قليلة هي الأفلام التي تقدم بصدق وحب وإيمان من صانعيها، ذلك الصدق الذي يجعل المشاهد يتماهى مع الشخصيات المقدمة على الشاشة يحبها، يفرح لفرحها ويحزن لحزنها، يتعاطف معها وكأنها جزء من دائرته المقربة، وهو ما نجح فيه فيلم "مقسوم" بطولة الثلاثي ليلي علوي وشيرين رضا وسما إبراهيم ومن تأليف هيثم دبور وإخراج كوثر يونس.
فيلم "مقسوم" ألقى الضوء من جديد على علاقة أصبحت نادرة في تلك الأيام وهي الصداقة، نادرة في صدقها على مستوى حياتنا ونادرة أيضا على الشاشة فالتجارب التي تركز على هذه العلاقة قليلا ما قدمت في أعمال سينمائية ككقصة رئيسية، في يقيني أن صناع الفيلم على دراية كبيرة بأهمية الصداقة على المستوى الإنساني وهو من ضمن أسباب التحمس للعمل بكل تأكيد، خصوصا مع تعظيم قيمة الصداقة والفن والحب والجميل في الفيلم أنك تدخله مثقلا بالهموم تخرج وأنت تشعر بالرشاقة والخفة.
اللافت هو اختيارات الفنانة ليلى علوى لأدوارها في السينما مؤخرا، حيث تعكس تنوع كبير خصوصا مع تلك الأدوار التي تحمل ملمح كوميدي لكنها لا تترك إلا بعد أن تبكيك أيضا، كذلك شيرين رضا والتي حافظت طوال الفيلم على التمسك بخيط الشخصية تلك المرأة الجميلة الشرسة والحنونة في ذات الوقت، سما إبراهيم ورغم النجاح الكبير الذي حققته مؤخرا في مجال الكوميديا إلا أنها قادرة على التلون والتنوع.
ذكاء هيثم دبور مؤلف الفيلم في تقديمه نوستالجيا التسعينيات كإطار عام للفيلم كان عامل جاذب ولكن حقيقة الأمر أن تفاصيل الشخصيات الثلاثة وبناها الدرامي هو الأكثر جاذبية، فالثلاثي لكل منهن تفاصيله وملامح شخصيته بصراعتها النفسية ونعومتها مواطن قوتها وضعفها على إمتداد اختلافاتهن.
الموسيقى التصويرية للعمل لخالد الكمار هي واحدة من أهم بطلات الفيلم خصوصا بتفردها مع كل شخصية وما يناسب تفاصيل شخصيتها من موسيقى وكأن خالد يروى بموسيقاه حال شخصيات الفيلم وما وصلت له من تحول ثم العودة من جديد لحالة الآلق مرة أخري.
كوثر يونس نجحت بجدارة في أول أعمالها الروائية الطويلة وأثبتت أنها مخرجة محترفة تعي تماما قيمة وقدرات أبطال فيلمها الرشيق واستطاعت أن تضفر كل نقاط قواهم في تقديم لوحة فنية متكاملة، حتى أن اختيارات ضيوف الشرف جميعها موفقة من محمد ممدوح لمحمد شاهين وتامر حبيب وثراء جبيل وغيرهم.