فريد الأطرش عشق الغناء من تراتيل المدرسة.. والتقليد بداية ليلى مراد وعلقة فى الحضانة أول اكتشاف لموهبة عقيلة راتب
يبدأ العام الدراسى الجديد ويعود الطلبة للمدارس، يحملون مع حقائبهم أحلاما وآمالا وطموحات وهموما أيضا، يصنعون ذكريات ويترسخ فى ذهن كل منهم العديد من المواقف التى تصنع شخصياتهم وتؤثر فيهم، يقابل كل منهم زملاء وأساتذة يكون لهم أثر فى حياته، يحب أشياء ويكره أخرى، يكتشف هوايات فيجد من يحبطه أو يساعده على تنميتها، فى هذه المرحلة يلقى المستقبل بذوره فتترعرع وتتحدد هوية الإنسان واتجاهاته وشخصيته، وإذا نظر كل منا إلى فترات دراسته الأولى وما مر عليه فيها من مواقف وأشخاص سيجد أنه نتاج حتمى لكل هذا الماضى بحلوه ومره.
وهكذا كان نجوم الزمن الجميل، تأثر كل منهم بفترة طفولته وصباه والفترات التى قضاها فى مدرسته وما مر به من مواقف وأحداث صنعت شخصيته وظلت راسخة فى وجدانه.
فى هذا الملف نكشف كيف أثرت فترات الدراسة وذكرياتها ومواقفها وشخوصها فى نجوم الزمن الجميل وما مر على هؤلاء النجوم من مواقف تركت أثرها على حياتهم إلى الأبد.
آهات شادية
من أكثر النجوم الذين كان للمدرسة دور فى اكتشاف موهبتهم الفنانة الكبيرة شادية، والتى كتبت فى شبابها مقالا كشفت خلاله أنها اكتشفت موهبتها فى الغناء بالصدفة وبسبب درس عربى كان مقررا عليها وهى فى الصف الثالث الابتدائى.
وقالت الفنانة الكبيرة إنها منذ صغرها كانت تحب القراءة بصوت مرتفع وأن هذه العادة هى السبب فى تعلمها الغناء وإجادته بسرعة، مؤكدة أن صوتها كان يعلو دائما على أصوات زميلاتها التلميذات.
وأوضحت شادية أنها عندما كانت فى الصف الثالث الابتدائى كان مدرس اللغة العربية يطلب منها دائما قراءة درس المطالعة، وذات يوم طلب منها المدرس قراءة صفحة لم يقرأها لهم من قبل، وكان الدرس يحكى قصة طفلين اصطادا عصفورا صغيرا، وكان الحوار بين العصفور الأسير والطفلين اللذين يعذبانه.
ومضت شادية تقرأ الدرس حتى وصلت لعبارة على لسان العصفور يستعطف بها الطفلين قائلاً: «آه آه أه اتركونى لحالى»، ولكنها قرأت الجملة «51 51 51 اتركونى لحالى، حيث ظنت أن الألف هى رقم 1 والهاء المربوطة رقم 5، فنظر إليها المدرس فى دهشة وطلب منها أن تعيد قراءة الجملة، ولكن شادية قرأتها بنفس الطريقة «واحد وخمسين واحد وخمسين واحد وخمسين.. اتركونى لحالى»، فضحك المدرس وضحكت كل التلميذات معه، وقال لها المدرس: «يا شاطرة انتى بتقرى مطالعة مش حساب، المكتوب عندك معناه إن العصفور بيستغيث من الألم وبيقول آه آه. وأوضحت الفنانة الجميلة أنها فهمت خطأها وحزنت وصممت أن تردد كلمة آه كلما خلت بنفسها حتى تتدرب عليها جيدا، ثم أخذت تسمع كل الأغانى التى وردت فيها كلمة آه وتحفظها وترددها حتى أتقنت الغناء بسبب درس اللغة العربية الذى أخطأت فى قراءته.
