، ولم يستطيعوا أن يدفعوا عشرين جنيها البدلية، استمر جمال فى المذاكرة لدخول الامتحان فى ديسمبر والضباط وغير الضباط يحضرون واحدا بعد الآخر أو اثنين، وأحيانا يجتمع عدد كبير يملأ الصالون ويمكثون وقتا طويلا، وعند حضورهم لا يحضرون فى وقت واحد ولا ينصرفون فى نفس الوقت أيضا، وهذه الاجتماعات كانت على فترات أكثر من أسبوع، فكان فى الأيام الأخيرة قبل الامتحان يذاكر حتى الصباح، وكان عدد من الضباط يحضرون ويدخلون حجرة السفرة، وأكثرهم مذاكرة معه عبدالحكيم عامر، وفى مرة أحضر معه زوجته لتبقى معى وهو يذاكر مع جمال وفى الأيام الأخيرة قبل الامتحان حضر ضابط اسمه زكريا محيى الدين، كان يدخل لجمال وهو يذاكر فى حجرة السفرة، وكنت أسمعه وهو يدقق فى فهم العلوم ويكرر، وقد ميزت صوته أيضا من تدقيقه فى الفهم وترديده الجملة، وقال لى جمال عنه إن والده يملك عزبة وإنه لم يتزوج بعد، وكان يحضر بعربته الخاصة الجديدة".
جمال عبد الناصر وزوجته خلال زفافهما
كما تكشف عن شهامة جمال عبد الناصر مع شقيقها، خلال محنة مرضه قائلة: "سنة 1946 فى آخرها مرض عبدالحميد شقيقى بصدره "درن"، ومكث فى البيت راقدا فى السرير، وأخى الثانى كان يسكن فى بيت آخر بعد رجوعه من الخارج.. يعنى كل بمفرده، وكنت فى حملى الثانى وكانت زياراتنا له قليلة، وبعد مرضه كان جمال يزوره كثيرا ويجلس معه، وكان يقول لى كثيرا عند رجوعه البيت بالحرف: أنا عديت على أخوكى، فكنت أسأله عنه، وطبعا كان يطمئننى ويقول: مكثت معه نتحدث، على عكس أقاربى.. قلت زيارتهم له، وعندما يزورونه يكون ذلك بتحفظ، يعنى من باب الحجرة، وكان جمال يقول: إزاى واحد يخاف من مريض يعديه بالمرض! أنا عمرى ما خفت ولا فكرت فى عدوى من مريض، إنه شىء غير إنسانى. دخل أخى المستشفى وأجريت له جراحة فى رئته، وعندما خرج من المستشفى وفى نفس اليوم زاره جمال فى المساء وبقى معه حتى الثالثة صباحا ــ وكنت أوشكت على الوضع وعندما رجع للبيت قال لى: أنا من وقت ما خرجت وأنا جالس مع عبدالحميد إذ وجدت شقيقاتك عنده، وكان تعبا يتنفس بصعوبة، ووجدت أخواتك يرحن واحدة بعد الأخرى وأخاك فى حالة صعبة فقلت: كيف أتركه وهو لا يستطيع التنفس بسهولة وشقيقاته ذهبن، سوف أبقى معه، وكان يطلب منى أن أذهب فقلت له: إنى باق معك، وقبل الثالثة صباحا قال لى: أنا الآن أتنفس بسهولة وأشعر براحة، وطلب منى أن أروح وقال: سأتناول كوب لبن، فقلت له: سأظل معك حتى تتناوله، وكان جمال مندهشا من شقيقاتى وكيف أنهن تركنه بعد أن تحسنت حالة أخى وخرج من المستشفى زار شقيقاتى وقال لهم: أكثر واحد فى الدنيا أحبه وأقدره هو جمال عبدالناصر إنه أكبر إنسان قابلته فى حياتى وأحبه أكثر منكن".
خطاب للرئيس الراحل جمال عبد الناصر لزوجته تحية
خطابات رومانسية
عزيزتى تحية قبلاتى وأشواقى، حيث يحمل الخطاب الأول تاريخ 12 يونيو 1948. وفيه يعبر عبدالناصر عن اشتياقه لزوجته، ويقص عليها أبرز ما رآه وحققه فى حرب فلسطين، متمنيا أن تحل الهدنة سريعا كى يتمكن من اقتناص إجازة خاطفة للقائها، وبقدر هذا الاشتياق كانت «تحية» تتقلب على فراش القلق، بدا هذا واضحا من ردها السريع بعد أقل من 4 أيام على تسلم خطابه، وفى رسالتها عبرت عن اشتياقها وافتقادها له، ثم طمأنته على ابنتيهما، هدى ومنى «لم يُنجبا وقتها إلا هما»، وحكت له جانبا مما تفعله البنتان، كأنها تستدعيه من فلسطين لتضعه داخل سيناريو حياتهن اليومية.
إحدى خطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لزوجته تحية
بعد يوم واحد من تسلمه رسالتها، يكتب «عبدالناصر» إلى زوجته، مفتتحا رسالته بالتعبير عن اشتياقه، وافتقاده لها وللبنتين «سلامى الزائد وأشواقى وقبلاتى لك»، ثم يتحدث عن الأموال التى يرسلها إليها، ويدعوها لأن تعطى بعض المال لشقيقيه الليثى وعزالعرب «كانا يدرسان وقتها». وفى اليوم نفسه يكتب رسالة أخرى، يعتذر فيها عن عدم وصول المبلغ المتفق عليه، بسبب خطأ حدث خلال كتابة الخطاب وإرساله. ويشرح الخطأ بأنه كتب اسمها على الخطاب «تحية كوتر» بدلا من تحية كاظم، شارحا طريقة حل هذه المشكلة.
خطاب لجمال عبد الناصر إلى زوجته
شهادة ابنة شقيقة تحية كاظم عن جمال عبد الناصر
لم تكن هذه هي الشهادة الوحيدة من أحد المقربين من جمال عبد الناصر عن شخصيته وحياته الأسرية، بل أيضا هناك شهادة لأحد أفراد عائلة زوجة الرئيس الراحل، وهي الكاتبة عايدة رزق ابنة شقيقة تحية كاظم، والتي كان لها معنا تصريح تكشف فيه عن علاقة الرئيس الراحل بعائلة زوجته عندما قالت :"كنا قريبين للغاية من أسرة الرئيس الراجل جمال عبد الناصر، وكان هناك ارتباط وثيق للغاية بين جمال عبد الناصر وعائلة زوجته تحية، فهى خالتى، كما أنى في سن هدى ومنى جمال عبد الناصر، وكنا أصدقاء للغاية، وعشنا مع بعض في منزل المعمورة لفترة طويلة، وكنا نعيش في بيت كبير لذلك علاقتنا قوية للغاية ، كما أن العلاقة كانت طيبة للغاية ولم يشغله منصبه عن حضور مناسبات عائلة زوجته، فقد حضر فرح شقيقتى ليلى عام 1965 ، حيث حضر فرحها من أوله لأخره في نادى الضباط للزمالك ، وكان حريص على الحضور من البداية، كما أنه كان يشجع العلم والتفوق وشقيقى سامى كان متفوق دائما في دراسته فكان دائما جمال عبد الناصر يسأل عنه ويسأل أولاده عن مجموع شقيقى سامى في الدراسة ويشجعه على التفوق".
خطاب لجمال عبد الناصر لزوجته تحية
كما كشفت عن علاقة جمال عبد الناصر بأولاده قائلة :" كانت علاقة رائعة للغاية، وهى قصة حب من طراز نادر، وهو ما يظهر بشكل واضح في الخطابات الرومانسية المتبادلة بينهما خاصة خلال تواجد الرئيس الراحل في حرب فلسطين 1948، بل رغم انشغال الرئيس الراحل بحكم منصبه ولكن هذا لم يمنع اشتياقه الدائم لزوجته ، بل إنه عندما كان يتواجد في مكتبه بالمنزل لأداء بعد الأعمال بحكم عمله وكانت تدخل عليه زوجته كان يقول لها "أهلا"، ولا يغضب أنها شغلته عن عمله، على عكس بعض الأزواج الذين يغضبون حال عطلتهم زوجاتهم عن عملهم بل كان هذا الموقف يكشف الحب العميق والكبير بينهما، فقد كان أبا رائعا، وكان كل يوم يتغدى مع أبنائه رغم مشغولياته العديدة في منصبه كرئيس جمهورية ولكن طالما أنه لم يسافر كان دائما يتغدى مع أبنائه ورغم كل مشاغله كان يجد وقتا يجلس مع أبنائه ، ويتناول وجبة الغذاء يوميا معا" .
خطابات جمال عبد الناصر لزوجته تحية بخط يديه
كما كشفت عن كيف كان يتابع جمال عبد الناصر أبنائه في المدرسة قائلة :"كان يسألهم عن أحوالهم فى الدراسة، وكذلك أدائهم للواجبات المدرسية وهل كانت هناك مشكلات يعانوها ليحلها معهم، وكان يوصيهم بأنه ممنوع أن يستغلون انهم أبناء رئيس جمهورية ليحصلون على اى امتيازات، لذلك لم نجد أبناء الرئيس الراحل يحصلون على أي امتيازات بل كان يتم معاملتهم مثل أبناء أي مواطن آخر، والرئيس الراحل كان حريصا على أن يحضر عيد ميلاد أولاده بشكل دائم حتى وفاته، ويقف وهم يطفون الشمع ويتحدث مع أصحابهم الذين يحضرون عيد الميلاد، كما كان يحضر حفلات المدرسة التي تقام نهاية العام الدراسى بشكل دائم، وكان يحضر الحفلة منذ بداية الحفل حتى نهايته، فقد كان إنسان متواضع وآب حنون وكان دائما ما يطلب من أبنائه أن يكونوا متواضعين ولا يطلبون أي امتيازات بحكم منصب أبيهم".
وحول طبيعة الطعام الذي كانت تتناوله أسرة جمال عبد الناصر قالت عايدة رزق :"كانت سفرة بسيطة مثل أي سفرة في البيت المصرى، وكان الطعام بسيط للغاية فكما قلت سابقا أنه كان يأكل دائما جبنة في العشاء ولا يغالى في الطعام، وما رأيته في منزله كان تأكيد على المساواة والعدالة والاجتماعية، فدائما ما كان يؤكد لأولاده أنه ليس معنى أنهم أولاد رئيس جمهورية أنهم سيتميزون عن باقى الشعب المصرى، وكان ممنوع على أي من أبنائه أن يتميزون عن الآخرين".
جمال عبد الناصر وأسرته
وعن علاقة الرئيس الراحل بزوجته تحية كاظم قالت:"كان يحترم زوجته بحكم احترامه الشديد للمرأة ويقدر المرأة لأن أمه توفت وهو صغير وهو ما جعله يقدر المرأة فكانت زوجته تحية هى الأم والزوجة والصديقة وأقرب الناس له بشكل دائم"، كاشفة عن مواقف تكشف حجم حب جمال عبد الناصر لزوجته قائلة :" عندما كان يقابل الضيوف في المنزل أو يتواجد في الأسفل وينتهى من عمله كان يبحث عن زوجته مباشرة ويبحث في كل غرف المنزل بل في غرف أولاده كى يجد زوجته ويجلس معها ، كما أنه بعد وفاته لم ترتدى خالتى تحية كاظم أي ملابس ملونة بل ظلت ترتدى الأسود حتى وفاتها".
عائلة جمال عبد الناصر
عبد الحكيم عبد الناصر يكشف في حوار خاص لـ"اليوم السابع" أبرز المواقف الإنسانية للرئيس الراحل
في الذكرى الـ53 لوفاة الرئيس الراحل، سعينا للتواصل مع نجله المهندس عبد الحكيم عبد الناصر، الذي كشف لنا الكثير من المواقف الإنسانية للرئيس الراحل والتي عايشها عبد الحكيم بنفسه مع والده، ورأها بعينه، وكذلك تطرق إلى كيف كان يتابع الرئيس الراحل عمليات الاستنزاف بنفسه، ويتابع مع القادة، وكذلك يتواصل مع أسر الشهداء في حرب الاستنزاف، وإلى نص الحوار..
في البداية.. حدثنا عن جمال عبد الناصر الإنسان الذي تزعم ثورة 23 يوليو وأصبح أبرز الزعماء في تاريخ مصر؟
في الحقيقة، هناك جانب إنسانى كبير في ثورة 23 يوليو التي قادها جمال عبد الناصر والتي كان سببها إنساني، لأن والدى عندما قاد الثورة كان ضابطا كبيرا بالجيش المصرى وكان قد حصل على ترقية استثنائية وكان مدرسا بكلية أركان حرب وكان هذا أعلى شيء في الجيش حينها وكان سيصل لرتبة اللواء وهو منصب كبير ولكنه ابدا لم يفكر في نفسه وكان لديه مبدأ أن النجاح الأساسي لأي شخصى هو نجاحه للجماعة وليس نجاحه في الجماعة، بحيث يعود نجاحك على الجميع.
ذكرت أن سبب اندلاع الثورة كان إنسانى.. كيف ذلك؟
سبب قيام الثورة هو سبب إنسانى لأن جمال عبد الناصر عاش منذ طفولته وسنوات عمره وهو صغير وتنقل مع والده بحكم عمل والده في البريد ورأى أحوال المصريين كلهم وكذلك حال أسرته خاصة أن أسرته لم تكن متيسرة ، بل كانت أسرة على قد حالها، فرأى الفلاح يعانى مع الإقطاعية ورأي الظلم ولم يرى تعليم ورأى نسبة الأمية بين الرجال تتجاوز الـ85 % وبالنسبة للسيدات تعدت الـ92 %.
إذا ماذا كانت أهداف جمال عبد الناصر وهو يقود ثورة 23 يوليو؟
جمال عبد الناصر لم يقود الثورة من أجل أن يحصل على الحكم بل أخذ الحكم كي يقوم به ثورة اجتماعية وثقافية التي كان يحلم بها للشعب المصرى، ويؤرخ لثورة يوليو أنها عندما قامت في 23 يوليو كان اسمها الحركة المباركة ولكن أصبحت ثورة كما ذكر طه حسين والإنجليز عندما صدر قانون الإصلاح الزراعى في 9 سبتمبر، لأن الكل أجمع أنه ليس انقلابا لأخذ السلطة أو الحكم ولكن ثورة بالفعل لها أهداف اجتماعية وتنوى تحقيق أهدافها.
هل إنسانية ثورة 23 يوليو والتي كانت المحرك لجمال عبد الناصر لقيادتها مرتبطة بأهداف تلك الثورة أيضا؟
نعم لأن أهداف الثورة خاصة القضاء على الإقطاع هدف إنسانى لأن الإقطاع يسبب تعاسة لملايين المصرين، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم لأن المؤسسات الرأسمالية تسببت في تعاسة ملايين العمال وكانوا يعملون أكثر من عدد ساعات العمل ويحصلون على رواتب متدنية ولا يوجد رعاية صحية لهم ولا يوجد تأمينات وفصل تعسفى وما يتعرض لعجز يفصلونه، بجانب القضاء على الاستعمار وهو يمثل العزة والكرامة، وعندما صدر قانون الإصلاح الزراعى كان لأول مرة الفلاح المصرى يملك الأرض من آلاف السنوات، فطوال عمره كان جزءا من أبعادية الملاك ويتعامل معهم ويعيش على القليل وليس لديه تعليم أو رعاية صحية وليس لديه أي فرص للخروج من إطار البؤس الذي كان لديه.
وكيف ساهمت إنسانية جمال عبد الناصر مصر في جعل مصر لكل المصريين خلال فترة حكمه؟
الديمقراطية التي كانت موجودة قبل عام 1952 كانت خش وكذب وخداع ومحكمة في طبقة معينة وهى طبقة النصف في المائة التي تتولى الحكم، و1923 كان قد وضع شروط معينة منها أنه لا يمكن لأحد أن يترشح إلا لو كان من كبار الملاك أو من الأعيان أو من العائلات المعروفة، ولكن مواطن عادي وفلاح لم يكن يستطيع أن يلتحق بالمجالس النيابية، فهذا هو الجانب الإنسانى الذي عمل جمال عبد الناصر على تنفيذه بأن تلك الطبقة التي تمثل 95 % من الشعب المصرى تجد جميع الحقوق، فالفلاحين يمتلكون الأرض والعمال يكون لهم كل حقوقهم وتحديد ساعات العمل وإلغاء الفصل التعسفى وحد أدنى للأجور بمبلغ يكفل للعامل حياة كريمة، وكذلك التعليم ومجانية التعليم بأن أي مواطن يكون من حقه أن يتعلم والعبرة بإنجازه، فالمتفوق هو من يكون لديه الحق في الالتحاق بالجامعات سواء كان ابن فلاح أو عامل فالجميع متساوون، ومن لا يحصل على مجموع لا يستطيع الالتحاق بالجامعات حتى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طبقها على نفسه فعندما لم تستطع ابنته الحصول على مجموع لم تستطع الالتحاق بالجامعة التي كانت تريد الالتحاق بها، واضطرت أن تلتحق بالجامعة الأمريكية التي كانت وقتها لم يكن يحب الكثيرون الذهاب إليها إلا إذا لم يستطع أن يلتحق بالجامعات المصرية، فكان أهم شيء لدى جمال عبد الناصر كيف تنهض بالشعب المصرى وتقضى على المظلومية التي عليه بكرامة والمواطن يكون له حقوق ولابد من الحصول على حقوقه فهذا هو الجانب الإنسانى .
ما أبرز الأمثلة التي تؤكد إنسانية جمال عبد الناصر في سياساته؟
أكبر مثال على إنسانيته هو الفرق بين حال العامل خلال حفر قناة السويس والذي عمل في أسوأ الظروف ومات فيها الآلاف من العمال، وبين العامل الذي بنى السد العالى، حيث كان يتسابق العمال على البناء وكانوا يحصلون على أفضل أجر ومؤمن عليهم، بينما قناة السويس عندما كان الفلاح يعرف أنه سيتم أخذه للحفر كان يهرب وكان يتم أسره، وكذلك ترعة المحمودية التي تم بنائها في عهد محمد على تم بنائها بالإجبار ومات فيها 13 آلاف إنسان وهم يحفرونها ، فهذه هي إنسانية جمال عبد الناصر.
هل هناك مواقف يمكن أن تذكرها تكشف ارتباط الرئيس الراحل بالفئات محدودة الدخل وإنسانيته معهم؟
جمال عبد الناصر لديه مواقف إنسانية كثيرة، أذكر أن أحد الأشخاص يدعى عم جابر على ما اعتقد، في إحدى المرات أرسل له في القطار رغيف عيش وبصلة، وحينها عرف جمال عبد الناصر عرف أن رغيف العيش والبصلة كانت يتم إرسالها لعمال التراحيل ، فكانت من الظواهر التي كان وجودها يحزن الرئيس الراحل كثيرا، ويرى أن اختفاء تلك الظاهرة يعنى أن ما يحلم به من إنسانية نحو الشعب المصرى قد تحقق، وقال جمال عبد الناصر حينها للمواطن إن رسالته وصلت وأن هذه الرسالة قادمة من عمال التراحيل وأصدر لهم قرارات تحسن حالتهم.
ما أبرز المواقف الإنسانية التي عاصرتها بنفسك مع والدك؟
أتذكر عندما كنا صغارا وكنا في الإسكندرية وقال لنا سيأخذنا لرحلة لجزيرة نيلسون، وعندما وصلنا الجزيرة وجد هناك صيادين بها، فجاء الحرس، ولكن جمال عبد الناصر طلب منهم ألا يتدخلون ويبعدون الصيادين بل طلب معرفة لماذا يجلس الصيادين هنا، وذهب وتحدث مع الصيادين وعندما رأوه لم يصدقوا أنفسهم، وجلس معهم جمال عبد الناصر وطمأنهم، وجلسوا جميعهم على الرمال ومعهم جمال عبد الناصر، وحكوا له كل مشاكلهم واستغلال المعلم لهم ويشغلهم ولا يعطيهم أموال كافية.
وماذا كان رد فعل جمال عبد الناصر بعد سماعه لمشكلات الصيادين؟
تأثر جمال عبد الناصر كثيرا بكلام الصيادين وقطعنا الرحلة وعدنا، وأصدر بعدها قرارا بعمل جمعية للصيادين هي من تحصل منهم على الأسماك بدون وسيط، ونفذ لهم مشروع في الإسكندرية معروف حتى الآن ودمياط ورشيد، وسموه مراكب ناصر وهى مراكب صيد، وكان الصياد يحصل على مركب الصيد بتقسيط طويل ومبلغ زهيد، وأي مجتمع صيادين في الإسكندرية يعرفون مشروع لانشات عبد الناصر، وتم حل مشكلة الصيادين، وقضى على استغلال المعلمين لهم، فكل مشروع نفذه جمال عبد الناصر كان أساسه الجانب الإنسانى لصالح المواطن المصرى
كيف انعكست إنسانية جمال عبد الناصر على أسرته؟
جمال عبد الناصر كان أهم شيء لديه بالنسبة لأسرته أنه لا يكون هناك تمييز بين أبنائه وبين أي أبناء آخرين في أي مكان، وما يمزنا مجهودنا فقط، فالمتفوق يكون متفوقا وغير المتفوق لا يلتحق بالجامعة التي يريدها، ولا يوجد استعلاء على أحد، فكان هذا خط أحمر ، فكنا نخشى أن نقع في شبهات موقف يتضمن استعلاء لأنه سيكون عواقبه كبيرة للغاية.
لننتقل إلى حرب الاستنزاف .. حدثنا عن كيف استقبل الرئيس الراحل أحداث 5 يونيو ؟
الكارثة التي حدثت في 5 يونيو 1967 كانت خارج كل التوقعات والسبب الرئيسى لها هو نجاح ثورة 1952 والتنمية التي حدثت في مصر في ذلك الوقت، وثورة 23 يوليو كانت هي الأمل لكل الشعوب المظلومة على الكرة الأرضية وأصبحت المثال لكل الشعوب الأفريقية وكذلك في أمريكا اللاتينية سواء جيفارا أو كاسترو، وهذه العملية بدأت بعد خروج مصر منتصرة في حرب 1956 بدأ التجهيز لأحداث 1967، وفي 9 يونيو بدأت أبعاد الكارثة بالكامل تتكشف، وقرر جمال عبد الناصر أن يتحمل المسئولية، وبناء عليه خرج في 9 يونيو وأعلن أنه متحمل المسئولية بالكامل وتنحيه عن أي منصب رسمي أو سياسي، وهنا بدأت حرب الاستنزاف.
وكيف استقبل جمال عبد الناصر خروج الشعب المصرى ليرفض تنحيه عن منصبه؟
إعلان جمال عبد الناصر كان بموجبه انتهاء كل شيء، وينتظرون نظاما جديدا، وتحدث المكالمة التي انتظرها موشيه ديان بشأن تنحى عبد الناصر، ولكن تحدث المفاجأة بخروج الجماهير في 10 يونيو، فالخروج التلقائى من الشعب المصرى والعربى بالملايين من كل مكان أخرج الانتصار الإسرائيلي من مضمونه وكان أكبر هزيمة للهزيمة نفسها، وخروج الشعب لم يكن بتمسك جمال عبد الناصر كشخص ولكن تمسك بمشروع جمال عبد الناصر المشروع والمستقبل والروح الوطنية وكل القيم والمبادئ التي كانت تعبر عنها ثورة 23 يوليو وجمال عبد الناصر.
وكيف كان يتابع جمال عبد الناصر عمليات حرب الاستنزاف في بيته؟
كنت حينها شابا في المرحلة الثانوية، وكنت أرى والدى عندما يكون هناك عمليات من فرق الصاعقة وفرق 39 قتال كان جمال عبد الناصر يتابع العملية حتى يطمئن أن كل أفراد العملية عادوا بسلام بعد تأديتهم للعملية، وعندما كانت تحدث خسائر أو شهداء في أي عملية بحرب الاستنزاف كنت أراه متأثرا للغاية وكان يهتم بكل التفاصيل ويتحدث بنفسه مع أسر وأهالى الشهداء، واستمرت حرب الاستنزاف لمدة 1000 يوم وكانت أول حرب تقف بناء على طلب وقف إطلاق النار من الطرف المعادي في أغسطس 1970 وكانت بمبادرة أمريكية بسبب كثرة الضغط على إسرائيل نتيجة حرب الاستنزاف، وكان جمال عبد الناصر متأكدا أن إسرائيل لن تنسحب من سيناء إلا بحرب عسكرية، ووجد أن المبادرة فرصة في ليلة تنفيذ المبادرة تحريك حائط الصواريخ ليكون على حافة قناة السويس.
هل هناك يوم لن تنساه خلال حرب الاستنزاف؟
هناك يوما لن أنساه كنت عائدا من المدرسة وكنت سأدخل لوالدى في غرفته، فوالدتى طلبت منى ألا أدخل له لأن مزاجه ليس جيدا، فسألتها لماذا ؟، فقالت لى والدتى :"حدث اشتباك ولدينا خسائر في طائرة والطيار لم يعود"، وبعدها وجدنا والدى يخرج من الغرفة وهو يتسم ويقول لوالدتى " يا تحية الحمد لله الطيار عاد بسلام وكذلك الطائرة"، وكأنه إنسان فقد ابنه ووجده مرة أخرى، وكان لديه نظرة أن الحل لابد أن يكون حلا شاملا وفي خطاب له عام 1968، أنه إذا كان الأمر سيناء فقط فإنه يمكن أن تعود بتنازلات بأن نتخلى عن التزامنا العربى ونوافق على شروط الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ونضع لإسرائيل اليد الطولى في كل بلد عربى، وإذا قبلنا هذا ستنسحب إسرائيل، للأسف لم يستطع أن يرى أولاده واليوم الذي كان يحلم به بالعبور لقناة السويس والعبور العظيم في حرب 6 أكتوبر، حيث أوفوا بالقسم وبكل شيء كان جمال عبد الناصر يحلم به ، والله عز وجل له حكمة بأن لا يرى جمال عبد الناصر هذا الانتصار، بل إن انتهاء مبادرة وليام روجرز كان يوم الـ40 لجمال عبد الناصر، فحرب الاستنزاف كانت عظيمة وانتصرنا فيها بشكل كامل وكانت مفتاح لحرب أكتوبر، ومن طلب أن تتوقف الحرب هو العدو نفسه .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة