"حكاية شعب" هكذا يمكن وصف السد العالى بعد مرور 64 عامًا على وضع حجر الأساس لهذا المشروع القومى الذى حافظ على مصر من مخاطر الفيضان وحماها من الجفاف وزادها رخاء واستقرارًا وعمرانًا.
ومنذ بناء السد العالى وهو يقدم العطاء بلا وهن فقدم لمصر تنمية زراعية وحماها من الفيضانات، وكهرباء، وساهم فى جذب السياحة لأسوان، فهو مدرسة ثقافية لمهندسى الرى ويعمل به نحو 1500 موظف وفنى ومهندس هم جنود حماية السد.
فى مثل هذا اليوم، 9 يناير من عام 1960 وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حجر الأساس لبناء السد العالى بعد إقراض الاتحاد السوفيتى لبلاده مبلغ 100 مليون دولار، مع رفض البنك الدولى تمويل بناء السد.
ويعد "السد العالى" أعظم المشروعات الهندسية التى أنشئت فى القرن العشرين ولا يضاهيه أى عمل هندسى سواء أكان خاص بالمياه أو غير ذلك، لأن بناءه سبقه دراسات وأبحاث للاستفادة من ترويض نهر النيل من خلال الفيضانات التى تتردد عليه بنسب متفاوتة كل عام.
والسد العالى جاء لتلبية احتياجات مصر وقتها من المياه والكهرباء والزراعة وغير ذلك، حيث تم وضع حجر أساسه فى يناير 1960 وتم تحويل مجرى النيل فى 16 مايو 1964.
واستمر الإنشاء حتى تم الافتتاح والتشغيل الكامل للسد العالى فى عام 1971، وبدء توليد الكهرباء من أول توربينات السد العالى فى عام فى أكتوبر 1967، ودخولها الخدمة لإنارة كل النجوع والقرى فى مصر، بجانب الاستفادة من تحويل أراضى الحياض إلى الرى الدائم لنحو مليون فدان، علاوة على ظهور مساحات زراعة الأرز، بخلاف مظاهر التنمية التى بدأت فى المجتمعات الجديدة لصحراء مصر.
وبعد 64 عامًا على وضع حجر أساس أعظم مشروعات السدود على مستوى العالم خلال القرن العشرين، لا يزال المصريون يحتفون بهذه المناسبة التى أصبحت منذ ذلك التاريخ عيدًا قوميًا لمحافظة أسوان.
وترجع فكرة بناء السد العالى فى المناطق العليا من النيل لخلق بحيرة صناعية من الماء العذب، واتخذ قرار البدء فى بنائه عام 1953 وشكلت لجنة لوضع تصميم للمشروع، وفى ديسمبر 1954، تم وضع تصميم للسد العالى بإشراف المهندس المصرى موسى عرفة، والدكتور حسن زكى بمساعدة عدد من الشركات العالمية المتخصصة.
وواجهت مصر فى ذلك الوقت صعوبة فى إيجاد الموارد التى تمكنها من المضى فى تنفيذ ذلك المشروع العملاق، ما دفعها للجوء إلى الدول الغربية لمساعدتها من الناحية المالية والفنية والتكنولوجية، التى رفضت تقديم المساعدة لمصر، وظلت الحكومة المصرية تشعر بالقلق بسبب ما تعانيه من مشاكل اقتصادية.
ورفضت الحكومة المصرية الشروط التى قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالرغم من حاجتها إلى التمويل لاستكمال المشروع لأنها كانت شروطًا تمثل خطورة على مصر، ما أدى إلى سحب الحكومة الأمريكية القرض الذى كانت ستقدمه لبناء السد العالى بحوالى 56 مليون دولار، والحكومة البريطانية القرض الذى كانت ستقدمه بـ15 مليون دولار، كما رفض البنك الدولى منح الحكومة المصرية القرض الذى تم الاتفاق عليه بقيمة 200 مليون دولار، وجاء قرار سحب تمويل السد العالى بداية العداء بين مصر ودول الغرب.
قال الدكتور هانى سويلم، وزير الموارد المائية والرى، إن هذا مشروع إنشاء السد العالى يعد "أعظم مشروع هندسى فى القرن العشرين"، وقد حمى هذا المشروع مصر من الجفاف والفيضانات على مدى عشرات السنوات، قائلًا: "هذا العمل الضخم من نموذج لقدرة الشعب المصرى على البناء والعمل عندما استطاعت السواعد المصرية بناء السد العالى بكل إصرار وعزيمة".
وأضاف: "سنحتفل أيضا خلال أيام بذكرى قيام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بافتتاح مشروع السد العالى فى يوم 15 يناير عام 1971، هذا اليوم الذى أصبح عيدا قوميا لمحافظة أسوان".
وتوجه سويلم، بالتحية والتقدير لكل من شارك فى تحقيق هذه الملحمة التاريخية حينما كتب العاملين بهذا المشروع تاريخًا عظيمًا يُروى لأجيال عديدة قادمة، عندما تمكنوا من ترويض الطبيعة الصخرية فى جنوب مصر ليبنوا السد العالى كعلامة بارزة وخالدة فى تاريخ مصر.