نصوص شعرية لـ شهدان الغرباوي.. بعد رحيلها

الإثنين، 04 سبتمبر 2023 02:00 م
نصوص شعرية لـ شهدان الغرباوي.. بعد رحيلها شهدان الغرباوى
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رحلت أمس الشاعرة شهدان الغرباوى، وذلك بعد صراع مع المرض، ونقرأ معا قصيدتين لها:

تركي لي بعضًا من الذكرى حتى الصباح

بِحُكم العادة

دَأَبتُ على تعاطيه كل صباح
وعلى تركِه حتى الصباح التالي دون غَسل
ربما كان ذلك لدواعي التذكر
أو لاجترار لحظات البهجة
اللذة
النشوة
صعود الرأس
أو لأتشمم، من آن لآخر، وَقَار عطره البُني
فنجان القهوة خليلي، ذو النكهة المذهلة
أثيري الذي لا يُمكنني، بأمر الطبيب المزعج، تكرارَه في اليوم والليلة
أنا لا أطيق أن أراه فارغًا، وميتًا هذه الميتة البيضاء، ولو للحظة واحدة
كانت إبنتي الطفلة، منذ أن سكنت َرحِمي، تعشق طعم القهوة، لون البن الغامق، مشهد أول غليانه
وتعشق الرواسب التي أتركها في فنجاني
طبعًا، هي ابنتي، وصِنوتي ووريثتي، بعد عمر طويل
وأنا أشفق على نعومة بياضها، رهافتها، الفرنسية من الأرق وهالاته السوداء
مرة، ضَبَطْتُها تلعق بقايا البن من فنجاني والذي أضعه بعيدًا عن متناول الأطفال
وهي توشك على أن تأتي عليه بإصبعها الأبيض، الصغير، وطرف لسانها الملائكي
وسمعته، يصرخ مستغيثًا ومتوسلًا إليها أن تكف عند هذا الحد
وتترك له بعضًا من الذكرى
التي يعيش عليها حتى الصباح التالي
 
 
 
 

الصحراء ليس بها نوافذ

أنت بريء، لعدم ثبوت التهمة

أنت لا تشبهُهم
وأشهد أنك ما كنت فيهم إذ ينفخون بالونات الغربة في وجه أنشودتي المدرسية
أو يتجاذبون ـ من نزق ـ جناحي (الباليرينا)
حيث صفّفتهما بعناية تليق ببياض صعودها
وما كنت فيهم إذ يُطيّرون مع البالونات حوارات تعلو قامتي قليلاً
أنت قذفتهم بعيداً جداً
وأسقطت كل البالونات
لكن على سجادة ناعمة
حتى إذا ما صعدت (الباليرينا ) ضمن رقصة حانت، رحت وحدك تُعلق بالونات الغربة على حوائط أعيادي.
 
 
***
كثيرة كانت أثوابهم
لكل محفل لون يناسبه
ولي قلب وحيد ألبسه في كل محفل
وروح على عتباتهم كانت تخلع نعليها وتدخل مكشوفة الرأس
وكانوا لا يحتملون للآلئ رخاوة
يريقونها على أرضية نكاتهم متراقصين فوقها بدهشة بالغة حتى إذا ما يبّسَتْ أحذيتُهم قوامَ أصابعي بت قادرة على فتح علب دهشتهم
لكن نكاتهم أبدا لم تضحكني
وأشهد أنك ما كنت فيهم إذ يتراقصون أو يندهشون
وأن نبرة في صوتك ـــــ عبر الهاتف ــــــ ليست مزودة بمِجهر يضعني كاملة على طاولتك
لكنك ــــــ برغم المحافل ــــــ كنت متيماً بقراءتي
دون تأويل،
وأنكَ كنت لملَمتَني من كل محفل وعابراً بي إلى زاوية في صحراء.
 
 
***
أُنبيكَ صديقي:
الصحراء بعيدة عن مقر حياتك اليومية
والملائكة التي جعلتها على رخاوة رأسي لم تخدشها بالجلوس على الزاوية المقابلة
الصحراء ليس بها زوايا مقابلة
والحوائط التي رفَعت قواعدَها نبرةٌ في صوتك عبر الهاتف، أتاحت لهم شقوقاً يبصّون منها على صلواتي السرية، أو يرصدون معدل إجابة الدعاء لواحدة نبذت عن رأسها خرقة لا شأن لها بمسألة الروح
إن الملائكة طيبة جداً، لم ترفع أصواتها على صوت اغترابي
وأشهد أنك ما كنت فيهم إذ يراكمون بأحاديثهم الجانبية بلورات الغصّة غير آبهين بمقاس حلقي
أنت لم تشاركهم النجوى
لكنك رحت تغلف آخر ثغوري برقائق من حياد قسماتك العازلة للأنين
وأنا لا نافذة لي.
 
 
***
الصحراء ليس بها نوافذ
بينا، في فعلٍ علني فاضح، تتكسّر دمعاتي على صفحات طبعة شعبية
جراحاتي في متناول الجميع
أنا لا ستائر لي
الصحراء ليس بها ستائر
ونبرة في صوتك عبر الهاتف خلاصٌ مباشر
كنت تُمَرّرُها عليّ كالماء، يمرّره مباحثيٌّ على عَينيّ متّهمٍ من آل ياسر
وعندما تخرج تعلّقها فوق، بسماءٍ لا يدركها بصري
وأعرفها بصواعق صمتك
المنزلَة على أفراحي الليلية.
 
 
***
والملائكة التي جعلتها معي
ظنونها لم تُبقِ لأجنحة (الباليرينا ) قدرة للارتفاع على جحيم التفاصيل:
أقول:
لا (ﭬاز) لي لأضع ( تيوليبي) البنفسجيّ
لا (تيوليب) لي لأُسكِت خواءَ الــــ (ﭬاز)
وأشهد أنه:
بيني وبينك
لا حوائط
لا فضاء.
 
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة