بالرغم من التوترات التي تشهدها القارة السمراء وخاصة القرن الإفريقي، يعمل المجتمع الدولي والدول العربية على استقرار وأمن المنطقة، إلا أن إثيوبيا لها نظرية أخرى، وهى العمل على زعزعت السلم والأمن فيها، وتطمع في تحقيق أهدفها الغير مشروعة بالاتفاق مع من لهم الحق في اتخذ القرارات، مرورا بالتراجع عن تعهداها في أزمة سد النهضة مع مصر، ووصولا إلى اتفاق مخالف للقوانين مع إقليم أرض الصومال، الذي بموجهة تحاول أن يكون لها ميناء على البحر الأحمر.
واستمرت مصر 10 سنوات في التفاوض مع إثيوبيا، حول الخلافات الخاصة بسد النهضة، حتى وصلت إلى طريق مسدود، فالقاهرة التي وحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل الشرقي "مصر والسودان وأثيوبيا وركزت في المناقشات على أساس المنفعة المتبادلة بعدم الضرر والعمل على تحقيق المصلحة للجميع، تأمل أديس أبابا" في أن يتم التوقيع على ورقة غير ملزمة تقوم بموجبها دولتي المصب بالتخلي عن حقوقهما المائية والاعتراف لأثيوبيا بحق غير مشروط في استخدام مياه النيل الأزرق بشكل أحادي وبملء وتشغيل سد النهضة وفق رؤيتها المنفردة.
وتحاول إهدار كافة الاتفاقات والتفاهمات التي توصلت إليها الدول الثلاث خلال المفاوضات الممتدة لما يقرب من عقد كامل، بما في ذلك الاتفاقات التي خلصت إليها جولات المفاوضات التي أجريت مؤخراً بمشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولي.
وردا على ذلك أعلنت مصر أنها تقدمت بطلب إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول سد النهضة الأثيوبي تدعو فيه المجلس إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان التفاوض بحسن نية تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة الإثيوبي، وعدم اتخاذ أية إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق. وقد استند خطاب مصر إلى مجلس الأمن إلى المادة ٣٥ من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين .
واتخذت مصر هذا القرار على ضوء تعثر المفاوضات التي جرت مؤخراً حول سد النهضة نتيجة للمواقف الأثيوبية غير الإيجابية والتي تأتي في إطار النهج المستمر في هذا الصدد على مدار عقد من المفاوضات المضنية، مروراً بالعديد من جولات التفاوض الثلاثية وكذلك المفاوضات التي عقدت في واشنطن برعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولي والتي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث والذي قوبل بالرفض من أثيوبيا، ووصولاً إلى جولة المفاوضات الأخيرة التي دعا إليها السودان الشقيق وبذل خلالها جهوداً مقدرة من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يراعي مصالح كافة الأطراف، إلا أن كافة تلك الجهود قد تعثرت بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى أثيوبيا، وإصرارها على المضي في ملء سد النهضة بشكل أحادي بالمخالفة لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في ٢٣ مارس ٢٠١٥ والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم أثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب .
لكن في 19 ديسمبر 2023، انتهى في أديس أبابا الاجتماع الرابع والأخير من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا الذي سبق إطلاقه في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بالانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد في ظرف أربعة أشهر. ولم يسفر الاجتماع عن أية نتيجة نظراً لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة. كما بات واضحاً عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق بمعزل عن القانون الدولي . على ضوء هذه المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت. هذا، وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حاله تعرضه للضرر .
وقد أكدت الدولة المصرية مرارا وتكرارا ، موقفها بشأن الالتزام بالتوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح وشواغل مصر والسودان وإثيوبيا.
