عناقيد الخير.. "اليوم السابع" ترصد موسم حصاد وتجفيف التمور فى قرى البدرشين.. مليون نخلة تصل إنتاجية الواحدة إلى 120 كيلو.. "السيوى" فى قرية المرازيق المصدر الأساسى للعجوة.. والفلاحون: خير بنستناه من السنة للسنة

أشرقت الشمس وأرسلت خيوطها الذهبية لتعانق هامات النخيل في تلك البقعة الجميلة من محافظة الجيزة، يُسرع الفلاحون في الخطى بأجساد منهكة وملامح تبدو عليها الشقاء مهرولين لأعمالهم وفرحة ترتسم على وجوههم، متجاوزين مئات الأسبطة الخالية من التمور وتجمعات كبيرة من المناشر تملؤها الثمار المجففة، الكل يعرف طريقه فلم يمر وقتا طويلا وبدأوا يحزمون خصورهم بحبال ويتسلقون النخل برشاقة وخفة، يقطفون عناقيد التمور المتدلية يمينا ويسارا، ومن حولهم العربات تسير فى كل مكان لنقلها إلى "المناشر"، والنساء يحملن الصواني والطشوت ومطاردات الأطفال تتصاعد فرحا بموسم الحصاد.

 

لوحة بديعة ساحرة يغلبها خضرة نضرة وآلاف أشجار النخل المصطفة بجوار بعضها البعض ويتدلى منها عناقيد التمور بلونها الذهبي المشع.. تاريخ عريق يضرب بجذوره في عمق الأرض تجده هنا في قرى المرازيق والشنباب ومنشية دهشور وغيرها بمركز ومدينة البدرشين، والذي اعتاد أهلها بما يمتلكونه من أشجار نخيل تتجاوز المليون نخلة زرعها الأجداد والآباء منذ عشرات السنين، على التجمع في موسم حصاد التمور كل عام، والذي يتزامن اعتبارا من الأسبوع الأول من شهر سبتمبر وحتى نهاية شهر أكتوبر ومن ثم تجفيفه بتسطيحه للشمس وفرزه وطرحه في الأسواق بمختلف محافظات الجمهورية، بحجم إنتاجية يتراوح ما بين 100 كيلو جرام إلى 120 كيلو جرام للنخلة الواحدة.

 

 

وفيما يتسابق "طلاع النخل" في جني التمور، ويتقاسم الأطفال والسيدات تجميعه ونقله للمناشر، وينشغل عشرات العمال والفلاحين في مراحل التجفيف والفرز على مساحات واسعة مغطاة بأجولة بيضاء، تحدث محمد عبد التواب سليمان صاحب الـ22 عاماً، أحد "طلاع النخل" في قرية المرازيق لـ"اليوم السابع"، قائلا إن النخل يبدأ طرحه للتمور ابتداءً من شهر مارس ويستمر حتى شهر سبتمبر، ليقوموا بعدها بعملية الحصاد وتحديدا في اليوم العاشر من شهر سبتمبر حينها تكون ثمار النخيل بدأت في النضج ويستمروا في جني وجمع المحصول حتى نهاية الشهر، ويتزامن معها مراحل التجفيف والتنظيف والتعبئة والبيع، مشيرا إلى أن معظم أبناء القرية تجدهم في هذا الوقت من كل عام كُل في عمله بين تجميع التمور من النخل ونقلها لـ"المناشر" وتعبئتها تمهيدًا لبيعها.

 

 

"طلوع النخل" مهنة توارثها الأبناء عن الأجداد منذ سنوات طوال في قرى البدرشين، مغامرة محملة بالمصاعب والمخاطر قلما تجدها في أي مرحلة أخرى من مراحل الحصاد، حيث تعتمد على أدوات بدائية بسيطة ما بين منجل وحبل من الليف يستخدمه "الطالع" في الصعود وطبقاً عملاقاً يجمع فيه شتلات النخل إلا أنها تستحق المخاطرة بحثا عن الرزق، يقول "محمد": طلوع النخل ونزوله مهنة صعبة محتاجة لخبرة وخفة، أنا بطلع يوميا 20 نخلة باخد فيهم 500 جنيه يومية، مرة بطلع أطرح النخلة والمرة الثانية أربط عراجينها.. الناس كلها عايشة على حس التمر ده وهو التمر السيوي أرخص نوع وأحلى نوع يتعمل منه العجوة فسعر الكيلو منه أقصاه 25 جنيه وأوقات يعمل 20 جنيه، أما الوادي فالكيلو منه بـ40 جنيه والواحاتي بـ50"، مشيرا إلى أن التمر السيوي والذي تنتجه القرية جزء منه يتم توريده للمصانع لتصنيع العجوة وجزء آخر يتم تخزينه، وجزء يتم بيعه وطرحه في الأسواق.

 

 

أكثر من 60 يوما يقضيها أهالي قرية المرازيق في حصاد التمور بعد تمام نضجها، يقول عبد الفتاح زهران صاحب الـ70 عاما، والذي قضى عمره بين أشجار النخيل، ذلك الإرث الذي ورثه عن والده وأجداده: "المرازيق من القرى الأولى فى زراعة النخيل وإنتاج التمور خاصة السيوي منها أفضل الأنواع في مصر.. بنستنى الموسم من السنة للسنة، فهو بالنسبة لينا عيد وفرحة كبيرة، مننا اللي بيطلع النخلة ويجمع العراجين، وفي الوقت ده الأطفال بيكونوا متجمعين بيجمعوا التمر المتناثر على الأرض، ومننا اللي بيقلم العراجين ويفصل التمور منه، واللي بيكون مسؤول عن تجميع التمور بعد الحصاد داخل المناشر"، موضحا أن مرحلة المناشر هي مرحلة يتم فيها فرش أجولة بيضاء على مساحات كبيرة مكشوفة ومفتوحة ومتعرضة لأشعة الشمس المباشرة تحاط بالخوص من جميع الاتجاهات، تصنع خصيصا في أيام الحصاد وتستمر إلى ما يقرب الشهرين بداية من قطع السوباطات حتى انتهاء موسم التجفيف، ومن ثم يتم نثر الثمار عليها بعد جمعها لتجف لبضعة أيام حسب درجة الحرارة، وبعد تمام نضجها يتم فرزها لإخراج التالف منها وغسلها ومن ثم تعبئتها في كراتين أو أقفاص تمهيدًا لمرحلة البيع.

 

 

وبينما كانوا يأخذون قسطاً من الراحة يرتشفون سوياً بعضاً من الشاي، تحدث رفعت محمود حسنين صاحب الـ65 عاما، ومعه حسن خليل، عن تاريخ زراعة النخيل في المرازيق، مشيرين إلى أن تاريخ البلد مع النخيل يمتد لنحو 200 عام، حيث ولد كلا منهما وجد آبائه وأجداده يزرعون النخيل ويجمعون ثماره من التمور: "اتولدنا لقينا النخل كدة زي ما هو، كان منه القصير والطويل وزرعناه، دا اخد فدان وغيره فدانين، وفي أصحاب ملك أجروا للمزارعين علشان يزرعوا بالسدس أو الخمس أو النصف بأي ثمن وفي النهاية الكل بيُرزق.. دا موسم الكل بيستناه عشان ياكل ويتكسي دا غير الأسر اللي بتستناه علشان تجهز أولادها وتشتري شبكة الزواج، فالرزق مش بيقتصر على أصحاب الأرض بس وبيشمل العاملين باليومية وأصحاب الصناعات واللي بيستفيدوا من جريد النخيل في إنتاج الأقفاص والكراسي وغيرها"، مضيفين: "التاجر هو اللي بيقدر النخل عليه قد إيه من التمور مش بيقدر خشب، بيقدر السعر حسب عدد النخل وعليه قد إيه من "الأمتار" وبعدها بيقول كلمته، فالنخلة الواحدة في الأرض ممكن توصل إنتاجيتها حوالي 70 كيلو جرام".