عماد حمدى ودرس الإنجليزى
وكان الفنان الكبير عماد حمدى تلميذا نجيبا وطالبا مجتهدا طوال مشواره الدراسى وكان يدرس له مادة اللغة الإنجليزية الفنان والمؤلف بديع خيرى، الذى كان يعمل مدرساً قبل أن يتفرغ للعمل الفنى، وجمعه بتلميذه عماد حمدى حب الفن فكانا يتحدثان عن المسرح والتمثيل، وبعد أن ترك خيرى مهنة التدريس وتفرغ للمسرح رشح تلميذه عماد حمدى لدور فى مسرحية شكسبير «كيريالانوس»، وذكاه لدى الفنان عبدالوارث عسر، وكانت المرة الأولى التى يقف فيها عماد حمدى على المسرح، ومن يومها عشق عماد حمدى الفن وشارك فى عدد من فرق الهواة وتتلمذ على يد الفنان الكبير عبدالوارث عسر، ولكن لم يشغله الفن عن دروسه ، وكان إذا أقبل الامتحان اعتكف فى منزله ليذاكر دروسه، ويخرج من الامتحان واثقا فى النجاح، ليستأنف طريق الفن حتى حصل على بكالوريوس التجارة وأصبح بعدها فتى الشاشة الأول.
شغب وحش الشاشة
أما وحش الشاشة الفنان الكبير فريد شوقى فقد كان طوال حياته الدراسية تلميذا مناكفا، فكان الفتوة فى المدرسة الابتدائية، وكان الزعيم فى مدرسة الفنون التطبيقية، وغالبا لم يكن ينجح إلا فى امتحانات الدور الثانى، وأشار فريد شوقى فى مقال كتبه لمجلة الكواكب عام 1955 إلى أنه نجح مرة واحدة فى الدور الأول بامتحانات النقل من الصف الثالث للصف الرابع الابتدائى، والسر فى ذلك أنه قضى فى السنة الثالثة 4 سنوات كاملة، كما تحدث عن أول سيجارة فى حياته وكيف بدأ طريق التدخين حين كان صبيا عمره 18 عاما وكان حينها طالبا فى مدرسة الصنايع .
وأوضح وحش الشاشة أنه كان له صديق مدخن يذاكر معه وهو الذى أغراه بالتدخين حتى اعتاد عليه وأصبح لا يستطيع الاستغناء عن السيجارة.
وأشار وحش الشاشة إلى أنه كان للمدرسة دور كبير فى وضعه على بداية طريق الفن.
وقال ملك الترسو: «كان لى هوايتان وأنا طالب فى سن السابعة عشر من عمرى، الهواية الأولى الملاكمة والثانية التمثيل، وكان مدرب المدرسة يعتز بى وبقبضة يدى ويرشحنى لبطولة عالمية ودورة أوليمبية تعقد فى برلين».
وأوضح فريد شوقى فى مقاله أنه كان أسرع المنافسين وفاز ببطولة منطقة القاهرة، ولم يبق أمامه إلا أن يهزم بطل الإسكندرية حتى يسافر للبطولة الدولية.
وتابع: «كنت مزهوا بانتصارى وأصابنى الغرور، خاصة أن أغلب الجمهور كان يشجعنى واستهنت بخصمى، ثم فجأة حدث ما لم أكن أتوقعه حيث عاجلنى خصمى بضربة أفقدتنى الوعى وأفقت وأنا فى غرفة الملابس وتبدد حلمى فى السفر فبكيت وأقسمت يومها ألا أدخل حلبة الملاكمة طيلة حياتى».
وأضاف: «كان عزائى بعد ذلك هوايتى الثانية التمثيل وكنت أتقلد أدوار البطولة فى كل المسرحيات التى تقدمها المدرسة».
وتحدث ملك الترسو عن الحدث الذى غير مجرى حياته قائلاً: «فى عام 1949 تخرجت من المدرسة وأعلن يوسف بك وهبى عن مسابقة للوجوه الجديدة للانضمام إلى الفرقة المصرية وقررت ألا أضيع الفرصة، فكتبت خطابا إلى الأستاذ يوسف وهبى».