كما أصدرت الخارجية المصرية بيانا قالت فيه "اتصالاً بما تم الإعلان عنه يوم الأحد 10 سبتمبر 2023 حول إتمام إثيوبيا عملية الملء الرابع لخزان سد النهضة، فإن ذلك يعد استمراراً من جانب إثيوبيا في انتهاك إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام ٢٠١٥، والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي قبل الشروع في عملية الملء . إن اتخاذ اثيوبيا لمثل تلك الإجراءات الأحادية يُعد تجاهلاً لمصالح وحقوق دولتى المصب وأمنها المائى الذي تكفله قواعد القانون الدولي، إن هذا النهج، وما ينتج عنه من آثار سلبية، يضع عبئاً على مسار المفاوضات المستأنفة، والتى تم تحديد أربعة أشهر للانتهاء منها، والمعقود الأمل في أن تشهد جولتها القادمة المقرر عقدها في أديس ابابا، انفراجة ملموسة وحقيقية على مسار التوصل إلى اتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد ."
أطماع في أرض الصومال
لم تقف إثيوبيا عن استهتارها بأمن واستقرار المنطقة وتعنتها في مفاوضات سد النهضة، لكن الأمر وصل إلى انتهاك للقوانين الدولية، وأبرمت حكومة إثيوبيا بقيادة أبي أحمد، اتفاقا مع "أرض الصومال" أو ما يعرف بـ" صوماليلاند"، وهى تعتبر المحافظات الشمالية لدولة الصومال، وحصلت بموجبه على منفذ بحري، وصفت مقديشو اتفاقاً وقعته إثيوبيا وهي الدولة غير الساحلية مع جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد حول منفذ بحري بأنه عمل "عدواني".
حينها قال رئيس الجمهورية الصومالية، حسن شيخ محمود، إن ما قامت به دولة إثيوبيا من توقيع اتفاقية مع أرض الصومال (المحافظات الشمالية للصومال)، يعد انتهاك صارخ ضد القوانين الدولية ولا يمكن تنفيذه بأي حال من الأحوال.
وردا على ذلك أكدت وزارة الخارجية المصرية، ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة الصومال على كامل أراضيه، ومعارضة القاهرة لأى إجراءات من شأنها "الافتئات" على السيادة الصومالية.
وذكر بيان للخارجية المصرية أن القاهرة "قدرت خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها، التي تقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، في الوقت الذي تشهد فيه القارة الإفريقية زيادةً في الصراعات والنزاعات التي تقتضي تكاتف الجهود من أجل احتوائها والتعامل مع تداعياتها، بدلاً من تأجيجها على نحو غير مسؤول".
وأضاف البيان أن مصر تؤكد "ضرورة احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها، ومبادئ الاتحاد التي تنص على ضرورة احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى".
وفي 21 يناير الجاري، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى بقصر الاتحادية "حسن شيخ محمود" رئيس جمهورية الصومال الشقيقة، حيث عقدا مباحثات بشأن سبل تعزيز العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية.
وقال الرئيس السيسى فى كلمته بالمؤتمر الصحفى المشترك، إنه "فيما يتعلق بالاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا، فتحدثنا عن أننا فى مصر كان لنا موقف واضح تم تسجيله وصدر بيان عن وزارة الخارجية المصرية برفض هذا الاتفاق، ومن ثم نؤكد على رفض مصر التدخل فى شئون الصومال أو المساس بوحدة أراضيها، مشيرا إلى أن هذا الموضوع أحد النقاط التى تم مناقشتها مع الرئيس الصومالى"
وأضاف الرئيس السيسى، أن الصومال دولة عربية ولها حقوق طبقًا لميثاق الجامعة العربية فى الدفاع المشترك لأى تهديد لها، مؤكدًا بكل وضوح أن مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو يمس أمنها، مضيفًا:" محدش بجرب مصر ويحأول يهدد أشقاءها خاصة لو أشقاءها طلبوا منها التدخل".
من جانبه أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود- خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن مصر تعتبر حليفا تاريخيا ودولة شقيقة وصديقة للصومال، معربا عن تطلعه إلى المزيد من الرخاء والتعاون القائم على الاحترام والمنافع المشتركة بين البلدين.
وثمن الرئيس الصومالي الدعم الفوري من الرئيس السيسي للصومال عبر إدانة والتصدى لمحاولة إثيوبيا غير القانونية تقويض السيادة وسلامة الأراضي الصومالية.
رفض أمريكي أوروبي عربي لاتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال
فيما شدّدت الولايات المتّحدة على وجوب احترام سيادة الصومال بعد الاتّفاق المثير للجدل، وتعليقاً على هذه التطورات، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إنّ "الولايات المتّحدة تعترف بسيادة جمهورية الصومال الفدرالية ووحدة أراضيها".
وأضاف "نحن ننضمّ إلى الشركاء الآخرين في التعبير عن قلقنا العميق إزاء تفاقم التوتّرات في القرن الأفريقي".
وشدّد ميلر على "أنّنا نحضّ كلّ الأطراف المعنية على الانخراط في حوار دبلوماسي".
وكان الاتّحاد الأوروبي أصدر موقفاً مماثلاً شدّد فيه على أنّ احترام سيادة الصومال هو "مفتاح" السلام في القرن الإفريقي.
وأكد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، موقفه الداعم لوحدة وسيادة واستقلال الصومال.
موقف عربي ضد الأطماع الإثيوبية
بدوره أكد البرلمان العربي على رفضه التام لأية محاولات لانتهاك سيادة واستقلال ووحدة جمهورية الصومال الفيدرالية، مطالباً إثيوبيا بالالتزام بقواعد ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية، بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما أكد البرلمان العربي أن أمن واستقرار الصومال واحترام سيادتها هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، مشدداً على دعم البرلمان العربي لجمهورية الصومال الفيدرالية فيما تتخذه من إجراءات قانونية للحفاظ على استقرارها وسيادتها الوطنية على كامل أراضيه.
وبخصوص موقف الجامعة العربية، فقد أعلنت عن تضامنها مع الصومال في رفض وإدانة المذكرة الموقعة بين إثيوبيا وإقليم "أرض الصومال" بشأن حصول الدولة الحبيسة على منفذ بحري على أراضي الإقليم، باعتبارها انتهاك لسيادة الدولة الصومالية وسلامة أراضيها.
وأعرب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية المستشار جمال رشدي عن رفض وإدانة أي مذكرات تفاهم تخل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية، أو تحاول الاستفادة من هشاشة الأوضاع الداخلية الصومالية أو من تعثر المفاوضات الصومالية الجارية بين أبناء الشعب الصومالي بشأن علاقة أقاليم الصومال بالحكومة الفيدرالية، في استقطاع جزء من أراضي الصومال بالمخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، وبما يهدد وحدة أراضي الدولة الصومالية ككل.
وقال رشدي إن الجامعة العربية تتضامن بشكل كامل مع قرار مجلس الوزراء الصومالي الذي اعتبر مذكرة التفاهم للشراكة والتعاون الموقعة في 1 يناير 2024 بين إثيوبيا و "أرض الصومال" باطلة ولاغية وغير مقبولة، و أنها تمثل انتهاكا واضحاً لسيادة ووحدة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية وكذلك للقانون الدولي.
وحذر المتحدث من خطورة تأثير تلك الخطوة على نشر الأفكار المتطرفة في وقت تقوم الدولة الصومالية بجهود ضخمة لمواجهة الإرهاب.
كما سارعت الدول العربية على نهج الدولة المصرية في دعم الصومال في مواجهة الأطماع الإثيوبية، وقد أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة دعم سيادة الصومال ووحدة أراضيه واستقلاله، ودعم حكومة الصومال الفيدرالية في ممارسة كامل سيادتها على أراضيها، والعمل مع التوافق العربي على دعم الصومال.
وترأس خليفة شاهين المرر، وزير دولة، وفد الإمارات المشارك في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته غير العادية الذي عقد في 17 يناير الجاري، بناء على طلب جمهورية الصومال الفيدرالية، وذلك عبر تقنية الاتصال المرئي؛ للتباحث حول مستجدات العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، وتداعيات توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة