أعلنت مؤسسة الشارقة للفنون عن إطلاق برنامج الموسم الثاني من "عروض الشارقة" الذي يقام في الفترة ما بين 19 أكتوبر الأول 2023 و11فبراير2024، ويضم ثمانية عروض أدائية معاصرة يقدمها فنانون من المنطقة والعالم.
منذ انطلاقته في العام الماضي يسعى موسم العروض الأدائية لمؤسسة الشارقة للفنون إلى اكتشاف مساحات اللقاء بين الفنانين المعاصرين وجمهور المدينة، واختبار تجارب من الإبداع المعاصر والحيّ في مجال فنون الأداء، والتي ترتبط بشكل وثيق بخصوصية مدينة الشارقة وسكّانها وفضاءاتها الحضرية وتراثها المعماري، وبمشاركة تفاعلية مع الجمهور والفنانين المحليين.
ومن هنا، فإنّ برنامج هذا العام الذي يقيّمه طارق أبو الفتوح مدير فنون الأداء في المؤسسة، يسعى إلى البحث في مسائل التراث ودوره في المخيلة المعاصرة، سواء التراث التاريخي الذي يصل في بعض الأحيان إلى مئات وآلاف السنين، أو التراث الحديث والأرشيف الذي تراكم على مدى عقود قليلة، فلطالما تفاعل الفن المعاصر في مجالاته المتنوعة مع التراث المادي والمعنوي، في عملية إبداعية معقدة تستكشف موضوعات الهويات والخصوصيات الثقافية، والنظم المعرفية الخاصة بالشعوب والجماعات والأقليات. ومثلما تفاعل الموسم الأول مع الفضاءات العامة، وقدّم عروضاً في شوارع وساحات المدينة، كذلك يتفاعل برنامج هذا العام مع المشروع الحضري والثقافي والفني لوسط مدينة الشارقة، حيث يقدم معظم عروضه في فضاءات فنية وبيوت وساحات تراثية، شكلت ولا تزال جزءاً مهماً في وعي سكان المدينة ومخيلتهم، لتكون انطلاقته بعرض مسرحي في مبنى دار الندوة تحت عنوان « تحولات 2» من إخراج الفنانة آسيا الجعايبي، بالاشتراك مع والدتها الممثلة جليلة بكار التي تعتبر علامة بارزة في المسرح العربي، واسماً طليعياً في الحركة المسرحية التونسية الجديدة التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي.
يحمل العرض نظرة نقدية من فنانة شابة لتاريخ عايشته منذ كانت طفلة في الرابعة من عمرها، ويتطرق لعلاقتها الشخصية مع أمها ومع فن المسرح، والعمل الثقافي، وعلاقة الفن بالسياسة.
ينتقل البرنامج إلى مبنى الطبق الطائر ليستضيف عرض «العودة» للفنان ريان تابت، والذي يقدم فيه تجهيزاً فنياً خاصاً يتداخل مع المبنى وعمارته الفريدة، ويتتبع عبره تاريخ تمثال على شكل رأس ثور من الرخام، اكتُشف أثناء التنقيب في معبد أشمون الفينيقي في لبنان عام 1967، وسُرق وتم تهريبه في بدايات الثمانينات، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، ليتم تداوله بين مقتني الآثار والتحف على مدى أربعين عاماً حتى عودته للظهور في صالات عرض متحف المتروبوليتان في نيويورك.
وعلى مدار ليلتين يقدم المخرج موهيت تاكالكار وفرقته المسرحية في ساحة الخط، عرضاً بعنوان «هونكارو» وهي كلمة باللغة الماراثية تعني فن الإصغاء، أو الحالة التي تصف الإنصات الفعّال، الذي يؤكد فيه المستمع للراوي اهتمامه عبر تعبيرات ملامح الوجه ولغة الجسد أو همهمات وألفاظ.
يجمع "هونكارو" بين ثلاث قصص معاصرة، تتناول تجارب ومحناً إنسانية مختلفة يربط بينها جميعاً أهمية الأمل لاستمرار الحياة.
وإلى ساحة الفنون وفي بيت السركال تحديداً، ينتقل البرنامج مع ثلاثة عروض، يحمل أولها عنوان «كورال الشبيبة» من إخراج جوديت بوروتش وبينس جيوروغي بالينكاس وماتيه تشيغيتي، الذين يسعون في هذا العمل لبث الحياة في تمثال ضخم تم نصبه أمام استاد رياضي في بودابست عام 1953 في فترة الحقبة الاشتراكية، وذلك عن طريق ستة مغنين شباب، يغنون مقتطفات من المقالات الصحافية التي تتناول ذلك النصب التذكاري، وأخبار ومذكرات الفنان اليوناني الذي قام بنحته، بالإضافة للعديد من التصريحات الصحافية للسياسيين والمقالات، مما يُلقي الضوء على الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة به منذ إنشائه واستمراره وبقائه رغم كل التغيرات السياسية التي مرت بالبلاد.
أما العرض الثاني فتقدمه فرقة برلين المسرحية تحت عنوان «كل الأشباح المخيفة»، حيث يُتاح للجمهور سماع ومشاهدة ثلاثين مونولوغاً، تروي قصصاً حقيقية جمعها الفنانون من الجرائد والمجلات ومشاهدات اليوتيوب، ليأخذ العرض طابعاً حميمياً حيث يجلس كل فرد من الجمهور أمام شاشة تظهر عليها شخصيات من مختلف أنحاء العالم، تروي قصصاً على حافة المصداقية، ومن ضمنها قصة تم إنتاجها خصيصاً لنسخة العرض في الشارقة، وذلك في ماراثون غير اعتيادي من فنون الحكي.
فيما يقدم ثالث العروض تجربة فنية جديدة تحت عنوان «ربما هنا» بمشاركة العديد من فناني المسرح والتجهيز الفني الحي، وفناني الفيديو والشعراء والكتاب، الذين تمت دعوتهم ليقدموا إبداعاتهم المعاصرة في غرف البيت وبشكل متزامن لعدة مرات في اليوم، بما يتيح للجمهور أن يختار ما بين أربعة أو ستة عروض لمشاهدتها في ليلة عرض واحدة.
"ربما هنا" يشير إلى عنوان الديوان الرابع للشاعرة خلود المعلا وهو عنوان ذو أبعاد زمانية ومكانية تلقي بظلالها الدافئة على المتلقى من خلال تفاصيل لها الكثير من الدلالات اللغوية. في قصائد هذا الديوان تتداخل اللحظة الماضية بالآتية من خلال الآن، لتشكل أفقا رحباً وممتداً للزمن.