وأوضح فريد شوقى تفاصيل ما كتبه فى خطابه ليوسف وهبى، قائلا: « كتبت له : أحب أن أحيطكم علمًا يا أستاذى العظيم بأننى أستطيع أن أحاكيك فى التمثيل بذات الصوت والحركة المسرحية ولهذا أرجو أن تختارنى من بين من سيتقدم إليك حتى تضمن للفرقة المصرية بطلا لا يشق له غبار».
وأكد وحش الشاشة أنه ظل يتدرب على أداء يوسف وهبى وطريقته حتى لفت انتباه الجيران الذين كانوا يسمعونه ويصفقون له.
وتابع: «يوم المسابقة وقفت بين المتسابقين الذين تدربوا على مواقف من روايات مختلفة، وكانوا يتميزون بالوسامة والأناقة الكاملة ولم أكن مثلهم، ورغم ذلك كنت واثقًا من أننى سأكون بين الفائزين». وأضاف: «بدأ يوسف وهبى الامتحان ونادى قائلاً: فيكم واحد اسمه فريد شوقى؟، فقلت أيوة يا بيه أنا، وبدأ امتحانى وكنت قويا فيما أديت، فأعطانى دور كومبارس بالفرقة، وبعدها أعطانى أدوارا ثانوية ثم التحقت بمعهد التمثيل بعد افتتاحه ولكننى لم أنفصل عن الفرقة المصرية».
فريد النجيب
أما الموسيقار الكبير فريد الأطرش فقد كان تلميذا مجتهدا، وانتقلت أسرته من جبل الدروز إلى مصر بعد ثورة 1924، وكان وقتها طفلا صغيرا والتحق بمدرسة «الخرنفش الفرنسية»، واكتشف المدرسون أن صوته جميلا، فألحقوه بفرقة «التراتيل» ، التى كانت تنشد التراتيل الدينية فى المدرسة.
وكان فريد الأطرش وقتها يحفظ أشهر أغانى عبدالوهاب، ووصل صيت صوته الجميل إلى مارى منصور وكانت صاحبة فرقة فنية فألحقته بفرقتها، وكان يغنى فى الصالة مساء بعض أغانى عبدالوهاب ويذهب إلى المدرسة فى الصباح، وبعد فترة عمل بفرقة بديعة مصابنى وفى الإذاعات الأهلية والإذاعة المصرية ثم انطلق فى طريق الشهرة والمجد.
علقة عقيلة
وكان للصدفة دور فى حياة الفنانة الكبيرة عقيلة راتب التى تحدثت فى حوار نادر عن طفولتها مشيرة إلى أنها كانت تلميذة فى مدرسة أجنبية لرياض الأطفال فى الفجالة، وكانت تمسك مجلة من مجلات الأطفال المصورة فحاولت زميلة لها انتزاع المجلة من يدها، فنشبت بينهما مشاجرة وهجمت الطفلة كاملة محمد كامل التى اشتهرت فيما بعد باسم عقيلة راتب على زميلتها وضربتها ضربا مبرحا، وتم اصطحابهما إلى ناظرة المدرسة.
وطلبت ناظرة المدرسة من الطفلة كاملة أن تروى لها تفاصيل ما حدث، فقامت بتمثيل ما حدث وقلدت زميلتها فيما قالته وفعلته، ولفتت قدرتها على التمثيل انتباه الناظرة فاستدعتها بعد أيام من هذه الواقعة وأسندت لها دورا ضمن مسرحية تقدمها المدرسة، فأدته الطفلة ببراعة ملفتة، وبعدها أصبحت رئيسا لفريق التمثيل بالمدرسة، وفى كل مدرسة التحقت بها بعد ذلك حتى شاهدها زكى عكاشة صاحب فرقة عكاشة المسرحية، وعرض عليها التمثيل فى الفرقة وكان عمرها 14 عاما، لتبدأ رحلتها فى طريق الفن والنجومية وتغير اسمها إلى عقيلة راتب.
ليلى مراد وتقليد كبار المطربين
وكانت قيثارة الطرب الفنانة الكبيرة ليلى مراد طالبة فى مدرسة الراهبات عندما وقفت لأول مرة فى إحدى حفلات المدرسة تقلد أم كلثوم وعبد الوهاب وتغنى بعض أغانيهما، فنجحت نجاحا كبيرا، لدرجة أن المدرسة أقامت حفلا خاصا تقلد فيه تلميذتها ليلى مراد مشاهير المطربين والمطربات ورصدت ريع هذه الحفلة لصالح صندوق المدرسة.
ومن هنا آمنت ليلى مراد بموهبتها وعملت على تنميتها فبدأت تحبس نفسها فى مكتب والدها الموسيقار والملحن زكى مراد الذى كان مديرا لإحدى شركات الأسطوانات لتسمع كبار المطربين والمطربات وتقلدهم.
لدغة فاتن
وكان لفترة الدراسة دور كبير فى تخلص سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من «اللدغة» التى كانت تعانى منها، حيث كتبت فى مذكراتها التى نشرتها مجلة الكواكب عام 1965 تفاصيل موقف طريف حدث لها عندما التحقت بمعهد التمثيل، تحت عنوان «معهد التمثيل خلصنى من لدغتى».
وقالت سيدة الشاشة العربية إنها تقدمت للالتحاق بالمعهد وكان هناك عدد كبير من المتقدمين لاجتياز اختبارات القبول وصل عددهم إلى أكثر من 400 شاب وفتاة، واجتازت الاختبارات وتم اختيارها ضمن 12 شابا و7 فتيات من بين كل أعداد المتقدمين.
وفى أول يوم من أيام الدراسة دخل المحاضرة الفنان الكبير زكى طليمات الذى كان أستاذا بالمعهد، وبدأ يتحدث إلى الطلبة والطالبات وما كاد يلمحها حتى ناداها قائلاً «تعالى هنا ياعروسة».
وكتبت الفنانة الكبيرة فى مذكراتها «دفع الغضب بالدماء إلى وجهى وصحت بعصبية وأنا جالسة فى مكانى: أنا مش عروسة أنا فاتن».
وأشارت الفنانة الكبيرة إلى أن زكى طليمات بذل مجهودا كبيرا محاولا إخفاء ابتسامته ثم قال «طيب تعالى هنا يا فاتن»، فذهبت إلى مقدمة الفصل ليسألها أستاذها «اسمك إيه يا فاتن»، فأجابت وما زالت أثار الغضب عليها «فاتن حمامة».
وتابعت «ضحك زكى طليمات وضحك معه الطلبة والطالبات، فصرخت فيهم: بتضحكوا على إيه ياحضرات؟، ثم سألنى «انت بتحبى التمثيل يا فاتن»، فأجبت بلهجة عصبية «طبعا، ولو ماكنتش بحبه ماكنتش جيت هنا».
وسأل طليمات فاتن حمامة عن اسم المسرحية التى امتحنت فيها فأجابته.
واستكملت سيدة الشاشة العربية باقى الحكاية قائلة: «لاحظ طليمات أننى أنطق «الراء» «غين»، وهى لدغة كانت تلازمنى منذ الصغر ولم يكتشفها إلا أفراد قلائل، فقام إلى السبورة وكتب جملة طويلة مليئة بحرف «الراء»، وطلب منى أن أقرأ الجملة بصوت مرتفع، ولما قرأتها كان يسد أذنه بيده حتى لا يسمع نطقى لحرف الراء».
وتابعت «فجأة قال لى طلعى لسانك يا فاتن، وضحكت من هذا الطلب وسألته: «أطلع لسانى ليه؟»، فقال: «علشان أشوف الحتة الناقصة منه»، فضحكت وضحك الجميع».
وأضافت فاتن حمامة: «منذ هذا اليوم نشأت بينى وبين زكى طليمات صداقة التلميذة وأستاذها وكان يشيد بمواهبى، ولم يمض العام الأول من دراستى بالمعهد حتى كنت قد تخلصت تماماً من نطق « الغين»، وأصبحت أنطق «الراء» واضحة .