أصدر محمد على باشا فرمانا بإعادة تنظيم جريدة «الوقائع المصرية» على الوجه الأكمل برئاسة رفاعة الطهطاوى، وفى 11 يناير، مثل هذا اليوم 1842 اجتمع المسؤولون لتنفيذ هذه الغاية، وبدأ «الطهطاوى» مهمته محدثا ثورة حقيقية فى الجريدة جعلته «يستحق أن يكون أول صحفى مصرى» بتقدير الدكتور محمد عمارة فى كتابه «رفاعة الطهطاوى رائد التنوير فى العصر الحديث»، و«أبو الصحافة المصرية» وفقا للدكتور لويس عوض فى كتابه «تاريخ الفكر المصرى الحديث ومختارات أخرى».
كانت 14 عاما مضت على صدور «الوقائع المصرية» بفرمان من محمد على عام 1828، ويذكر الدكتور إبراهيم عبده فى كتابه «تاريخ الوقائع المصرية 1828-1942»: «فكر محمد على فى إنشاء الوقائع المصرية واعتبارها جريدة الحكومة المصرية، فأصدر أمرا بتهيئة الوسائل لنشر هذه الجريدة، وكتب إلى المديرين ورؤساء الدواوين لعمل خصوصية عن الوقائع التى تحصل بالجهات وإرسالها إلى قلم الوقائع الذى صار إنشاؤه بتاريخ 15 رجب 1244 هجرية لطبعها وتوزيعها على الذوات الملكية والجهادية، وتحصيل ما تقرر على ذلك من الرسوم ثم رسم لها خطة الذيوع والانتشار، واهتم أشد الاهتمام بتوزيعها على أكبر عدد من رعاياه، وصدر أمر بتوزيعها على رجالات الدولة، وحرص على أن يقرأها حرمه، فأمر بأن يرسل عددان إليها».
يضيف «عبده» أن العدد الأول من «الوقائع المصرية» صدر يوم 3 ديسمبر 1828، ولم يكن لها ميعاد معلوم فى الظهور، فحينا تصدر ثلاث مرات فى الأسبوع وأخرى مرة واحدة، وفى بعض الأحيان تطول الفترة بين العدد والعدد، وصدرت فى أربع صفحات، طول الصفحة سبعة وثلاثون سنتيمترا، ذات نهرين، إحداهما باللغة التركية، وفى الآخر ترجمتها باللغة العربية.
يذكر لويس عوض: «لما كانت لغة البلاد الرسمية يومئذ هى اللغة التركية فقد كانت «الوقائع المصرية» تكتب أصلا باللغة التركية ثم تترجم بعربية ركيكة مما كان فى طاقة جاهلية ذلك العصر، أما موضوعات هذه الجريدة فلم تكن تخرج عن الأخبار الرسمية وبعض الوقائع المتفرقة، ثم دخلتها الأخبار الواردة من الخارج ابتداء من العدد 15، وظل الحال على هذا المنوال حتى عين رفاعة الطهطاوى رئيسا لتحريرها فى 11 يناير عام 1842».
أحدث «رفاعة» انقلابا فى «الوقائع المصرية»، يحدده «عوض» قائلا: «كانت المواد التركية تشغل النصف الأيمن من صفحات الجريدة باعتبار أن التركية كانت لغة البلاد الرسمية، بينما كانت العربية تشغل النصف الأيسر باعتبار أنها الفرع لا الأصل، وعكس رفاعة الوضع وخصص العمود الأيمن للمادة العربية، والأيسر للتركية، كذلك خطا الخطوة الباسلة التالية، بأن جعل المادة الأصلية تكتب باللغة العربية ثم تترجم للتركية، أما الخطوة الباسلة الثالثة فجعل أخبار مصر تتقدم كل الأخبار ثم تأتى بعد ذلك الأخبار الواردة من الخارج، بما فى ذلك أخبار تركيا صاحبة السيادة على البلاد».
يؤكد «عوض»، أن رفاعة الطهطاوى استطاع أن يثبت هذا النظام عاما كاملا، ولكن الطبقة الحاكمة التركية تألبت عليه، وأرغمته على التراجع فيما أجرى من إصلاحات، فعاد كل شىء إلى سيرته الأولى، ومع ذلك استطاع رفاعة أن يسجل للغة العربية والقومية المصرية نصرا أدبيا عظيما فى زمن كان نفوذ الترك فيه يسيطر على كل شىء فى البلاد أو يكاد.
يضيف عوض: «بقية القصة فيما فعله هذا الرجل العظيم فى «الوقائع المصرية» هى أنه أفسح صفحاتها للمواد الأدبية والثقافية بوجه عام، فكان ينشر فيها مقتطفات من «مقدمة ابن خلدون» أو غيرها من نصوص الأدب العربى، أو ينشر فيها مواد فى الاقتصاد أو فى التجارة، أو فى التعريف بثروات السودان ووسط أفريقيا، وكانت الافتتاحية لا تخرج عن مقال فى مدح الوالى والتسبيح بحمده، فجعلها الطهطاوى مقالا تحليليا عميقا فى موضوع من الموضوعات السياسية والاجتماعية».
ويذكر الدكتور إبراهيم عبده، الجوانب التنظيمية التى حدثت للوقائع المصرية مع تولى رفاعة مسؤولية تحريرها وهى: «قيام السلطات العليا بتكليف الدواوين المهمة بموافاة إدارة المدرسة «المشرفة على الوقائع» بالأخبار، واحتاطت الوقائع فى ذلك تنظيما بأنه إذا لم ترد هذه الحوادث فى الوقت المناسب يكلف على لبيب أفندى معاون ديوان المدارس والمترجم العربى بالذهاب إلى الدواوين لإحضار هذه الأخبار، وأصبحت تصدر كل أسبوع فى يوم الجمعة، وقررت أن يكون لها مكان للبيع هو «دار الطباعة العامرة ببولاق»، وقدر لثمن النمرة الواحدة قرش وللاشتراك فيها 12 قرشا فى الأشهر الثلاثة، وأربعة وعشرون قرشا فى نصف السنة وضعفها فى العام الكامل، كما أنها أعلنت قراءها بسياستها الجديدة فى التحرير والتبويب».