عندما تتجول سيرا على الأقدام داخل طرقات قرية القراموص بمحافظة الشرقية، تجد مساحات شاسعة مزروعة بعيدان البردى التى تتمايل مع نسمات الهواء العليل، لترسم لنا لوحة فنية خضراء بديعة المنظر، شاهدة على عبق الحضارة المصرية، لتلك القرية الشرقاوية التى دخلت التاريخ من حيث زراعة ورق البردى، حيث لا يزال أهالى تلك القرية يحتفظون دون غيرهم، بسر صناعة ورقة البردى وتصديرها للخارج، حيث لا يزال عدد من أبناء تلك القرية يمتهن حرفة صناعة ورقة البردى للحفاظ عليها من الإندثار، تلك الورقة التى عرفتها القرية قبل نحو 55 عاما، عندما جلب اثنان من أبناء القرية وهما الدكتور "حسن رجب" ومعه الدكتور "أنس مصطفى" أستاذ الفنون الجميلة شتلات من نبات البردى وقاما بزراعتها أمام منزلهما سنة 1965، ومن هنا كانت انطلاق تلك الورقة التاريخية فى قرية "القراموص" التى تحولت أغلب منازلها فى ذلك الزمان لخلايا نحل تزرع وتصنع الورقة وتصدرها إلى كل أنحاء العالم، وكانت شجرة الخير على الأهالى بجميع أنحاء القرية.
"شجرة البردى كانت مصدر خير على كل أهالى القرية" هكذا سرد العم "الوجيه عمارة" 55 عاما حكايته مع ورق البردى، قائلا: إنه يعمل فى تصنيع ورق البردى منذ أكثر من 40 عاما وعن مراحل الزراعة والتصنيع، أكد أن البردى نبات يزرع طوال العام ويحب المياه باستمرار ويتم زراعة 10 شتلات بالقيراط لكى يكون هناك مسافة بين السيقان وبعضها، ويتم حصاد وتقطيع عيدان البردى من الأرض ثم تقطعيه مقاسات مختلفة، حتى يصل متر فى مترين، ثم مرحلة التقطيع والتشريح إلى شرائح رفيعة بالخيط البلاستيك ويتم وضع الشرائح فوق بعض ثم يتم الفصل بينها بالقماش، وبعدها يتم تجهيزه لعملية الكبس، وبعضها يترك الورق على كراتين فى الشمس ليجف ثم تتشكل اوراق البردى، ثم نرسل الورق المطبعة لتشكيل الأوراق والرسم عليها والتلوين وتكون جاهزة للبيع.
وأضاف أنه يتم توزيع المنتج إلى كافة المحافظات والأماكن السياحية مثل محافظات الأقصر وأسوان والغردقة ومناطق شرم الشيخ وخان الخليلى والهرم، لبيعها للسائحين، حيث يحرص السياح على شراء تلك الورقة أثناء زيارتهم لمصر، وأرجع سر احتفاظ أهالى القراموص بتلك الصناعة، يرجع إلى الصبر وطول الباب لأن كل شغل البردى يدويا.
وتابع" أحمد" من شباب القرية ولا يزال يعمل داخل منزله فى صناعة البردى، أن تلك الحرفة التراثية، تقاوم التكنولوجيا وتتحدى الزمن لكى تظل قريته محتفظة باسمها فى التاريخ المصري، وكان كل الشباب والطلاب يعملون فى ورش البردى بالقرية فى فترة الإجازات المدرسية لكى يحصلون على ما يكفى نفقاتهم من المادة، لكن ما يحزنه هو تعرض تلك الصناعة لحالة من الركود عن الماضى، حيث تسبب عدة أحداث فى ركود تلك الصناعة منها أحداث ثورة 25 يناير، وما كادت الصناعة تتعافى حتى حلت أزمة كورونا على العالم وتعطل التصدير والإنتاج ثم الحرب الروسية الأوكرانية وأخيرا حرب فلسطين، كل ذلك أثر كثيرا على تلك الصناعة لأنها قائمة على السياحة، مما دفع عدد من شباب وأهالى القرية للبحث عن فرص عمل فى القطاع الخاص ولم يتبقى فى تلك الصناعة إلا عدد قليل من أهالى القرية الذى يجد نفسه فى صناعة البردى.
من جانبه، أكد الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية، أن المحافظة تسابق الزمن للحفاظ على صناعة البردى من الاندثار، وسبق وتم الاتفاق مع منظمة اليونسكو على إدارج صناعة البردى ضمن قائمة التراث اللامادى لتوضيح القيمة العالمية للتراث المصرى بين دول العالم، وتم تشكيل لجنة قومية لإعداد ملف الصون العاجل لصناعة البردى، كما تم إعداد خطة لتنمية صناعة البردى بالتنسيق مع فريق عمل من دولة إيطاليا ووزارتى الآثار والسياحة للحفاظ على تلك الصناعة التى تمثل قيمة فنية وأثرية وترويجها سياحيا فى المعارض الدولية، كما تم التنسيق مع وزارة الآثار على عرض منتجات ورق البردى بجميع المواقع الأثرية وإنشاء معامل وورش تدريب لترميم البرديات وتحسين جودة المنتج.
فيما قالت الدكتورة رشا حسن رأفت، مدير إدارة السياحة، ومدير إدارة الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بالشرقية، إننا شاركنا بمنتجات الحرف فى العديد من المعارضات التى تقيمها المحافظة، وآخرها متحف تل بسطة منذ 10 أيام بحضور وزير التنمية المحلية، وتابعت أن مبادرة وزارة التنمية المحلية، الإهتمام بالحرف اليدوية، وتدشين اول منصة إلكترونية للحرف اليدوية وخاصة المنتجات الفريدة فى محافظات مصر، وكانت اول حرفة شاركنا بها فى المبادرة البردى، ومحور تنمية الحرف لكى تستمر وتم الاتفاق مع قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للاثار، للحفاظ على الحرفة.
الورقة بعد التجفيف
تقطيع العيدان
سيدات تصنع البردى
شجرة الخير
طفل اثناء حصاد البردى
فتاة تعمل فى تقطيع البردى
مراحل تقطيع البردى لشرائح
نبات البردى يزرع بالقرية منذ اكثر من 55 عاما
نبات البردى يزين قرية القراموص
نبات البردى
نبات يحاكى عبق الحضارة المصرية
ورق البردى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة